العدسة – منصور عطية
من جديد تثير هيئة كبار العلماء في السعودية الجدل، بتغريدة أيدت فيها الأوامر الملكية التي أصدرها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مؤخرًا، بصرف بدلات غلاء معيشة وعلاوات لموظفي الدولة لمدة عام.
التغريدة صاحبتها اتهامات متكررة تلاحق الهيئة في مواقف عدة بالسير في ركب الحاكم وتطويع الدين في تبرير سياساته وقراراته، واستخدام العلم في التقرب إلى السلطة.
هيئة كبار “المطبلين”!
وغرّدت الهيئة، عبر حسابها الرسمي على تويتر، قائلة: “نحمد الله عز وجل! أن منحنا قيادة خيرة مخلصة عادلة حكيمة، وضعت في مقدمة اهتماماتها خدمة دينها وشعبها وأمتها، وهذه #الأوامر_الملكية تؤكد ما هو ثابت ومستقر من حرص ولاة الأمر على راحة المواطنين ودعم التنمية والرخاء الذي تنعم به #المملكة_العربية_السعودية”.
اللافت، أن التغريدة جاءت بعد أيام قليلة من قرار رفع أسعار الوقود بنسب وصلت إلى 120% في الدولة النفطية الغنية، الأمر الذي قابلته الهيئة بصمت تام ولم تلق له أي اهتمام، لكن يبدو أنها استيقظت فجأة عندما كان القرار إيجابيًّا وفي صالح حكام البلاد.
وتحولت التغريدة إلى منصة هجومية على الهيئة، التي وصفها نشطاء بأنها “هيئة كبار المطبلين”، وبأسلوب ساخر رد أحد المغردين بصورة “طبلة”، ووصف مغرد يدعى (فهد السبيعي) علماء الهيئة بأنهم “علماء الفلوس”.
وقال (سعيد خطيب): “نحمد الله أن بعث لنا شيوخ وملوك تحارب الدين الإسلامي ويحثون الناس على اتباع دين أبو لهب ولله الحمد والمنة”، وغرد حساب (omwafi): “حسبنا الله ونعم الوكيل! المكافآت من ميزانية الدولة، والدولة ملك للشعب السعودي كااااافة، وليس للقطاع الحكومي.. كيف تصرف لموظفي الدولة فقط، لماذا غلاء الأسعار يطبق على الشعب كااافة والمكافآت للحكوميين..؟”.
ولم يخل الأمر بطبيعة الحال من تغريدات تمجد في الملك وولي عهده، وتبارك هيئة كبار العلماء، مثل (سيف السهلي) الذي كتب: “الله يطول بأعمارهم، ويدحر عدونا وعدوهم، ويكفينا ويكفيهم شر من به شر”، كما غرّد حساب (نيزك 2030): “نسأل الله العلي العظيم أن يحفظهم ويعزهم ويخذل كل من عاداهم”.
المرأة تثير الهيئة!
لكن يبدو أن ما صدر عن هيئة كبار العلماء ليس مستغربًا، عندما نستعرض سجلًا حافلًا من الفتاوى المتضاربة والمتعاكسة في الشأن الواحد وفقًا لقرار الحاكم وهوى السلطان
ولعل تلك الفتاوى المتعلقة بالمرأة حازت النصيب الأكبر من الفتاوى المتضاربة، ولعل المثال الأحدث والأكثر وضوحًا هو قرار العاهل السعودي في سبتمبر الماضي السماح للمرأة بقيادة السيارة بعد عقود من المنع والتجريم والملاحقة.
وبعد أن كانت قيادة المرأة “شرًا”، أصبحت مثالًا لتوخي الملك لما تقرره الشريعة الإسلامية، وهو ما ذهبت إليه الهيئة، في تغريدة عبر حسابها على تويتر، تعليقًا على قرار الملك سلمان، الهيئة غرّدت نصًّا: “حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الذي يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية”.
اللافت، أن الأمر السامي يكشف تعارض الفتوى التي استند إليها، والصادرة من الهيئة مع فتوى أخرى منشورة على الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، (التي يرأسها المفتي)، برقم (2932)، جاء نصها كالآتي: “لا يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع المدن، ولا اختلاطها بالسائقين؛ لما في ذلك من كشف وجهها أو بعضه، وكشف شيء من ذراعيها غالبًا، وذلك من عورتها، ولأن اختلاطها بالرجال الأجانب مظنة الفتن ومثار الفساد”.
وفي 2013، شهدت السعودية حملة قادتها ناشطات دعين لقيادة المرأة للسيارة في 26 أكتوبر، الأمر الذي أسفر عن ملاحقات أمنية تعرضت لها الداعيات للحملة، وتوجيهات على جميع المستويات بتضييق الخناق على تلك الدعوات.
وبعد أقل من شهر على تلك الدعوة، رأى المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، أن قرار منع المرأة من قيادة السيارة هو “حماية للمجتمع من الشر”.
وفي سبتمبر 2011، أصدر العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز أمرًا ملكيًّا يسمح للمرأة بعضوية مجلس الشورى، والترشح والانتخاب في الانتخابات البلدية، وحينها وصف مفتي المملكة عبد العزيز آل الشيخ الأوامر بأنها “كلها خير”، قائلًا في تصريحات صحفية: “نحن في بلد الإسلام، ونرجو الله أن يثبتنا على الحق ويرزقنا الاستقامة والهدى”.
غير أنه وبالبحث في موقع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، وُجدت فتوى معاكسة أصدرها “آل الشيخ” نفسه تحت عنوان “مشاركة المرأة في السياسة”، وكانت عبارة عن رد على تساؤل بشأن المطالبات بمشاركة المرأة في الانتخابات ودخول مجلس الشورى.
ومما قاله المفتي في فتواه نصًّا: ” إن مثل هذه المطالبات يجب أن يعاد النظر فيها، هل هي تخدم دين الإسلام؟”، وقال: “إن الأمر أيها الأخوات.. استمرار لمكائد الأعداء ضد هذه الأمة، لن يألوا جهدًا في إيصال الأذى إلينا، لن يألوا جهدًا في تفريق صفنا وتشتيت كلمتنا، لن يألوا جهداً في إيقاع الفتنة بيننا، وما يروجون له في هذه العصور المتأخرة من حقوق المرأة كل هذا نوع من أنواع الكيد”.
وفي السياسة أيضًا
لم تتوقف الفتاوى المثيرة للجدل لهيئة كبار العلماء عند ما يخص شؤون المجتمع السعودي وتفاصيل حياته المعيشية، بل انسحبت على السياسة، حيث دأبت الهيئة على إصدار الفتاوى والآراء والقرارات التي تخدم التوجهات السياسية لقيادة المملكة، خاصة في ظل الأزمات.
الأزمة الخليجية والحصار الذي قادته السعودية ضد قطر، كان الحادث الأبرز في هذا الشأن إلى الدرجة التي دفعت المفتي إلى القول بأن إجراءات الحصار “أمور إجرائية، فيها مصلحة للمسلمين ومنفعة لمستقبل القطريين أنفسهم”، وزاد بأن قرارات الحصار “مبنية على الحكمة والبصيرة وفيها فائدة للجميع”.
“آل الشيخ” وعائلته أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب، لم يتوانوا عن استغلال اسم العائلة في الأزمة، فأعلن على رأس نحو 200 منتسب للعائلة، تبرؤهم من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في بيان نفوا خلاله انتساب الأمير لجدهم الإمام.
البيان أثار موجة من الجدل ليس لما احتواه من معلومات ومطالبات، لكن بسبب توقيته الذي جاء متزامنًا مع الأزمة الخليجية، الأمر الذي عزز الاتهامات الموجهة للمفتي باستغلال اسمه ومنصبه ومكانته العلمية لصالح السعودية ضد قطر.
تركيا التي تناصبها السعودية العداء الآن لوقوفها في صف قطر خلال الأزمة، كانت سببًا في كشف المزيد حول توظيف هيئة كبار العلماء في السعودية ومفتيها للدين في خدمة ما يريد السلطان.
قبل أقل من عامين، وحينما كانت العلاقات الودية المتقاربة بين الرياض وأنقرة في قمة مجدها، كان لا بد للمفتي أن يدلي بدلوه في الأمر، حين أفتى بضرورة دعم تركيا في وجه التهديدات الروسية لها على خلفية إسقاط سلاح الجو التركي لمقاتلة روسية.
المفتي قال: “تركيا بلد إسلامي كبير، وثغر عظيم، وضياعه خسارة على المسلمين، ويجب مساعدته بكل الوسائل والوقوف معه”.
اضف تعليقا