العدسة – جلال إدريس

لم تمض سوى ثلاثة أعوام فقط، على ظهور الأمير السعودي “محمد بن سلمان” على الساحة السياسية السعودية، تنقل فيها من وزير دفاع دفاع إلى نائب رئيس وزارء، فوليا لولي العهد، ثم وليا للعهد، حتى أصبح الرجل هو الآمر الناهي في المملكة الملتهبة.

ومع امتلاك “بن سلمان” لزمام الأمور في المملكة، تخرج أقاويل مختلفة بين الحين والآخر تتحدث عن محاولات اغتيال يتعرض لها الرجل، دون أن تظهر للعلن تفاصيل حقيقة عن تلك المحاولات، أو يُقدَم للمحاكمة أحد بهذا الشأن.

المغرد السعودي الشهير المعروف باسم “العهد الجديد”، تحدث مؤخرا في تغريدات له على تويتر،  أن ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، نجا من محاولتي اغتيال خلال الفترة الماضية.

حديث العهد الجديد عن محاولتي اغتيال تعرض لها بن سلمان، توحي بأن هناك إصرارا حقيقيا على التخلص من “بن سلمان”، إن صحت الروايات الخاصة بمحاولات الاغتيال الفاِشلة”، كما يؤكد أن الأمور بين أفراد الأسرة المالكة في السعودية، وصلت إلى حد غير مسبوق.

محاولة أبناء مقرن

الأمير مقرن يبكي

الأمير مقرن يبكي

 

محاولة الاغتيال الأولى التي تعرض لها بن سلمان، وفقا لما نشرته مواقع إيرانية وخليجية، وتناقلته بعض الحسابات السعودية الشهيرة جرت في شهر أغسطس الماضي، أي بعد أسابيع من تولية “بن سلمان” ولاية العهد في المملكة.

وقد جاءت تفاصيل عملية الاغتيال في خبر أوردته وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية استنادا إلى موقع مرآة الجزيرة.

و حسب الخبر فإن الشخص الذي حاول اغتيال الأمير محمد بن سلمان هو أحد أمراء العائلة المالكة، وقيل إنه “تركي بن الأمير مقرن بن عبد العزيز” وهو الأمير الذي توفي “نجله” في حادث سقوط طائرة بعدها بأيام.

وعلى موقع تويتر، غرد  حساب سعودي معارض يدعي “ميزان” قائلا إنه “تم اعتقال الأمير تركي بن مقرن في اللحظة التي أطلق فيها النار على ابن سلمان، وقد اختفى منذ ذلك اليوم  حتى إن والده لا يعرف عنه شيئًا”، ليعلن بعدها بأيام عن سقوط طائرة الأمير “منصور بن مقرن” الأمر الذي أثار الشبهات حول سقوط الطائرة واعتبره البعض حادثا مدبرا.

الأخبار المتداولة آنذاك قالت إن محاولة الاغتيال وقتها باءت بالفشل لكن بن سلمان تعرض لإصابة طفيفة.

محاولة قصر السلام

محمد بن سلمان

محمد بن سلمان

 

أما محاولة “الاغتيال الثانية” وفقا لنشطاء سعوديين وقعت في السابع من أكتوبر الماضي، حين أعلنت وزارة الداخلية السعودية عن مقتل رجلي أمن وإصابة ثلاثة آخرين في هجوم على القصر الملكي في جدة بالإضافة لمقتل منفذ الهجوم.

الداخلية السعودية قالت وقتها إن المهاجم قاد سيارته نحو باب قصر السلام الملكي وبدأ في إطلاق النار قبل أن يلقى مصرعه برصاص عناصر الحرس الملكي، مضيفة أن المهاجم يدعى منصور العامري (28 عاما).

لكن رواية الداخلية السعودية، وقتها لم تقنع الكثير من المتابعين للشأن السعودي، حيث أكدوا أن الهجوم على “قصر ملكي” لا يمكن أن يكون بهذه السهولة، خصوصا وأن قصر السلام بجدة، هو أحد أهم قصور الحكم وصناعة القرار في المملكة، ويوجد فيه مقر الديوان الملكي، وهو كذلك مكان انعقاد مجلس الوزراء، ومن غير المعقول أن يقوم شخص واحد بقتل وإصابة أكثر من فرد حراسة في تلك المنطقة الحساسة.

وعبر حسابه الشخصي بتويتر، أكد المغرد الشهير “مجتهد” وقتها، أن ما حدث هو محاولة اغتيال ثانية لمحمد بن سلمان، عن تفاصيل الهجوم الذي تعرض له قصر السلام بجدة، ومحاولة الاغتيال الثانية لـ”بن سلمان”.

وتابع مفصلا “بداية أود التأكيد أن ابن سلمان لم يتعرض لإصابة في الهجوم الذي حصل على القصر الملكي لكنه كان موجودا في القصر ولم يكن بعيدا عن الحادث، الجدير بالذكر أن تعامل الحرس مع الهجوم لم يكن مهنيا وهناك تفاصيل استأمنني عليها مصدرها أدت بابن سلمان أن لا يعتبر القصر مكانا آمنا”.

هجوم الأمراء الـ 11

الحرس الوطني السعودي

الحرس الوطني السعودي

 

محاولة الاغتيال الثالثة – بحسب الحساب الشهير بالعهد الجديد – كانت في السادس من شهر يناير الجاري، تجمهر أمام قصر الحكم بالرياض عدد من الأمراء مهددين بن سلمان، وضاغطين لأجل إيقافه وإعادة الموازين، الأمر الذي أدى لحدوث اشتباك بين الأمراء وأفراد الحراسة الخاصة بـ”بن سلمان” فتم اعتقالهم على الفور.

المغرد السعودي الشهير، قال إن  الأسرة الحاكمة في السعودية على وقع خلافات غير مسبوقة؛ بسبب محاولة ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، التخلص من كل رافضي انتقال السلطة إليه، واعتبر أن هذه هي محاولة الاغتيال الثانية، التي يتعرض لها “بن سلمان” بينما رآها آخرون محاولة الاغتيال الثالثة.

تشكيك في الرواية

الأمير عبد الله بن سعود

الأمير عبد الله بن سعود

 

لكن مراقبين شككوا في رواية “العهد الجديد” واعتباره عملية اعتقال الأمراء الـ 11 بأنها محاولة اغتيال تعرض لها ” بن سلمان”، إذ إنه من غير المنطقي أن يذهب 11 أميرا إلى قصر الحكم، لاغتيال ولي عهد المملكة، وفي وضح النهار وعلى مسمع ومرأى من الجميع وهم يعلمون تمام العلم أن “الحراسات الخاصة” التي باتت مفروضة على “بن سلمان” من قبل قوات “السيف الأجرب” التي شكلها مؤخرا، تعد شديدة الإحكام وصعبة الاختراق.

غير أن الرواية الأقرب للصواب والمنطق وفقا لمراقبين، هي ما رواها الأمير السعودي، عبدالله بن سعود بن محمد بن عبدالعزيز بن سعود بن فيصل آل سعود – رئيس اتحاد الرياضات البحرية –  في تسجيل صوتي تداوله نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعدها تم عزله من منصبه، وإلقاء القبض عليه.

الرواية تقول إن الأمراء الـ11 ذهبوا لقصر الحكم؛ للاستفسار عن توقيف أمير آخر، فتم التعامل معهم بقسوة من قبل الحرس، فوصل الأمر إلى شجار واشتباك بالأيدي بين الأمراء والحرس، فتم اقتيادهم إلى سجن “الحائر بالرياض”.

واستنكر صاحب التسجيل ما تم اتهام الأمراء الـ11 به من قبل الحكومة، بأنهم اعترضوا على إلغاء إعفائهم من دفع فواتير الكهرباء والمياه، والمطالبة بدية أحد أقربائهم الذي تم القصاص منه سابقا.

وأكد الأمير عبد الله بن سعود أن الأمراء الـ11 لا يمكنهم الاعتراض على أي قرارات ملكية، موضحا أنهم مخلصون بولائهم للملك وولي عهده.

وفور خروج التسجيل للعلن، أعلنت وسائل إعلام سعودية أن الأمير عبد الله بن سعود أعفي من منصبه رئيسا لاتحاد الرياضات البحرية، وخلفه في المنصب اللواء ركن حمد الجعيد، كما تحدثت تقارير صحفية عن اعتقال الأمير عبد الله بن سعود، فيما  أعلنت الروايات الرسمية السعودية أن اعتقال الأمراء الـ 11 كان بسبب اعتراضهم على بعض القرارات الملكية.

إلى أين تسير الأمور؟

الأسرة الحاكمة

الأسرة الحاكمة

 

المتابع للشأن السعودي، يتضح له أن الأمور في المملكة تسير إلى مزيد من الشقاق والصراع داخل أفراد الأسرة الحاكمة، خاصة في ظل استمرار تجاهل “بن سلمان” للغضب داخل أسرة “إل سعود” وإصراره على التعامل بمنطق القوة في إسكات وقمع كل الإمراء المعارضين له.

فحالة الغليان في العائلة المالكة الناجمة عن الصعود السريع لـ”محمد بن سلمان” إلى قمة السلطة،  في المملكة وسيطرته شبه المطلقة على الاقتصاد والجيش السعودي قد تزيد بصورة أكبر بعدما يتم التنازل رسميا من قبل ” والده الطاعن في السن، الملك سلمان بن عبد العزيز” عن الحكم، ليصبح “بن سلمان” هو الملك السعودي الأول من أحفاد المؤسس الأول للمملكة.

استمرار حالة الغليان تلك داخل الأسرة، قد لا يستطيع “بن سلمان” على إحكامها والسيطرة عليها طول الوقت، خصوصا أنه يعادي كافة الأطراف داخل المملكة، فمن جهة “يمارس ضغوطا غير مسبوقة على رجال الأعمال والمستمثرين والأمراء الأثرياء” عن طريق اعتقالهم بتهم فساد مختلفة، كمعتقلي فندق “الريتز” وفي مقدمتهم الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز.

ومن جهة أخرى يعادي “بن سلمان” الشباب من الأمراء عن طريق التجسس عليهم، ومراقبتهم، واعتقال من يتحدث منهم بصورة أو بأخرى عن تفاصيل ما يحدث داخل المملكة.

أيضا، على المستوى الشعبي فإن “بن سلمان” يخسر كثيرا بحفنة من القرارات الاقتصادية الصعبة، التي تؤرق كاهل المواطن السعودي، والتي من بينها فرض ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار النفط والمحروقات في المملكة للمرة الأولى، بنسبة تتخطى الـ100 %.

ربما تؤدي الأحداث والتفاصيل السابقة، إلى انقلاب ناعم من قبل أبناء عمومة بن سلمان، ويتم ذلك بشكل داخلي، تفرض صورته على المجتمع الدولي بعدما يتم التجهيز له من قبل الأمراء الغاضبين في المملكة.

وربما يتم هذا الانقلاب على المستوى البعيد بتنسيق مع “المجتمع الدولي” وبالأخص “الولايات المتحدة الأمريكية” التي لن تمانع في ذلك، إن شعرت بخطورة حقيقية على مصالحها بالسعودية، واستقرار المنطقة.

وجهة نظر ثالثة تقول، إن الأمور ربما تسير إلى مزيد من السيطرة والإحكام لصالح “بن سلمان” بعدما ينجح في التخلص من خصومه كافة عن طريق السجن والاعتقال، أو طريق القتل والاغتيال، وربما يلجأ للنفي خارج المملكة في بعض الحالات، غير أن أي محاولات للانقلاب عليه في الوقت الراهن ستبوء بالفشل، طالما أن الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة “ترامب” تقف خلفه وتسانده بشكل كبير.