العدسة – معتز أشرف

في تناقض فاضح، زعم ولي العهد السعودي الطائش محمد بن سلمان عدم انشغاله بحصار قطر، في ذات الوقت الذي يطلق تصريحات وتحركات مكثفة لفرض الحصار، الذي نجحت الدوحة- وفق مراقبين ومحللين- في إفشاله حتى تاريخه، عبر عدة مسارات متوازية على المستوى الخليجي والأممي، لكن الشاب الذي أطاح بابن عمه في مؤامرة دُبِّرت بليل للاستيلاء على كرسي العرش لا يستطيع الاعتراف بالهزيمة بعدُ، رغم أنه هُزِم في جولات عديدة، وفق المراقبين.

متناقض كبير!

واصل الأمير الطائش محمد بن سلمان التناقض، تحت تأثير عقدة قطر، ونقل عنه سعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي السعودي قوله، خلال لقاء إعلاميين مصريين على هامش زيارته للقاهرة: إنه “لا يشغل نفسه بأزمة قطر”. مضيفًا: “من يتولَّى الملف أقل من رتبة وزير، وعدد سكانها (قطر) لا يساوي شارعًا في مصر، وأي وزير عندنا يستطيع أن يحل أزمتهم”، وفق تعبيره. فيما أضاف القحطاني أن ولي العهد قارن سياسة أمريكا تجاه كوبا مع سياسة الدول الأربع مع قطر، في إشارة إلى الإمارات والسعودية ومصر والبحرين.

وسبق لولي العهد السعودي أن وصف قطر بأنها “قضية صغيرة جدًا جدًا جدًا”، وهي تصريحات كررها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كما  نفى ابن سلمان، بشكل قاطع، تعرض الدول المقاطعة لقطر لضغوط، مشيرًا إلى أن دولًا عدة تسعى إلى حل الأزمة لكن دون ضغوط.

يأتي هذا بينما نشرت صحيفة “الجارديان” البريطانية تحليلاً كشفت فيه خطةً لدول الخليج لإنهاء الحصار مع قطر، والتي ستبدأ بتخفيف القيود على حركة المدنيين بين دول المقاطعة كخطوة أولى”، وفقًا لرأي المحرر الدبلوماسي، باتريك وينتور، الذي قال إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يسعى لأن يعرضها كحلّ لأزمة قطر أثناء زيارته لبريطانيا، مشيرًا إلى أن تلك الخطة ستكون على رأس أجندة ولي العهد السعودي، خلال زيارته إلى بريطانيا، ومن المتوقع أن يتم طرحها، خلال اجتماعه مع رئيسة الوزراء، تيريزا ماي.

وأوضحت الصحيفة أن “بريطانيا حثت السعودية مرارًا على ضرورة رفع الحصار عن قطر، خاصة وأنه أثر على اقتصاديات المنطقة كلها”، بحسب الكاتب البريطاني، وتابعت “المملكة ستقدم بادرة حسن نية لإنهاء المقاطعة، عن طريق السماح بدخول المواطنين بهذه البلدان بحرِيّة، وهو ما قد يمتدّ إلى استخدام الطيران القطري للمجال الجوي لجيرانها”.

عقول صغيرة!

من جانبه علق وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحات صحيفة من بروكسل، ونقلها موقع صحيفة “الشرق” القطرية، أنَّ ما تحدث به ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن الأزمة الخليجية أخيرًا يؤكد انشغال المسؤولين السعوديين بهذه القضية، بدليل تكرار ذكرها في لقاءاتهم وتصريحاتهم، على عكس ما يروجون من عدم اهتمامهم بها، فيما استغرب الشيخ محمد بن عبد الرحمن، لتشبيه الأزمة الخليجية بالأزمة بين الولايات المتحدة وكوبا واستعمال مصطلحات عفا عليها الزمن، قائلًا:”أنا لست متأكدًا أن الولايات المتحدة اليوم تتقبل مثل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها قبل 50 عامًا ضد كوبا، ومثل هذه التصريحات للأسف نراها منتشرة، ولكن من منكم يعمل إحصائيات، كم مرة ذكرت قطر من قبل هؤلاء المسؤولين السعوديين، وفي هذا اللقاء بالذات، تجد أنها هي التي غلبت على تصريحاتهم، كما أنَّ الدول لا تقاس بحجمها، فقد نكون دولة صغيرة، ولكن أصحاب عقول وقلوب كبيرة تهتم بمواطنيها والمقيمين بها، بينما هناك دول كبيرة، ولكن قلوبهم وعقولهم صغيرة وضيّقة الأفق منشغلة بالتآمر وبثّ عدم الاستقرار في المنطقة”..

فيما رد الشيخ جوعان بن حمد آل ثاني شقيق أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على تصريحات محمد بن سلمان في تدوينة له عبر حسابه بموقع التدوين المصغر “تويتر” قائلا ”: ”الذين يقيسون الأمور دائمًا بالحجمِ والعدد هم في الغالب صغار في عقولهم ويتلقون في النهاية خسارة مضاعفة.. ولهذا خسرت قريش معركة بدر بشكل هائلٍ ومُجَلْجِلٍ لأنها اتبعت تحليل أبي جهل الذي قام على مقارنة العدد وتجاهل الحق ونوعية الخصم”.

تقدير موقف

وفي تقدير موقف لمركز البديل للدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان مستقبل الأزمة القطرية بعيون واشنطن.. السعودية خارج التحالف الرباعي؟، كشف التقدير استغراق الحصار لقطر على تفكير السعودية وباقي دول الحصار، مؤكدًا أنه منذ اندلاع الأزمة كان يراد للدوحة الانكماش والخضوع لحجم إمارة خليجية تدور في فلك السياسات السعودية والإماراتية مثل البحرين، وتمخضت الدول الأربعة فولدت قائمة مستحيل تنفيذها بعيون أمريكية، تحتوي 13 شرطًا، ردت عليها الدوحة بقائمة من 10 نقاط جعلت قائمة الدول الأربعة هي والعدم سواء، ليستمر بعدها نفس الخطاب الهلامي للمقاطعة وملتزمًا بسقف قطع العلاقات ومخففًا من عبارات التهديد والوعيد بالحصار والعقوبات وصلت فيها التوقعات إلى حدّ العمل العسكري كردّ على رفض قطر للشروط.

وأوضح التقدير أنَّ رباعي الحصار فشل في تدويل الأزمة ففضلًا عنه لا يصب في مصلحة التحالف الرباعي، سواء من ناحية عدم رضا واشنطن عن هذا التدويل، أو عدم استطاعة الدول الأربعة فرض إرادة دولية لعقاب قطر، فإن قطر استطاعت استباقهم إلى مسألة التدويل بشكل عكسي، صور إجراءات القاهرة والرياض وأبوظبي والمنامة أنها حصار غير قانوني طبقًا للقانون الدولي والمواثيق الدولية، وأنَّ مطالبهم خارج إطار القرارات الأممية والدولية، وأنها فقط إملاءات القوي على الضعيف، فيما أكّد أن استمرار الأزمة مع قطر دون حل أو بتسوية أمريكية ينتج عنها شروط مخففة يتم التفاوض عليها مستقبلًا، أو حتى تجميد الأزمة أمريكيًا وجعلها أزمة ثابتة دون حل– وهو ما يصب في مصلحة واشنطن من حيث ضمان التوازن في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام- يقوض مساعي الرياض في القيادة والتصدر على مستوى مجلس التعاون ومستوى المنطقة..

وأضاف أن الأخطر من زاوية سعودية هو أن بقاء الأزمة مع قطر دون حل نهائي على المدى الطويل، سيؤدي إلى إضافة أزمة ثابتة دون حل لقائمة الأزمات والملفات والقضايا التي بدأتها أو شاركت فيها السعودية دون حسمها؛ بداية من سوريا واليمن والعراق، وأخيرًا الأزمة الخليجية المزمنة، وهو ما يعني في المحصلة العامة أن الرياض لم تستطع إنجاز أي شيء حتى بعد مسايرتها للرياح الإماراتية- المصرية لتحقيق حسم ما لم يحدث، بل إن هذه المسايرة السعودية لمصر والإمارات أفقدتها موقع المرحب به في تحالف مع قطر وتركيا وجماعة الإخوان جربته الرياض منذ عامين، وهو على عدم نجاحه بالشكل الأمثل في مختلف المناطق والملفات، فإنه ضمن وقتها وبالحد الأدنى عدم تقارب تركي قطري مع إيران، ووجود تركي بمعزل عن السعودية في الخليج، وقبول الدوحة والمنامة بدور قيادي للرياض، ليتحقق عكس السابق عندما أدارت السعودية ظهرها لقطر وتركيا، فيما أوضح التقرير أنَّ الموقف السعودي تجاه قطر لا يوجد سبب آنِيّ له خاصة في عهد سلمان ونجله، اللذين توجها للتحالف مع قطر وتركيا في بداية عهدهم، ولا يوجد سبب أصيل للسعودية أن تقدم على معاداة قطر بهذا الشكل مؤخرًا.

هزيمة بن سلمان!

هزيمة بن سلمان في ملف حصار قطر، رائجة في التحليلات والكتابات منذ انطلاق الازمة وتصدي الدوحة لها، وهو هو ما أكدته الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد بقولها إن محمد بن سلمان لم ينجح سياسيًا واقتصاديًا وفشل في حربه في اليمن وضد قطر وهو يقف اليوم وحيدًا، فيما أكد الكاتب البريطاني، باتريك كوكبيرن، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يُضعف بمشاريعه مكانة السعودية، وإذا كان فعلًا أكثر شخصية مؤثرة في الشرق الأوسط، فإنَّ ذلك يأتي بسبب “فشله” في أكثر من مجال، وليس بسبب ما حققه من نجاحات، موضحًا في مقال له نشر بصحيفة الإندبندنت البريطانية، أنَّ “بن سلمان” يشبه الممثل الهزلي المفتّش “كلوزو”، وهو شخصية سينمائية هزلية تتصف بأنها بلا كفاءة.

واستعرض الكاتب البريطاني، باتريك كوكبيرن، جانبًا من فشل محمد بن سلمان في العديد من الملفّات الدولية، بقوله: إن “الأمير الشاب المندفع والمزاجي، ومع تولي والده الحكم عام 2015، و ركّز في سياسته الخارجية على محاولة الوقوف بوجه النفوذ الإيراني وحلفائه الإقليميين، ما أسهم بشكل واضح في تقوية نفوذ إيران في المنطقة، بحسب المقال..

فعلى سبيل المثال قالت السعودية ومعها الإمارات، إنَّ قطر على علاقة مع إيران، وإنها تدعم جماعات إسلامية مسلّحة، فقررت السعودية فرض حصار على قطر، فلم تجد قطر بدًّا من الاتجاه نحو إيران لتأمين مستلزماتها اليومية، فتحسّنت العلاقة بين الدوحة وطهران”، وهو ما شهدت به صحافة حلفائه في تل أبيب حيث وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في تحليل نشرته مؤخرًا بالفاشل، وقالت: “محمد بن سلمان فشل في كل شيء . إن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لديه مشكلة تتمثل في ابنه ولي العهد الأمير محمد”.