العدسة – ربى الطاهر

أصدر الكاتب الصحفي أشرف غريب، كتابًا جديدًا يحمل اسم “الممثلون اليهود في مصر”، والذي تعمد فيه أن يأتي بالحقائق الموثقة، عن الممثلين اليهود في مصر، قائلا عما أورده في الكتاب: “لم أكن معنيًّا بأن ألبس أحدًا من الممثلين اليهود في مصر، ثوب البطولة أو أنزع عن غيره وطنيته”.

واعتبر “غريب” أن ما جاء به من معلومات حول تاريخ ممثلين مصر اليهود، كان مهمة شبه مستحيلة؛ والسبب في ذلك هو انتشار الكثير من المعلومات المغلوطة بين الناس، أو حتى داخل الوسط الفني نفسه، خاصة في ظل وجود مواقع إلكترونية تجتذب القراء، من خلال معلومات غير موثقة، وغير مهنية، وبلا أدنى تدقيق.

وربما كانت المعلومات الدقيقة التي استوثق منها الكاتب هي ما أعطى لهذا الكتاب أهمية خاصة عن باقي تلك الكتب التي تناولت نفس الموضوع؛ حيث اتبع فيه الكاتب -كما قال- منهجًا صارمًا في التحقق من المعلومات.

وذكر “غريب” أن هؤلاء الفنانين الذين تجاوزت أعدادهم، في فترة الأربعينيات، أعداد الممثلين الأقباط على مدى التاريخ الفني بأكمله، بالإضافة إلى كونهم فاقوا أيضًا أعداد الممثلين المسلمين في بعض الفرق المسرحية، مثل فرقة جورج أبيض، وسلامة حجازي- ويرجع الكاتب ذلك إلى كون رفض المصريات سواء كن من المسيحيات أو المسلمات من الوقوف على خشبة المسرح- كانوا قد امتهنوا الفن دون الشعور بأي عنصرية دينية، فقد كان الجميع على قناعة بأن الدين لله والفن للجميع، ولم يكن هذا الشعور يقتصر على الممثلين فقط، بل كان يمتد لجميع أهل الفن وقتها.

وبدأت الحركة الفنية في مصر بدور لا يمكن إغفاله لهؤلاء الممثلين، ومنذ نهاية الخمسينيات، والأسماء التي ظهرت حينها كانت للأخوين جمال وميمو رمسيس، أما باقي الأسماء اليهودية الأخرى، فجميعها قد ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، حسبما يقول الكاتب.

سيطرة السياسة على الساحة الفنية

وجاءت النقطة الفاصلة لتغير وضع هؤلاء الممثلين في مصر تحديدا، وهى حرب 1948 بين العرب واليهود في فلسطين، ثم بعدها الحدث الأهم، وهو قيام دولة إسرائيل، فقد سيطرت السياسة على الساحة الفنية، وبدأ الممثلون اليهود في  الاختفاء من الساحة الفنية في مصر، وبمرور الوقت ساد الغموض عن مصائرهم وأحوالهم، ولم يعد سوى الإشاعات والمغالطات التي تسيطر على أحاديث الناس، بما في ذلك الكتاب الذين حاولوا التأريخ لدور اليهود في الحركة الفنية في مصر، وقد يبرز مثال اختفاء المعلومات الحقيقة عن الممثلة راقية إبراهيم، التي غادرت مصر عام 1945، ولم يعرف عنها أي شيء يوثق به حتى الآن.

هذا الدور الذي لعبته السياسية في اختفاء كل ما يخص الفنانين اليهود في مصر، ويرجع الكتاب ذلك إلى الحساسية السياسية التي تعلقت بالصراع العربي الإسرائيلي الذي بدأ منذ ذلك الحين، واختفت معه كل المراجع الدقيقة التي تتحدث عن علاقة اليهود بالفن، سواء كان ذلك في مصر، أو في العالم العربي أجمع.

ومن أبرز الأخطاء والشائعات التي انتشرت، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي، والتي صححها الكِتاب هو ما قيل عن انتساب الفنان عمر الشريف إلى الديانة اليهودية، قبل أن يعلن إسلامه ليتزوج من الفنانة فاتن حمامة، وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الفنان كان مسيحيًّا ينتمي إلى كاثوليك مارونيا، وبالفعل أشهر إسلامه بعد ارتباطه بفاتن حمامه في بداية الخمسينيات، الأمر الذي عرض والده للإصابة بالسكر، بعد شدة غضبه مما أعلنه عمر الشريف.

وليس وحده ما أشيع عنه أنه يهودي، فقد انتشر كذلك نفس الخبر الخاطئ عن الممثلة والراقصة كيتي، التي قيل عنها إنها تتجسس لصالح المخابرات الإسرائيلية، في حين أنها كانت مسيحية كاثوليكية أيضًا، تركت مصر بعد منتصف الستينيات  بشكل طبيعي، عائدة إلى بلدها الأصلي اليونان، الذي عاشت فيه حتى عام 2000، وهو ما أكدته صديقتها الممثلة والراقصة نجوى فؤاد، وأكد عليه الملحق الثقافي اليوناني السابق في القاهرة.

وقد حرص عدد كبير من هؤلاء الممثلين إلى تغيير أسمائهم، حيث لم يكن هذا في ذلك الوقت يرجع لتمييز ديني أو حتى اجتماعي، وحتى الأسباب السياسية لم تكن قد بدأت بعد، كل ما هنالك هو السعى وراء الشهرة من خلال أسماء فنية أكثر سهولة، فغيرت الممثلة راشيل إبراهام اسمها، لتصبح راقية إبراهيم، وليليان فيكتور كوهين، إلى كاميليا، أما هينريت كوهين، فقد غيرت اسمها إلى بهيجة المهدي، وكذلك توجو مزراحي إلى أحمد المشرقي، ونظيرة موسى شحادة إلى نجوى سالم.

ويدلل على ذلك أنهم ليسوا وحدهم من فعل ذلك كممثلين يهود، وإنما فعله أيضًا ممثلون لا يدينون باليهودية، مثل شادية وأحمد رمزي ونور الشريف، على سبيل المثال.

هجرة الممثلين اليهود إلى إسرائيل

ويكشف الكتاب حقيقة أن الممثلين اليهود في مصر لم يذهبوا في مجموعهم إلى إسرائيل بعد إعلان إقامتها، سوى ثلاثة ممثلات فقط، هن: سرينا إبراهيم، أخت الممثلة نجمة إبراهيم، وجراسيا قاصين، شقيقة الممثلة صالحة قاصين، ومطربة وممثلة ثالثة هي سعاد زكي.

وقد أورد الكتاب كذلك، أن من سافروا إلى إسرائيل كان هناك مواقف عائلية شديدة ضدهم، فقد تبرأت الممثلتان نجمة وصالحة من أختيهما، واستمرا في رفض الحديث عنهما حتى بعد الهجرة من مصر إلى فلسطين، في حين عاشت الممثلة الثالثة حياة قاسية، بعد أن كانت تنعم بحياة رغدة وتحوطها الشهرة، فقد كانت من ألمع المطربات في زمن أم كلثوم.

كما يوضح الكتاب أن شهادة إشهار إسلام ليلى مراد، تقول بشكل واضح إنها إسرائيلية إلا أن ذلك ليس صحيحًا على الإطلاق، واستدل على ذلك بأن إشهار ليلى مراد إسلامها كان قبل قيام دولة إسرائيل، إضافة إلى أنها مُنحت الجنسية المصرية حتى قبل إعلان إسلامها بعدة سنوات.

وليس هذا فحسب، فبعض أفراد أسرة ليلى مراد، قد هاجروا بالفعل إلى دولة إسرائيل، في أكتوبر عام 1949، ولكنهم ظلوا يرفضون الاعتراف بإشهار إسلامها حتى وقت وفاتها، كما أنهم سعوا حثيثا للتواصل معها لإقناعها بالعدول عن فكرة استمرارية حياتها في مصر، والهجرة إلى إسرائيل، والعودة إلى دياناتها اليهودية، وممارسة طقوسهم هناك، ولكنها رفضت ذلك، وواجهتهم بشدة تمسكها بإسلامها وجنسيتها المصرية.

ولم تتوقف محاولات أولاد عمومتها عند حدود إقناع ليلى مراد بأهدافهم عند وفاتها، ولكن استمرت نفس المحاولات مع ابنيها، واللذين أيضًا لم يعترف أبناء عمومتها بإسلامهما، رغم أنهما (أشرف أباظة وزكي فطين عبدالوهاب) ينتسبان إلى أبوين مسلمين، وينتظرون أن يعودا إلى أرض الميعاد، حسب تعبيرهما.

وفي نفس السياق أشيع عن منير مراد -والذي اكتسب شهرة واسعة، كملحن وكممثل، وهو شقيق ليلى مراد- ارتداده عن الإسلام، والذي قيل إنه أشهر إسلامه حتى يتزوج من الفنانة سهير البابلي، ولكن ما ثبت أنه ظل مسلمًا حتى توفي في باريس في أكتوبر عام 1981، كما ذكر الكتاب أيضًا، أن منير مراد طلب دفنه بجوار المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، رفيقه في رحلته الفنية وفي مقبرته الخاصة، وهي المرة الأولى التي يكشف فيها الكاتب عن هذه المعلومة وأوضح كذلك الأسباب التي دفعت أسرته لقبول ذلك الأمر.

استغلال الثورة لعلاقة فاروق بكامليا

كما أشار الكاتب إلى تلك الروايات التي وردت في اضطهاد “حكومة الرئيس السابق جمال عبدالناصر للممثلين اليهود، واستدل على ذلك بالرواية الخاصة بعلاقة الملك فاروق، ملك مصر الذي قامت ثورة 23 يوليو1952، للمطالبة برحيله بالممثلة اليهودية كاميليا، والتي كان من المفترض أنها ستنتهي بزواجه منها، رغم رفض حكومته لذلك، واستغلال حكومة الثورة لتلك العلاقة، للتشهير به وإثبات فساده من خلالها.

وينفي الكتاب هذه الروايات؛ حيث إن تلك العلاقة كانت موجودة وشائعة، ولم تكن هي السبب في التدليل على فساده ووجوب الثورة عليه، مشيرًا إلى استمرار ممثلتين يهوديتين في أعمالهما الفنية حتى وقت بعيد من قيام الثورة، في نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، دون أن تتعرضا لأي مضايقات من قبل رجال الحكم .

كما نفى أيضًا الكاتب ما ظلت الصحافة الإسرائيلية تردده حتى فترة قريبة عام 2015، من أن النجمة الشهيرة نجوى سالم لم تعتنق الإسلام، وأنها ظلت يهودية، وماتت على ذلك، كما أنها كانت تميل إلى إسرائيل، وأكدت الأدلة التي سردها الكاتب أنها كانت مسلمة وماتت على الإسلام، وليس ذلك فحسب، بل إنها أدت دورًا وطنيًّا هامًّا، رغم أصولها اليهودية، ونالت عن ذلك تكريم الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تقديرا لتشجيعها للجيش المصري بعدة أشكال، في حرب أكتوبر 1973.

ويقول الكاتب إنه استهدف من كتابه الحقيقة وفقط، وسط كل هذه الشائعات والغموض الذي يحيط بهؤلاء الممثلين، خاصة وأنهم الآن في ذمة الله، والتاريخ أمام المجتمع المصري والعالم العربي، خاصة وأن بعض الأسماء فيهم ربما البعض قد سمع بها خلال الكتاب لأول مرة.