لا يتخذ قرار في مصر إلا بعد صدور تقارير الأجهزة السيادية والرقابية في الدولة.. إحدى هذه الجهات هى هيئة الرقابة الإدارية، التي أدخل مجلس النواب تعديلات على القانون الخاص بها أخيرا.
مرر مجلس النواب تعديلات قانون الهيئة بين عشية وضحاها دون استفاضة بالمناقشة كالعادة في مشروعات القوانين التي تتعلق بالجهات السيادية والرقابية والعسكرية.
ورغم الحفاوة الشديدة من قبل بعض النواب بهذه التعديلات التي اعتبروا أنها تساهم في القضاء على الفساد المنتشر بشدة، إلا أنها في الوقت ذاته تطرح عديدا من علامات الاستفهام حول التوقيت، وحول ربطها مباشرة برئيس الجمهورية.
ويمكن فهم هذه التعديلات في ظل ترتيب الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الأوضاع الداخلية لمزيد من إحكام السيطرة على مفاصل الدولة تماما، وهو أمر يرتبط بشكل كبير بانتخابات الرئاسة المقبلة 2018.
مجلس النواب المصري
توسيع النفوذ
أدخل النظام الحالي عبر مجلس النواب تعديلا على قانون هيئة الرقابة الإدارية هو الأكبر منذ صدور قانون تشكيل الهيئة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في عام 1964.
التعديلات التي تمت الموافقة عليها تمنح صلاحيات أوسع للهيئة عما كان موجودا في القانون من قبل، إذ شملت الاختصاصات الجديدة “كشف وضبط الجرائم التي تستهدف الحصول أو محاولة الحصول على أي ربح أو منفعة باستغلال صفة أحد الموظفين العموميين المدنيين أو أحد شاغلي المناصب العامة بالجهات المدنية، والجرائم المتعلقة بتنظيم عمليات النقد الأجنبي المنصوص عليها بقانون البنك المركزى والجهاز المصرفي والنقد، وجرائم تنظيم زرع الأعضاء البشرية والجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الاتجار بالبشر”.
التوسع في الصلاحيات جعل الهيئة تنازع جهات أخرى في عملها مثل وزارة الداخلية التي يدخل في اختصاصها مواجهة الجرائم المتعلقة بالنقد الأجنبي وزراعة الأعضاء والاتجار بالبشر وهى جرائم جنائية ترتبط بعمل جهاز الشرطة.
وكانت اختصاصات الهيئة تقتصر فقط على ما يقع من العاملين بأجهزة الدولة ووحداتها الاقتصادية، وجرائم يتم ضبطها بالتنسيق مع بعض الجهات، وهذا وفقا لما جاء على موقع الهيئة على شبكة “الإنترنت”.
وهنا فإن السيسي يرغب في ممارسة الهيئة دورا أكبر من النفوذ في عدة قطاعات بالدولة، خاصة مع وجود درجة كبيرة من الثقة في رجال الهيئة وأغلبهم من رجال القوات المسلحة.
ولكن سلطات هيئة الرقابة الإدارية قصرها التعديل الجديد على “الجهات المدنية” فقط في عمليات الرقابة والتحريات السرية في ضوء اختصاصات وصلاحيات الهيئة، إذ تم استبعاد أي جهة عسكرية أو سيادية من أعمالها تماما، وهو ما لم يكن محددا في القانون القديم.
هيئة الرقابة الإدارية
وبالتالي فإن السيسي حافظ على خصوصية العمل داخل الجهات العسكرية والسيادية في الدولة، على الرغم من أن عمل الهيئة كان في إطار “أجهزة الدولة ومؤسساتها الاقتصادية”، بما يعطي انطباعا أن المؤسسة العسكرية بعيدة تماما عن أي مخالفات أو فساد.
ولم يشترط التعديل الجديد موافقة مسبقة على إحالة المسؤولين من مديري العموم فما فوق إلى التحقيق كما كانت تنص المادة القديمة.
وبعيدا عن المواد الإجرائية الجديدة في عمل الهيئة، فإن الأمر الأبرز هو إتاحة الفرصة لعملية التعيين مباشرة دون الاعتماد على الانتداب من المؤسسات، بما يشي بوجود رغبة في تعظيم دورها خلال الفترة المقبلة بما يتناسب مع الخط المرسوم في إحكام السيطرة على كل مؤسسات الدولة وهو ما يحتاج إلى أعداد كبيرة من العاملين.
هدم الاستقلالية
التعديل الأكثر إثارة للجدل هو نقل تبعية الهيئة من رئاسة الوزراء إلى رئيس الجمهورية مباشرة، وهى خطوة غير مفهومة في ذاتها، ولكن مع وضعها بجوار إجراءات السيسي وقراراته فإنه يمكن القول بأنه يرغب في أن تصبح “الرقابة الإدارية” عصا جديدة في يده.
وبخلاف التعديلات الجديدة على عمل الهيئة فإنها تعمل في كل مؤسسات الدولة وتحظى بصلاحيات التحقيق والتحري السري وكتابة التقارير في الموظفين وضبط المخالفات والرشاوى، وهو ما يجعلها سيفا مصلتا على رقاب الجميع داخل أجهزة الدولة، لإحكام السيطرة على بضع ملايين في الجهاز الإداري.
وعلى الرغم من نص التعديل الجديد على أنها هيئة “مستقلة” إلا أن هذا يتعارض مع مفهوم الهيئات والجهات المستقلة في ظل التبعية لرئاسة الجمهورية، وتعيين السيسي لرئيسها ونائبه بعد موافقة مجلس النواب.
السيسي و رئيس هيئة الرقابة الإدارية
ويفترض في الجهات الرقابية والمؤسسات المستقلة وجود مسافة بينها وبين السلطة التنفيذية حتى تتمكن من تحقيق الأهداف الخاصة بها، ولكن بدا أن السيسي يرغب في تبعية الهيئة له لأهداف خاصة تتعلق بالحفاظ على نظامه.
الجيش يسيطر
لا يمكن الفصل بين هيئة الرقابة الإدارية والمؤسسة العسكرية، إذ أغلب العاملين في الهيئة من ضباط الجيش، بما يصورها على أنها فرع لوزارة الدفاع في الحياة المدنية.
“الرقابة الإدارية” تعتبر بحسب مراقبين أداة من ضمن أدوات كثيرة لسيطرة المؤسسة العسكرية على الحياة العامة في مصر والتحكم في كل شيء، فمن خلال هذه الهيئة يمكن استبعاد مرشح لمنصب رفيع في الدولة أو تولي حقيبة وزارية، ويقف خلف هذا الاستبعاد المؤسسة العسكرية بأذرعها في الهيئة.
ولعل أبرز دليل على ذلك الانتدابات من المخابرات الحربية إلى الهيئة، وعدم تولية رئاسة الهيئة منذ تأسيسها أي مدني حتى الآن.
وشغل منصب رئيس الهيئة 7 لواءت من الجيش المصري على الترتيب، وهم اللواء كمال الغر ضابط المخابرات في عام 1964، اللواء محمد عبد الله في عام 1982، واللواء أحمد عبد الرحمن، ثم اللواء هتلر طنطاوي في عام 1996، ومدير المخابرات الحربية الأسبق اللواء محمد فريد التهامي، واللواء محمد عمر هيبة، وحاليا يشغل رئيس الهيئة اللواء محمد عرفان جمال الدين.
ولا تتوقف المؤسسة العسكرية عن السيطرة على مصر منذ وصول السيسي إلى الحكم عقب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في 2013، وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة والتوغل في الاقتصاد المصري.
رئيس الرقابة الإدارية
وبدت ملامح سيطرة الجيش واضحة من خلال عمل ضباط الجيش في المخابرات العامة والذين يشكلون الغالبية العظمى من العاملين هناك، لتكتمل أذرع السيطرة التامة وهى المخابرات الحربية والعامة والرقابة الإدارية.
نغمة الفساد
والسؤال الذي يطرح نفسه: مادام السيسي يدفع باتجاه محاربة الفساد بشكل كبير لدرجة إعطاء دور كبير لهيئة الرقابة الإدارية، فلماذا تعامل بهذه الطريقة مع رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق المستشار هشام جنينة وتم عزله بعد حديثه عن وقائع فساد بالمليارات؟.
السيسي أصدر قانونا خصيصا يجيز له إعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية، للإطاحة بجنينة من رئاسة المركزي للمحاسبات.
هشام جنينه
ولكن الغريب أن الرئيس الحالي لم يستدع جنينة للحديث معه حول حقيقة تصريحاته الخاصة بحجم الفساد في البلاد وإمكانية التعامل مع الأمر، ولكن قرر التنكيل به، وفي المقابل هو الآن يفتح الطريق أمام عرفان لكشف الفشاد.
المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، قال إن ما نشهده في الفترة الأخيرة من قيام الرقابة الإدارية بالكشف عن فساد وإجهاض دور الجهاز المركزي للمحاسبات ما هو إلا تلميع لجهاز الرقابة لإظهار نشاطه.
وأضاف سليمان أن القضايا التى تضبط من قبل الرقابة الإدارية منتقاة لإظهار دور الجهاز، مشيرا إلى أن دور الجهاز المركزي للمحاسبات مراقبة الميزانيات ومراجعة المصروفات والإيرادات وبيان إذا ما كان هناك استغلال للمال العام في غير موضعه وبيان الثغرات القانونية.
اضف تعليقا