تُعد دبي واحدة من أبرز العوامل المساهمة في انتشار الفساد العالمي والجريمة والتدفقات المالية غير المشروعة، في تقرير* جديد لمؤسسة كارينغي للسلام الدولي تم تسليط الضوء على دور الإمارة في تمكين وتسهيل الفساد وأدواتها المستخدمة في ذلك.
خلفية
تعتبر دبي، مدينة القرن الحادي والعشرين، مركزًا ماليًا عالميًا وجنة للمتسوقين وواحة يتم التفاخر داخلها بمدى ثراء الفرد، وفي الوقت الذي تعد فيه الغالبية العظمى من المعاملات المالية والتجارية والعقارية في دبي لا ترتبط بأي نشاط غير قانوني، فإن جزءًا مما يدعم ازدهار دبي هو تدفق مستمر من العائدات غير المشروعة الناتجة عن الفساد والجريمة.
ساعدت الثروة على تغذية سوق العقارات المزدهر في الإمارة، وعلى إثراء المصرفيين ومصرفي النقد والنخب التجارية؛ ما ساهم بصورة كبيرة في تحويل دبي إلى مركز رئيسي لتجارة الذهب.
وكنتيجة لذلك، يواصل كل من القادة الإماراتيين والمجتمع الدولي غض الطرف عن السلوكيات غير المشروعة، والثغرات الإدارية، وممارسات الإنفاذ الضعيفة التي تجعل دبي وجهة جذابة عالميًا “للأموال القذرة”.
في الوقت الذي يعيد فيه القادة في واشنطن والعديد من العواصم الغربية الأخرى تقييم استراتيجياتهم وعلاقاتهم في الخليج بسبب الخريطة الجيوسياسية المتغيرة، والضرورات الاقتصادية الجديدة، والاختلافات المتزايدة مع الشركاء الإقليميين حول مجموعة من قضايا السياسة، هناك فرصة عابرة لرفع ومعالجة مخاوف بشأن دور دبي في تمكين الفساد العالمي وآثاره المتعددة المزعزعة للاستقرار؛ لكن القيام بذلك سيتطلب فهمًا جيدًا لسبب وكيف أصبح الفساد عنصرًا مركزيًا في الاقتصاد السياسي لدبي، كما سيتطلب من مكافحي الفساد إدراك أن أدوات السياسة التقليدية – والعقابية إلى حد كبير – لن تنجح في غياب جهد أكثر تأكيدًا واستدامة من القادة الإماراتيين لضمان بقاء اقتصاد دبي تنافسيًا وجذابًا على المدى الطويل.
مجالات القلق الرئيسية
تعمل الجهات الفاعلة الفاسدة والإجرامية من جميع أنحاء العالم عبر أو من دبي، أمراء الحرب الأفغان، والعصابات الروسية، والكلتوقراطيون النيجيريون، وغاسلو الأموال الأوروبيون، ومراقبو العقوبات الإيرانية، ومهربو الذهب في شرق إفريقيا، جميعهم يجدون جميعاً دبي مكاناً ومركزاً ملائماً للعمل.
سوق العقارات في دبي هو مصدر جذب للأموال الملوثة؛ بُنيت الإمارة لجذب المشترين الأجانب، ويهيمن عليها أبراج من شقق راقية وجزر من صنع الإنسان “مرصعة” بفيلات فاخرة، حيث يقبل مطورو العقارات ووكلاء العقارات مبالغ ضخمة من الأشخاص المكلفين بوظيفة عامة بارزة، فضلاً عن عائلاتهم وشركائهم – وغيرهم من المشترين المشبوهين، حتى الأفراد الذين تستهدفهم العقوبات الدولية يستخدمون ممتلكات دبي لغسل الأموال بسبب ضعف اللوائح والتراخي.
تعد دبي الآن واحدة من أكبر محاور تجار الذهب في العالم، وهي أيضًا مكان لغسل الذهب المستخرج يدويًا، خاصة من الأجزاء المعرضة للصراعات في شرق ووسط أفريقيا، لتسمح تلك الممارسات التجارية المبهمة والثغرات التنظيمية لهذا الذهب المغسول بدخول الأسواق العالمية على نطاق واسع.
مع ما يقرب من ثلاثين منطقة تجارة حرة، تعد دبي ملاذاً لغسيل الأموال في مجال التجارة، حيث تشتهر هذه المناطق بالحد الأدنى من الإشراف التنظيمي أو إنفاذ الجمارك، وتسمح للشركات بإخفاء العائدات الإجرامية من خلال الإفراط في دفع الفواتير أو تخفيض قيمتها أو تعددها، وتزوير وثائق تجارية أخرى.
كما يتم التعامل مع العديد من العمال الوافدين على أنهم سلع في دبي من خلال نظام الكفالة، وهو نظام عمل استغلالي يتقاسم بعض الخصائص مع الاتجار بالبشر.
تمتلك الحكومة المركزية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومسؤولو دبي، ووكالات إنفاذ القانون الإماراتية إلى حد كبير المعرفة التقنية والقدرة على معالجة هذه التحديات.
إن المنظمين والمسؤولين ووكلاء إنفاذ القانون الإماراتيين على دراية بكيفية استخدام دبي كقناة للمعاملات المالية غير المشروعة، وبالنسبة لاقتصاد دبي، تعد هذه ميزة، وليست خلل.
ما يحدث في دبي والإمارات العربية المتحدة مهم لأن كلاهما مهم استراتيجيًا للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبلدان أخرى، خاصة وأن الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من شركاء الأمن التجاريين الرئيسيين لواشنطن ولندن في المنطقة.
دبي، على وجه الخصوص، لها علاقات تاريخية وتجارية وثيقة مع إيران، علاوة على ذلك، فإن العديد من الأنشطة غير المشروعة الموضحة في هذا التقرير لها عواقب استراتيجية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة من حيث أنها تؤدي إلى تفاقم الصراع والجريمة المنظمة عبر الوطنية والإرهاب وسوء الحكم في البلدان في جميع أنحاء العالم.
مكافحة الفساد الشاقة والتحديات الإجرامية المنظمة
من أبرز التحديات التي تواجه مكافحي الفساد هو النطاق الواسع والتطور للتدفقات المالية غير المشروعة وشبكات التيسير العالمية التي تنتهي في دبي أو تعبرها، وتتقاطع هذه الروابط الإشكالية مع مجموعة من اهتمامات السياسة الإقليمية والوظيفية الأخرى.
غالبًا ما ترفض دبي، التي تتسم بالسرية والغموض، المحاولات الخارجية لتمييز ما إذا كان المتشددون والمجرمون يشترون الممتلكات أو يغسلون الأموال من خلال الإمارة، حيث تجد وكالات إنفاذ القانون الدولية صعوبة خاصة في الحصول على المعلومات وطلب التعاون من السلطات الإماراتية.
في تقريرها الصادر في أبريل/نيسان 2020 عن الإمارات العربية المتحدة، وجهت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية الحكومية الدولية (FATF) دعوة محددة إلى دبي بسبب العدد المحدود من المحاكمات والإدانات المتعلقة بغسل الأموال، ونتيجة لذلك، وضعت FATF الإمارة تحت مراقبة لمدة عام للتأكد من أنها تنفذ بالكامل تشريعات مكافحة غسل الأموال التي تم تمريرها مؤخرًا، وتعمل بنشاط على تفكيك شبكات غسيل الأموال الدولية، وتحسين التعاون الرسمي عبر الحدود في القضايا الجنائية، ومع هذه التهمة، لا يمكن لواضعي السياسات تجاهل فشل دبي في اتخاذ السياسة العلاجية وخطوات الإنفاذ اللازمة لوقف التدفقات المالية غير المشروعة.
التحديات الرئيسية الأخرى هي مؤسسات الإمارة ذات الطابع الشخصي للغاية وعدم وجود آليات لمحاسبة النخب، وعلى الرغم من أن المتورطين في تلك الجرائم نشطاء بالمثل وقادرون على استغلال اللوائح المتراخية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الأخرى، إلا أنهم يواجهون تدقيقًا من إنفاذ القانون ووسائل الإعلام والمجتمع المدني في تلك البلدان أكبر بكثير من الذي يواجهونه في دبي.
لا تدعم الإمارة الانتخابات المفتوحة، والصحافة الحرة، والمجتمع المدني النشط، كما تحارب الحق في الاحتجاج السلمي، وفي غياب الضغط المحلي والدولي، تتمتع النخبة الإماراتية بالحرية الكاملة في مقاومة الإصلاحات التي تعرض مصالحها الخاصة للخطر أو رؤيتها الاقتصادية السياسية المفضلة لدبي والإمارات بشكل عام، وإلى أن يكثف مكافحو الفساد الدوليون جهودهم للضغط على صناع القرار الإماراتيين لإجراء إصلاحات واتخاذ إجراءات صارمة ضد التدفقات المالية غير المشروعة عبر الإمارة، ستظل دبي تحديًا لجهود مكافحة الفساد ومكافحة الجريمة على مستوى العالم.
وأخيرًا، فإن دعوة دبي لدورها البارز في تسهيل التدفقات المالية غير المشروعة يصطدم بأولويات السياسة الاستراتيجية المتنافسة المهمة لصناع القرار الغربيين.
إن الإمارات العربية المتحدة حليف إقليمي مستقر وموثوق للولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، لطالما تمتعت حكومتها بصداقة خاصة مع واشنطن – صداقة تتجاوز خطوط الأحزاب السياسية، وقد أشار سفير أمريكي سابق في الإمارات العربية المتحدة إلى أنه “كان من المعروف جيدًا أنه إذا كنت بحاجة إلى القيام بشيء ما في الشرق الأوسط، فإن الإماراتيين سيفعلون ذلك”، ومن وجهة نظر سياسية عسكرية، فإن الإمارات تدعم علانية الحكومة الأمريكية في سياساتها تجاه إيران، ولذلك يجب على مكافحي الفساد الاعتراف بالأهمية الحقيقية لهذه العلاقات الاستراتيجية الوثيقة وأخذها في الاعتبار عند التعامل مع صناع السياسة الغربيين الذين ينظرون إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مع مجموعة واسعة من الأولويات في الاعتبار.
كيف يحدث تغيير في المستقبل؟
إن دور دبي كـ “ميسر” للفساد لا يمكن تحمله على المدى الطويل لأنه يعتمد على استمرار التسامح الدولي لموقف الإمارة المتساهل تجاه أنواع عديدة من الأنشطة غير المشروعة.
علاوة على ذلك، ستبقى الإمارة عرضة بشكل غير متناسب للصدمات الخارجية مثل الأزمة المالية العالمية لعام 2008، وهي أزمة لا تؤثر على أسواق الأعمال والعقارات والسفر والتمويل المشروعة فحسب، بل وأيضاً على المؤسسات الإجرامية. يمكن للإمارة أن تبدأ على الفور في التخلص من التدفقات المالية غير المشروعة من خلال تطبيق القوانين القائمة بشكل أكثر فعالية وشفافية، كما يمكن لدبي أن تشدد تنظيم قطاعات العقارات والذهب والمصارف، وتحرير قوانين العمل، معالجة غسل الأموال القائم على التجارة، وتعميق التعاون مع تطبيق القانون الدولي.
يمكن لصناع السياسة الغربيين أيضًا أن يلعبوا دورًا في الضغط على حكومة دبي والإمارات العربية المتحدة لتنفيذ الإصلاحات، وتحقيق التوازن بين مخاوفهم المتعلقة بمكافحة الفساد والأولويات الاستراتيجية الأخرى، كما يمكن أن تشمل الإجراءات المحتملة صانعي السياسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات سفر ومالية على ميسري الجرائم والفساد في الإمارات.
يمكنهم أيضًا التركيز بشكل أكبر على قضايا القوة الناعمة، مثل الافتقار إلى حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد في دبي والإمارات بشكل عام، بدلاً من التركيز تقريبًا على تمويل الإرهاب والأنشطة المناهضة لإيران، وكجزء من هذا الجهد، يمكن أن يكون الارتباط والمساعدة الأمنية مشروطين بالإصلاحات المطلوبة.
علاوة على ذلك، نظرًا للتضييقات المفروضة على حرية الصحافة وعلى عمل المجتمع المدني في الإمارات، يمكن للحكومات الغربية زيادة دعمها للصحفيين الخارجيين المستقلين، وجماعات المجتمع المدني، والباحثين في مجال مكافحة الفساد وحقوق الإنسان الذين يقدمون تقارير عن دبي.
كما يمكن للكيانات غير الحكومية المساهمة في هذه الجهود، حيث يمكن للمنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة ومؤسسات بريتون وودز، إلقاء نظرة أكثر صرامة على دور دبي في تسهيل التدفقات المالية غير المشروعة والنظر في احتمالية إضافة الإمارة إلى قوائم سوداء مختلفة بما يتماشى مع النتائج الأخيرة التي توصلت إليها مجموعة العمل المالي. يمكن للمنظمات الدولية وجماعات المجتمع المدني والحكومات الغربية أن تنأى بنفسها عن جهود دبي في تحسين صورتها، عن طريق تجنب الرسائل التي تؤدي إلى نتائج عكسية أو مختلطة عند المشاركة في الأحداث التي تلحق الضرر بمكافحة الفساد في دبي أو حقوق الإنسان أو أوراق اعتماد منع نشوب النزاعات.
سيحتاج هؤلاء الفاعلون الدوليون إلى العمل معًا لصياغة مجموعة متماسكة ومنسقة من الحوافز والمثبطات – ما يسمى بطريقة الجزر والعصا – والتي من شأنها أن تؤثر على آليات صناعة القرار للقادة الإماراتيين.
*إخلاء المسؤولية القانونية: إن ذكر أي فرد أو شركة أو مؤسسة أو كيان آخر في هذا التقرير لا يعني انتهاكًا لأي قانون أو اتفاقية دولية ولا يجب تفسيره على هذا النحو.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: تقرير: دبي بؤرة مهمة لتسهيل الفساد وغسل أموال أمراء الحرب والعصابات الروسية
اضف تعليقا