العدسة – ربى الطاهر

ارتبط كثيرا ذكر أمراض خطيرة بالتدخين، وربما أكثرها فتكا بصحة الإنسان، كأمراض السرطان والقلب والشرايين، وكذلك أمراض الجهاز التنفسي، إلا أنه بمرور الوقت يتم اكتشافات أخرى جديدة للتأثير السلبي للتدخين.. فوسط الكثير من الدهشة كشفت دراسة جديدة عن أن التدخين يرتبط بأمراض العمود الفقري، وقام بالدراسة علماء من جامعة أوميو في السويد، والتي بينوا فيها أن التدخين يقف وراء أمراض جديدة وغير متوقعة، ومنها أمراض خطيرة في العمود الفقري.

وأوضح البروفيسور أركان سيد نور، أحد أعضاء فريق البحث: ” لقد أجريت هذه الدراسة على 332 ألف شخص من السويد، تم الاطلاع على تاريخهم المرضي، من خلال ملفاتهم الطبية التي شملت كل ما عرضوا له في الفترة من عام 1987 إلى عام 2017، وتم أثناء ذلك التركيز على ما يقومون به من عادات سيئة مثل التدخين، ومدي تأثير تلك العادات على صحتهم العامة”، وتبين من خلال دراسة تلك المعلومات أن التدخين يسبب ضيقا في القناة الشوكية في المنطقة القطنية للعمود الفقري، وأن أكثر شريحة معرضة للإصابة بمشاكل العظام وخاصة العمود الفقري، هم هؤلاء الأشخاص الذين يدخنون بشراهة “أى يتجاوز تدخينهم الـ 15 سيجارة في اليوم”، وذلك بنسبة 41%، أما الشريحة الأخرى، والتي لم تصل إلى هذا الحد في التدخين وتقل معدلات تدخينهم عن الشريحة الأولى فهم أيضا ليسوا بمنأى عن تلك الإصابات ومعرضون أيضا لإصابات الظهر ولكن بنسبة أقل، وتصل إلى 31%.

ويعتقد البعض أن هذه العلاقة بين التدخين وآلام العمود الفقري غير منطقية، ولكن العلماء أكدوا وجود هذا الرابط الذي يتسبب فيه مادة النيكوتين الموجودة في السجائر، والتي تمنع وصول الدم إلى القناة الشوكية فيؤدي هذا مع الوقت إلى تضييقها، وحدوث هذا التضييق يسبب الضعط على النهايات العصبية، وبالتالى، تولد آلام عصبية شديدة.

التهاب المفاصل

فيما أضافت دراسة أخرى نتيجة جديدة إلى تلك النتائج السابقة، تفيد بأن المدخنين المصابين بآلام المفاصل، وخاصة مرض التهاب مفاصل الركبة، معرضون لحدوث تدهور أسرع كثيرا في المفاصل من غير المدخنين الذين يعانون نفس المرض.

وبالفعل عبر المدخنون، في تلك الدراسة التى شملت 159 مصاب بالتهاب مفاصل الركبة، عن شعورهم بآلام مضاعفة، بل وتبين أن لديهم احتمالات أعلى في الإصابة بأضرار في غضاريف المفصل.

وغضاريف المفصل هى عبارة عن أنسجة مرنة قابلة للتمدد، وتكسو أطراف العظام، ولكن إذا أصيبت مفاصل العظام بالالتهاب تتعرضت تلك الغضاريف للتلف بشكل تدريجي، وهو ما يؤدي إلى الشعور بآلالم وتشوه العظام.

وفي الوقت الذي ذهبت فيه بعض الدراسات إلى أن المدخنين قد يكونون أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالالتهاب العظمي المفصلي، انتقدت دراسة أخرى أجريت تحت إشراف الدكتور شرياسي أمين، بمستشفى مايو كلينيك، بكلية الطب بجامعة روشستر بولاية مينيسوتا، ما تم التوصل إليه من أن المدخن ربما يكون أكثر معاناة عندما يصاب بنفس المرض، واعتبروا أن هذه النتائج استفزازية، ومن الضروري إجراء المزيد من البحث للتأكد من تلك النتائج.

وقد تابعت الدراسة التي نشرتها دورية الأمراض المفصلية السنوية على الإنترنت، والتي توصلت لتأثر المدخنين بدرجة أكبر إلى متابعة المرضى المصابين بالالتهاب العظمي المفصلي لفترة زمنية وصلت إلى عامين ونصف.

وخلال هذه الفترة تم قياس حجم الأضرار الغضروفية بالركبة، من خلال الفحص بأشعة   MRI منذ بداية البحث، ثم على فترات زمنية أبعد، وحتى نهاية البحث، وكان المرضى يصفون مستوى الآلام التي يشعرون بها في الركبة عند كل فحص أو متابعة طبية.

ثم توصلت الدراسة التى قام بها د.أمين للتاكد من تأثير التدخين على آلام المفاصل إلى أن الرجال الذين قد خضعوا للبحث وكانوا من المدخنين زادت لديهم أعراض التهابات الغضاريف بنسبة أكبر مع مرور الوقت، بالرغم من أنهم كانوا أصغر سنا وأقل وزنا، وهي عوامل قد تساهم كثيرا في تأخير تفاقم الالتهاب المفصلي، إلا أنهم صرحوا بشعورهم بآلالم بدرجة أكبر، مقارنة بنظرائهم من غير المدخنين.

وأرجع الباحثون تأثير التدخين على تفاقم مرض الالتهاب المفصلي، إلى أن التدخين قد يتسبب في تجريد الأنسجة من الأكسجين، الأمر الذي قد يعوق عملية الترميم الطبيعي للغضاريف، وربما أيضا يأتي هذا الشعور المضاعف بآلالم لدى المدخنين، رغم أن الغضروف نفسه لا يوجد ألياف في تكوينه قد تشعر بآلالم ذلك التلف الذي يحدث بمكونات أخرى في المفصل الملتهب.

التدخين يسبب الروماتيزم

فيما رجح بحث علمي أجري في مستشفى سانت هيلين في مدينة ليفربول البريطانية، أن للتدخين علاقة بتوليد أجسام مضادة تسبب الروماتيزم، وربما يتسبب تدخين عشرين سيجارة أو أكثر في اليوم لفترة زمنية طويلة إلى جعل صاحبها أكثر عرضة لالتهاب المفاصل الروماتيزمي، وتوصل البحث إلى أن أكثر من نصف المصابين لا يوجد لديهم تاريخ وراثي عائلي.

كما أشار البحث إلى أن طول فترة التدخين قد تزيد من تضاعف نسب الإصابة، فمثلا  الأشخاص الذين دخنوا لفترة تتراوح ما بين أربعين إلى خمسين سنة، قد تزيد احتمالات إصابتهم بالروماتيزم بمقدار ثلاث عشرة مرة، مقارنة بغير المدخنين، بينما تقل نسبة تضاعف الإصابة كلما كانت فترات التدخين أقل.

وقد شملت الدراسة 239 مريضا بالروماتيزم، ونفس العدد من الأصحاء، وظهرت النتائج لتوضح أن المصابين كانوا من الأشخاص المدخنين، بل وأن أكثر من نصف هؤلاء المصابين لم يكتسب هذا المرض بالوراثة، وهو الأمر الشائع في الإصابة بالروماتيزم، بينما كان الأشخاص الذين لم يتعرضوا لهذا المرض ممن لم يدخنوا من قبل.

وتصل نسبة الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتيزمي، الذي يعتبر من الأمراض المزمنة، إلى 1% من سكان بريطانيا.

ويختلف التهاب المفاصل عن النوع الآخر من التهاب المفاصل العظمي، في أن الأول يلحق الضرر بالغضاريف والأنسجة المحيطة، بينما يقوم الثاني بإلحاق الضرر بتآكل المفاصل.

ولم يتوصل الباحثون إلى الآن لأسباب تدخل التدخين لفترة زمنية طويلة في زيادة نسبة الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتيزمي، ولكن من المرجح أن التدخين يساعد في توليد نوع من الأجسام المضادة، وهو الروماتيزم الذي يسبب التهاب المافصل في الكثير من الأحيان.

ويوضح الباحثون أن فهم حقيقة أن هناك علاقة بين التدخين والروماتيزم قد يساعد أكثر على فهم طبيعة المرض الذي قد يتخذ أشكالا مختلفة تتراوح بين ألم المفاصل وتشوه تركيبها.

هشاشة العظام

وبرغم كل التحذيرات من الآثار المترتبة على التدخين فإن أغلبها يركز على سرطان الرئة، ولكن لا تتطرق التحذيرات إلى أن المواد الكيميائية التى تخرج مع دخان السجائر، مثل النيكوتين، وأول أكسيد الكربون، وسيانيد الهيدروجين، تنتقل بين أعضاء الجسم المختلفة، فمن الرئتين إلى مجرى الدم، ثم إلى باقي أعضاء الجسم، والتي تصل بدورها إلى العظام والمفاصل والعضلات، فتؤدي إلى مخاطر لا حصر لها، ومنها:

يعد التدخين من العوامل التي تؤدي إلى الإصابة بمرض هشاشة العظام، فقد وجد أن 35% من كبار السن المدخنين أكثر عرضة للكسر من الآخرين غير المدخنين، وقد تتخطى نسبة الوفيات في السيدات سنويا، بسبب كسور مفصل الفخذ عن تلك الناتجة عن سرطان الثدي، فالتدخين يساعد على ضعف العظام، فهو يقلل من تدفق الدم الذي يصل إلى العظام، كما هو الحال في العديد من أنسجة الجسم الأخرى .

كما يؤثر النيكوتين الموجود في دخان السجائر على إبطاء إنتاج الخلايا المكونة للعظام، مما يؤدي لنقص كمية العظام بالجسم، إضافة إلى أنه يساعد في تقليل امتصاص الكالسيوم من الغذاء، والذي يعتبر من أهم العوامل الضرورية لتكوين العظام، وهو ما يتسبب في ضعف  العظام، كما أنه يساعد على تكسيرهرمون الأستروجين في الجسم، والذي يعتبر من أهم الهرمونات التى تحافظ على تكوين هيكل عظمي قوي.