تدفع أجندة دولة الإمارات وسياسات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بالمنطقة إلى تدهور في العلاقات التي تجمع الاتحاد الفيدرالي الهش المكون من مجموعة من المدن بالإمارات العربية المتحدة.
وتسببت الحروب والتدخلات الإماراتية بالشرق الأوسط، في وقوع البلد الاتحادي بأزمة اقتصادية واجتماعية داخل الدولة الواحدة، التي لا يتفق معظم حكامها مع سياسات ولي عهد أبوظبي.
وانتهج بن زايد سياسة التدخل في شؤون الدول العربية، وسعى من خلال أموال بلاده إلى فرض واقع سياسي معين، كلف تلك البلدان كثيراً من الدماء، وتسبب في أزمات سياسية خانقة، وتدهور الوضع الاقتصادي على نحو غير مسبوق، وهو ما انعكس سلباً على بلاده أيضاً.
بن زايد وتحكُّمه في الإمارات
منذ تأسيسها في 2 ديسمبر عام 1971 من سبع إمارات: أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة، عُرفت الإمارات بالحياد نوعاً ما تجاه قضايا المنطقة، والاكتفاء بالدور الإنساني بعيداً عن السياسي غالباً، وهو ما التزمه أميرها السابق زايد بن سلطان آل نهيان ومن بعده ابنه خليفة، طوال سنوات حكمه الفعلية بين 2004 و2014.
وبعد أن ساءت الحالة الصحية لخليفة، اتخذت الإمارات، بقيادة محمد بن زايد، نهجاً مختلفاً تدخلت فيه بشؤون الدول العربية، كان أبرزها اليمن، وليبيا، وصولاً إلى الأزمة الخليجية مع قطر.
وتقضي المادة (45) من دستور الإمارات بأن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، هو نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، أي إنه الحاكم الفعلي في حال عدم قدرة رئيس الدولة على ممارسة الحكم، وهو السلطة الثانية بعد رئيس الدولة خليفة بن زايد آل نهيان، الذي انتخبه المجلس الأعلى للاتحاد في 3 نوفمبر 2004.
إلا أن محمد بن زايد هو من يستحوذ على المشهد السياسي للإمارات المتحدة ويتحكم في القرار السياسي بشكل مطلق، وقد فرض نفسه كصاحب القرار الأول بعد أن فقد رئيس الدولة خليفة بن زايد القدرة على ممارسة الحكم، بسبب المرض.
وبهذه الطريقة في الاستحواذ على الحكم، يمكن القول إن انقلاباً ناعماً قاده محمد بن زايد على محمد بن راشد آل مكتوم، بعد أن عمل بما لدى أبوظبي من ثروة، على تهميش محمد بن راشد، وإقصائه من حق اتخاذ القرار، خاصة في السياسة الخارجية للدولة.
تهميش حكام الإمارات
لم تقتصر حالة عدم الرضى على الشيخ محمد بن راشد، بل طالت حكام الإمارات الست الأخرى، فقد كشف الشيخ الإماراتي المنشق راشد بن حمد الشرقي، نجل حاكم إمارة الفجيرة، عن أسرار الحكم في الإمارات، وهيمنة ولي عهد أبوظبي على القرار السياسي بالبلاد، وتهميش حكام الإمارات الآخرين.
وفي حوار لـ”الشرقي” مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في 14 يوليو 2018، كشف عن خلافات بين الإمارات السبع، بسبب الحرب في اليمن، وتفرُّد أبوظبي بقرار المشاركة في الحرب.
وأوضح “الشرقي”، الذي كان يشغل منصب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، أن حكام أبوظبي لم يتشاوروا مع حكام الإمارات الآخرين، وأنهم أرغموا جنوداً من أبناء الفجيرة على المشاركة في حرب اليمن، كاشفاً عن تذمر حكام الإمارات من تصرفات أبوظبي وسياستها.
وأضاف أن إمارة الفجيرة، إحدى أصغر الإمارات السبع وأقلّها نفوذاً، تحمّلت الوزر الأكبر من عدد القتلى الإماراتيين باليمن، الذين قال إن عددهم الكلّي أعلى ممَّا تعلنه أبوظبي.
دبي أكبر المتضررين
وأدت أجندة دولة الإمارات وسياساتها في المنطقة إلى تضرر اقتصاد مدينة دبي، التي تواجه مشكلات متصاعدة، أبرز أسبابها الصراع في الخليج، الناتج عن سياسات محمد بن زايد.
وفي يناير من عام 2019، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الصادرة من نيويورك، عن مصرف الإمارات المركزي، قوله إن دبي فقدت أكثر من 20 ألف وظيفة في القطاعات التي تزخر بوظائف المهن المكتبية، مثل قطاع الخدمات وقطاع الاتصالات، والتي كان حصار قطر أحد أكبر أسبابها، إضافة إلى خسائر في الأسهم والقطاعات الاقتصادية المختلفة.
وقالت المجلة: “مع السياسات الخرقاء لمحمد بن زايد الذي يطلق النار في الخارج، يحاول محمد بن راشد معالجة الأمور المتدهورة وقيادة عملية التحفيز بالداخل، ولكن دبي قد تصبح ضحية لسياسات أبوظبي”.
ورأت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية أن الوضع الاقتصادي السيئ الذي تعيشه دبي، “بسبب المغامرات التي تخوضها الإمارات في عديد من الملفات الخارجية، جعلها تعاني نزفاً بطيئاً”.
وآخر تلك الأضرار إيقاف عمليات البناء في المطار الذي صُمم ليكون أكبر مطار بالعالم في دبي، بقدرة استيعابية تبلغ 250 مليون مسافر، بسبب تراجع اقتصاد الإمارات، والركود الاقتصادي الذي تعانيه دبي منذ 2017.
كما شهد القطاع العقاري بالإمارات تراجعاً كبيراً في أسعاره، وكانت دبي هي الأكثر تضرراً منذ 2014، متأثرة بزيادة العرض وضعف الطلب؛ وهو ما دفع شركات التشييد والهندسة إلى خفض الوظائف وتعليق خطط التوسع.
الفجيرة.. أزمة جديدة
وكانت إمارة الفجيرة آخر المتضررين، فإلى جانب سقوط أكبر عدد من قتلى الإمارات في اليمن من هذه المدينة، رصدت تقارير دولية عن أضرار كبيرة أصابت مستويات الطلب على خدمات تموين السفن بموانئ دولة الإمارات؛ على أثر الهجمات الأخيرة الغامضة لناقلات النفط في مايو الماضي.
وأوردت وكالة “بلومبيرغ” أن الطلب على خدمات تموين السفن في ميناء الفجيرة الإماراتي تراجع بعد سلسلة الهجمات على ناقلات النفط بمنطقة الخليج العربي.
وأرجع مات ستانلي، وهو وسيط كبير بشركة “Star Fuels” في دبي، سبب تراجع الطلب على خدمات تموين السفن بالميناء الإماراتي إلى ارتفاع تكاليف التأمين على ناقلات النفط ضد مخاطر الحرب، متوقعاً أن “تزداد الأوضاع سوءاً قبل أن تبدأ في التحسن”.
ويزود ميناء الفجيرة ناقلات النفط بالوقود والإمدادات والإصلاحات في أثناء مرورها بالطريق من الخليج العربي عبر مضيق هرمز إلى المصافي في جميع أنحاء العالم، كما أن أبوظبي تصدّر 70% من نفطها إلى العالم من خلال هذا الميناء.
الشارقة وانفتاح بن زايد
وتعد الشارقة المدينة الثقافية للإمارات، لكن الانفتاح الذي يسير عليه حُكام ومسؤولو أبوظبي، واستئثارهم بالسلطة، وسياسات بلادهم الملطخة بالدماء خصوصاً في اليمن، تهدّد معاً بنية المجتمع الإماراتي، وهو ما دفع حاكم الشارقة، الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، إلى التحذير منه ومواجهته سريعاً.
وقال القاسمي في أثناء لقاء مع رئيس وأعضاء مجلس إدارة اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات، في 18 سبتمبر 2018: “إننا نواجه خطراً ثقافياً يهدّد هويتنا وثقافتنا”، مشيراً إلى أن “من الضروري تسارع جهود الكُتاب والأدباء للإسهام في تماسك المجتمع”.
وأكّد حاكم الشارقة، حسبما ذكرت صحيفة “الخليج” الإماراتية، أهمية دور مجلس إدارة وأعضاء اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات؛ من خلال إصداراته الثقافية والأدبية، في ترسيخ قيم الإنسان وروح المجتمع وتقاليده الأصيلة.
وطالب القاسمي الكُتّاب والأدباء الإماراتيين بـ”التزام الحيادية والموضوعية، وعدم التعصّب، واحترام الثقافات والحضارات الأخرى”، داعياً إياهم إلى إبراز شخصياتهم وبصماتهم في إنتاجهم وإصداراتهم الأدبية والعلمية.
كما تتحدث وسائل إعلام عن خلافات بين حاكم الشارقة وبن زايد، بعد غياب الأخير عن مراسم دفن نجل حاكم الشارقة خالد سلطان القاسمي، الذي توفي في ظروف غامضة ببريطانيا.
هل هناك خلافات؟
وتتصاعد التسريبات بشأن تفاقم الخلافات بين حكام الإمارات السبع، في ظل سياسة ولي عهد أبوظبي، حيث كشف موقع “تاكتيكال ريبورت” الاستخباراتي الأمريكي عن وجود معارضة في صفوف حكام دولة الإمارات لخوض حرب ضد إيران، بعد وصول التوتر بينها وبين أمريكا إلى ذروته إثر إسقاطها طائرة عسكرية أمريكية مسيَّرة، في 20 يونيو الماضي.
وأفاد الموقع بأن التقارير الواردة من أبوظبي تشير إلى أن ثلاثة من حكام الإمارات السبع التي تشكل الحكم الاتحادي بالإمارات، نصحوا ولي عهد أبوظبي بعدم إشراك الإمارات في حرب ضد إيران.
وأوضح أن هؤلاء الحكام هم: حاكم دبي، وحاكم الشارقة، وحاكم أم القيوين، مشيراً إلى أنه بالنسبة للحكام الثلاثة السابقين، فإن انخراط الإمارات في مثل هذه الحرب ضد إيران ستكون له عواقب وخيمة على البلد بأكمله.
وتؤكد التقارير أن حكام معظم الإمارات السبع يرون أن سياسات بن زايد تدمر بلادهم، لكنهم يخشون من التحدث ومواجهة تلك الحقائق؛ خشية أن يستخدم ولي عهد أبوظبي سلطاته للإطاحة بهم.
اضف تعليقا