العدسة – ياسين وجدي:
ماتزال المطالبات بالإطاحة بالديكتاتور السوري “بشار الأسد” مطلبا أساسيا رغم حصار الثورة ومرور نحو 8 أعوام على بدايتها.
مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط ، طرح في تقدير موقف حديث مصير بشار الأسد مجددا للحديث في مطالعة دورية بين خبرائه ، بعد رصده مؤشرات جديدة في التنسيق التركي الأمريكي .
خبراء “كارنيجي” يرون أن التنسيق بين الدولتين يحتاج إلى وقت للنضوج قبل التفكير في مصير بشار الأسد ، مؤكدين أن الملفات بين الدولتين أعمق من تداول قضية واحدة الآن في ظل اختلاف الأولويات بينهما، فيما يرون أن الإطاحة ببشار الأسد بات يحتاج مؤشرات جديدة تعطي مزيدا من التفاؤل بذلك.

محمل الجد !

من جانبه يرى أسعد العشي الخبير الاقتصادي السوري، والمدير التنفيذي لمؤسسة “بيتنا سوريا” المعنية بدعم المجتمع المدني السوري، إن توثيق التعاون التركي – الأميركي إلى التخفيف من حدّة التوترات بين منطقة شمال شرق سورية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ومنطقة الشمال الغربي الخاضعة إلى سيطرة الأتراك، وإلى تقليص احتمال حدوث أي تصعيد عسكري. أما على المدى الأطول، فقد تسمح شراكة أكثر متانةً بين الطرفين بإرساء أسس التعاون، ما يضع حوالى 40 في المئة من الأراضي السورية تحت مظلة واحدة.

ويضيف في تقدير الموقف الذي وصل ” العدسة” أنه مع ذلك، لن يكون أي من هذين السيناريوهين كافياً لإطاحة بشار الأسد، فقد استثمر الروس والإيرانيون بشكل كبير في الأسد وأعوانه، ولن يكونوا مستعدين للتنازل عن هذا الاستثمار مهما بلغت درجة التقارب بين تركيا والولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، لن تخاطر تركيا بإلحاق الضرر بعلاقتها مع روسيا (ولاسيما أنها أصلاً شريكاً لا تثق به)، بخاصةٍ مع انطلاق العمليات في خط أنابيب الغاز الطبيعي TurkStream بين روسيا وتركيا، وإمكانية تسليم نظام الدفاع الجوي الروسي “أس-400” إلى القوات المسلحة التركية، وهما حدثان مرتقبان في العام 2019.
وأوضح أن التنسيق التركي الأمريكي يمكن أن يدفع الأسد إلى أخذ المفاوضات على محمل الجدّ والانضمام إلى طاولة الحوار لإطلاق عملية سياسية تتمتّع بالمصداقية في انتظار اتّضاح نتائج مثل هذه المفاوضات.

تفاؤل أكثر !

وأوضح سولي أوزل بروفسور العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في اسطنبول، وكاتب مقال في صحيفة “هابرتورك”، أن المرحلة الراهنة من الحرب السورية تتطلب ما هو أكثر من التفاؤل كي نتوقع إطاحة بشار الأسد من السلطة، سواء قبل الصفقة أو كجزء منها، فحلفاؤه الإيرانيون على وجه الخصوص سيعملون على عدم حدوث ذلك، وفرص التنسيق التركي- الأميركي لإسقاطه، على الرغم أنها ممكنة، إلا أنها الآن معدومة، لأن لكلا “الحليفين” تصورات غاية في التباين حول ما يشكّل تهديداً إرهابياً في سورية، كما أنه لم يعد واضحاً ما إذا كانت واشنطن مُصرّة حقاً على رحيل الأسد.

وأضاف أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة، الأولوية هي لمنازلة تنظيم الدولة الإسلامية، وفي مثل هذا القتال، تُعتبر وحدات حماية الشعب الكردية هي الشريك الأمثل الذي يعتد به للقيام بذلك، حتى ولو كان الهدف الأميركي الأكثر طموحاً هو حمل إيران على التراجع، وفي هذا الأثناء فإن تركيا هي حليف الاختيار بالطبع، لكن وحدات حماية الشعب، وتنظيمها الأم حزب الاتحاد الديمقراطي، تُعتبر لدى أنقرة الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يشكّل الخطر الإرهابي الوجودي الأكبر عليها ، وقد عمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى وصف الدولة الإسلامية بأنه مجرد تنظيم من الدهماء، وأعاد إلزام نفسه مجدداً بالقضاء على وحدات حماية الشعب- الاتحاد الديمقراطي في المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، ومع وجود مثل هذه المصالح المتضاربة، ليس بمقدور واشنطن وأنقرة العمل بشكل منسّق، ما لم تُحل القضية الكردية.
وأشار سولي أوزل إلى أنه علاوة على ذلك، إذا ما وضعنا في الاعتبار اعتماد تركيا على حسن النيّة والدعم الروسيين في المناطق التي تُسيطر عليها وفي الأراضي الواقعة تحت هيمنتها في محافظة إدلب، سنصل إلى الاستنتاج أن أنقرة ستمتنع عن اتخاذ أي خطوات جذرية من شأنها وضع روسيا على طرفي نقيض معها.

علاقة متشنجة !

أما دوروثي شميد الخبيرة البارزة ومديرة برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية فترى أن تركيا ستظل خصماً صريحاً لبشار الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية، إذ ما انفكّت تطالب بتنحيته، خاصة أنه مع أن أنقرة تقرّبت من روسيا بعد الانقلاب الفاشل في العام 2016، إلا أن عملية تطبيع العلاقات مع النظام السوري لم تكتمل، ناهيك عن تزايد احتمالات نشوب مواجهة مباشرة في محافظة إدلب، لكن من غير المؤكّد ما إذا كانت القوات المسلحة التركية قد تعمد إلى خوض حرب شاملة مع نظام الأسد من دون دعم حلفائها الغربيين.

وأوضحت أنه خلال العام المقبل، سيكون هدف الولايات المتحدة الأساسي احتواء إيران. لذا، قد يؤدّي تحديد مصير الرئيس السوري إلى تعاون سياسي بين أنقرة وواشنطن، بيد أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا متشنّجة، كما أن استراتيجيتيهما في سورية متباينتان حول مسألة أساسية: فالولايات المتحدة تقف بشكلٍ حاسم إلى جانب قوات سورية الديمقراطية التي يغلب عليها الأكراد، لمساعدتها في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، فيما الأكراد يشكّلون مدعاة قلق أساسية لتركيا، وحافزاً قد يدفعها إلى شنّ حملة عسكرية خارج حدودها، وفي غضون ذلك، استعاد الأسد هامشاً من المناورة، لذا قد لايكون من السهل بالضرورة الإطاحة به.

أجندات مختلفة !

ويضيف توما بييريه الخبير في معهد الأبحاث والدراسات حول العالم العربي والمسلمين أنه ليس في وسع تركيا فعل الكثير في هذا الصدد، أكثر من تجنّب تقويض موقع واشنطن في شرق سورية؛ وهو الموقع الذي يشكّل مفاتيح الضغط الأميركية على دمشق مؤكدا أنه هذا هو الإطار الذي يمكن أن يكون التنسيق فيه مفيدا، وإلا فإن أنقرة، وعلى رغم تمنّعها المتواصل عن تطبيع العلاقات مع بشار الأسد، لن تضيف الكثير على الشراكة مع الأميركيين في مجال الفعالية والتأثير.

ويرى بييريه أنه رغم أن تموضع “تركيا” في شمال سورية يعتبر رصيداً مهما، لكنه في الواقع دفاعي النزعة، فالمناطق التي تحميها تركيا محدودة القيمة الاستراتيجية، بالمقارنة مع الأراضي الغنية بالنفط في شرق سورية، والأهم أن انكشاف أنقرة أمام خطر قيام الأسد وحلفائه بتسليح اللاجئين، يجعلها شريكاً غير محتمل في سياسة تغيير النظام، بما في ذلك حتى عبر الوسائل الدبلوماسية، والواقع أنها أُجبرت بالفعل على التخلي عن أحدى الأدوات القليلة المتوافرة لها ضد دمشق بفعل قبولها، كجزء من اتفاق سوتشي في سبتمبر الماضي، بأن يُسلّم متمردو محافظة إدلب نقاط الترانزيت في الأقسام أم-4 وأم-5 في الطرق الرئيسية التي يسيطرون عليها.