منصور عطية
يبدو أنَّ المزيد من التداعيات والخلفيات الخاصة بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني سوف تتكشف يومًا بعد يوم، لتتضح أغراض الرئيس دونالد ترامب الحقيقية من تلك الخطوة كاملة.
حرب الغاز الطبيعي تبدو في مقدمة تلك الأغراض، لكن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من العقوبات التي تعتزم فرضها على طهران في هذا السياق، وما هو دور روسيا في المعادلة؟
غرض خفي
كشفت مصادر أوروبية أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى تجميد استغلال احتياطات غاز إيرانية ضخمة، عبر فرض عقوبات على طهران في إطار الملف النووي، بهدف زيادة إنتاجها الخاص الذى يشهد ازدهارًا مع الغاز الصخري.
وقال مسؤول أوروبى مطلع على الملف الإيراني: إن “العقوبات الأمريكية ستطال صادرات البترول والغاز الإيرانية الموجهة إلى أوروبا”، وأوضح في تصريحات صحفية “أنها بشكل واضح محاولة جديدة للحدّ من مصدر إمداد مختلف، لكي يمكن إيصال الغاز الطبيعى المسال الأمريكى إلى أوروبا بشكل أسهل وبدون منافسة”.
لكن “مارك أنطوان آيل مازيجا” مدير مركز الطاقة في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية قال: “لا أعتقد أن ذلك هو الهدف الرئيسى للعقوبات ضد إيران، لكنه من الآثار التى ستسببها”، متابعًا: “من الواضح أنّ الاستثمارات المرتقبة لن تحصل. لا أعرف مَن مِن كبريات الشركات الدولية ستجازف بذلك”.
وتهدّد الولايات المتحدة طهران بالعقوبات “الأقوى في التاريخ”، إذا رفض الإيرانيون شروطهم لإبرام “اتفاق جديد”، يشمل برنامج إيران للصواريخ الباليستية.
وحذّر وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”، من أن الشركات الأوروبية التي ستواصل التعامل مع إيران في قطاعات محظورة بموجب هذه العقوبات، “ستتحمل مسؤولية” ذلك.
وكانت واشنطن أعلنت متجاهلة تحذيرات الأوروبيين، عن إعادة فرض العقوبات التي رُفعت بموجب الاتفاق المتعدد الأطراف، المبرم عام 2015، على إيران، مقابل تعهدها بتجميد برنامجها النووي.
تسويق الغاز الأمريكي
وأطلقت الولايات المتحدة استراتيجية البحث عن أسواق لبيع غازها الطبيعي، وصدرت 17,2 مليار متر مكعب عام 2017 نحو موانئ الاتحاد الأوروبي الذي ستزيد لدى دوله القدرة الإجمالية لاستيراد الغاز الطبيعي بنسبة 20% بحلول عام 2020، بحسب مركز الدراسات “إي إتش إس ماركيت”.
وفي 2017، ضاعفت الولايات المتحدة 4 مرات إمدادات الغاز الطبيعي المسال في الخارج، وستكون قريبًا من أكبر منتجي هذا النوع من الوقود، ويعطي عدم الارتباط بـ “الأنبوب” مزايا جدية لمنتجي الغاز الطبيعي المسال تتمثل بالمرونة.
هذا الإنتاج الأمريكي الغزير تقابله سوق أوروبية متعطشة إلى المزيد؛ ففي كل عام تستورد دول الاتحاد الأوروبي ثلث احتياجاتها للاستهلاك (66%)، وفي عام 2017 شكل ذلك 360 مليار متر مكعب من الغاز، بينها 55 مليارًا من الغاز الطبيعي المسال، بقيمة 75 مليار يورو.
وحتى الآن، نصف الغاز الذي تشتريه أوروبا من روسيا، لكن الأوروبيين يسعون إلى كسر هذا الاعتماد على روسيا.
مكمن الخطورة على الغاز الأمريكي وما تشكله العقوبات المنتظرة من فرصة لواشنطن لضرب الغاز الإيراني، كشفها مفوض الطاقة الأوروبي “ميجيل أرياس كانتي” الذي قال إنّ “الاحتياطي الإيراني هائل، وإذا طورت إيران منشآت مناسبة فيمكن أن تتيح لهذا البلد أن يصبح مزودًا كبيرًا لأوروبا”.
وتملك طهران أكبر احتياطي غاز في العالم بعد روسيا، وخصوصًا مع حقل الأوفشور فارس الجنوبي، ويقدر بنحو 191 تريليون متر مكعب.
وصدرت البلاد 10 مليارات متر مكعب عام 2017، عبر أنبوب الغاز نحو تركيا والعراق، لكن الحل للمستقبل سيكون الغاز الطبيعي المسال، كما يؤكد المسؤولون الأوروبيون.
وقدَّر وزير النفط الإيراني “بيجان نمدار زنقانة”، احتياجات الاستثمار بنحو 200 مليار دولار على خمس سنوات، بينما أسهم قطاع الطاقة بنحو 50 مليار دولار من عائدات الدولة عام 2017.
الحرب مع روسيا
من هذه المعادلة المتشابكة، تبدأ مصالح الغاز الأمريكية بالتقاطع مع روسيا، التي تزود أوروبا بأكثر من ثلث غاز الأنابيب الذي تستورده دول الاتحاد.
مسؤول الطاقة الأوروبي “كانتي” قال إنّ المنافس المستهدف الآخر هو روسيا، مع مشروعها الرائد “نورد ستريم 2” الذي يهدف إلى مضاعفة قدرات أنبوبي الغاز “نورد ستريم 1” بحلول 2019، وإفساح المجال أمام وصول المزيد من الغاز الروسي بشكل مباشر إلى ألمانيا، عبر بحر البلطيق، وبالتالي بدون المرور عبر أوكرانيا.
هذا الأنبوب يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوروبا بالتخلي عنه، ويرغب في جعله ورقة تفاوض لإعفاء الأوروبيين من الرسوم على الفولاذ والألومنيوم، بينما تدافع القارة العجوز بشدة عن مشروع أنبوب الغاز الاستراتيجي.
وعن تفاصيل هذه الحرب يرى الروس أن نتيجتها محسومة لصالحهم، حيث يقول “ميخائيل كريلوف”، رئيس قسم التحليل في شركة “جولدن هيلس كابيتال”: “تبلغ تكلفة الاستخراج في الولايات المتحدة حوالي 100 دولار لكل ألف متر مكعب دون التسليم إلى أوروبا، ويبلغ السعر على الحدود الغربية لأوروبا 222 دولارًا، فيما تكلفة غازبروم (الشركة الروسية الأم) القصوى، متضمنة التسليم على الحدود الروسية، حوالي 140 دولارًا أمريكيًا.
ويرى المحلل البارز في صندوق الأمن القومي للطاقة، “إيجور يوشكوف” أن غازبروم “يمكن أن تفقد حصتها السوقية فقط إذا كان الموردون البديلون (الولايات المتحدة) سيعطون سعرًا أقل”.
وأضاف أنه من الناحية العملية، لا يمكن للغاز الطبيعي المسال الأمريكي التنافس مع غازبروم بالسعر تمهيدًا لطرد موسكو من السوق الأوروبية، حيث يذهب الغاز الطبيعي المسال الأمريكي كله تقريبا إلى تلك الأسواق حيث الأسعار مرتفعة – إلى دول أمريكا الجنوبية وآسيا.
وتابع: “وحتى لو وصل الغاز الطبيعي الأمريكي المسال بأكمله إلى أوروبا لما كان قابلًا للمقارنة مع الإمدادات الروسية، فقد قامت شركة غازبروم في العام الماضي بتصدير 194 مليار متر مكعب إلى الدول غير التابعة لرابطة الدول المستقلة. بينما بلغت جميع الصادرات الأمريكية حوالي 20 مليار متر مكعب”.
اضف تعليقا