مع بداية فترة ولاية جو بايدن تعهد بجعل حاكم المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، منبوذًا عالميًا، ولكن مع اقترابه من نهاية ولايته، بعد تأييده لنائبة الرئيس كامالا هاريس كخليفة له في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أصبحت العلاقات السعودية الأمريكية أقرب مما كانت عليه منذ سنوات، بل نجح ولي العهد السعودي في رفع الحظر الأمريكي الذي فرض لمدة أربع سنوات على مبيعات الأسلحة الهجومية إلى المملكة العربية السعودية.
الصفقة الجديدة تعني أن الصواريخ جو-أرض، التي تم تعليق نقلها للضغط على السعوديين لإنهاء الحرب في اليمن، سيتم تسليمها إلى القواعد السعودية قريبًا.
هذا بالإضافة إلى التعهدات الأمنية الجديدة القيمة التي حصل عليها ولي العهد من إدارة بايدن في مايو/أيار الماضي، فضلاً عن الاتفاقيات من الولايات المتحدة لدعم التكنولوجيا النووية المدنية السعودية.
بايدن بحاجة إلى مساعدة السعودية
قبل ثلاث سنوات فقط، كانت مجموعة من المشرعين الديمقراطيين يطالبون بفرض عقوبات على محمد بن سلمان بعد أن جاءت تقرير المخابرات الأمريكية، الذي تم رفع السرية عنه، مؤكدة أن ولي العهد أمر باغتيال المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول عام 2017.
هذا التقرير أثر سلبًا على سمعة محمد بن سلمان لفترة طويلة، لكن وحسب المحللين فإن محمد بن سلمان نجح في التعامل مع الفوضى الإقليمية والعالمية المتزايدة للتأكيد على أهمية المملكة العربية السعودية لواشنطن.
قال جورجيو كافييرو، الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، لـ Business Insider، إن الحرب الدائرة في غزة أزعجت المملكة العربية السعودية كونها تهدد بالتوسع إلى صراع إقليمي أوسع مع تمكين منافسته الإقليمية اللدودة إيران ووكلائها في “محور المقاومة”.
وأضاف “هناك شيء يجب قوله حول كيفية نظر إدارة بايدن إلى المملكة طلبًا للمساعدة فيما يتعلق بجهود واشنطن لاحتواء هذه الصراعات ومنع انتشارها، مما أعطى قيادة المملكة العربية السعودية فرصة للتأكيد للغرب على أن الرياض هي عاصمة يجب على الولايات المتحدة والدول الأوروبية العمل معها لتعزيز مصالحها في العالم العربي والإسلامي وما بعده”.
علاقة بدأت بعدم الثقة
اتسم صعود محمد بن سلمان إلى السلطة بالجرأة والوحشية، حيث أجبر رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري على الاستقالة في عام 2017، وقام باعتقال بعض أقوى الشخصيات في المملكة العربية السعودية، سواء من العائلة المالكة أو رجال الأعمال، في فندق فاخر في عرض للقوة هز المنطقة والمملكة.
لقد قلب اغتيال خاشقجي عام 2017 العلاقات مع الولايات المتحدة، التي كانت لعقود من الزمن الحليف الأكثر أهمية للمملكة، حيث أثارت هذه الخطوة غضب المشرعين الأمريكيين وتعهدات بالانتقام من قبل المرشح الديمقراطي آنذاك بايدن، الذي هدد بجعل الحاكم السعودي الجديد “منبوذًا” خلال الحملة الانتخابية عام 2020.
لكن سرعان ما نسيت الإدارة الأمريكية تعهداتها بتفضيل مصلحة حقوق الإنسان، وحاول بايدن استمالة ولي العهد السعودي، الذي من جانبه عمل جنبًا إلى جنب مع روسيا للحفاظ على أسعار النفط العالمية، وهي الخطوة التي أشعلت مواجهة أخرى مع إدارة بايدن في عام 2022 حيث سعى البيت الأبيض إلى الحد من التضخم المحلي.
كما أبرم صفقات قيمة مع الصين، التي تتنافس مع الولايات المتحدة كوسيط قوي في الشرق الأوسط، وشارك في اتفاق توسطت فيه بكين لتخفيف التوترات مع منافستها الإقليمية اللدودة إيران في عام 2023.
أهمية المملكة العربية السعودية
عدم الاستقرار العالمي والتغيير الاقتصادي والحرب في غزة أوضحت للبيت الأبيض ضرورة المملكة العربية السعودية، حيث لعب السعوديون دور الوسيط في الحرب في أوكرانيا، وساعدوا في التفاوض على إطلاق سراح السجناء. كما سعت الرياض إلى تنويع اقتصادها والابتعاد عن اعتمادها على الوقود الأحفوري، وضخ تريليونات الدولارات في مشروع مدينة نيوم العملاقة.
في عام 2022، أكد بايدن على الأهمية المستمرة للعلاقات الأمريكية السعودية وزار المملكة العربية السعودية، مجازفًا بغضب أعضاء حزبه من خلال تحية ولي العهد محمد بقبضة اليد، وحسب كافييرو فإنه “على الرغم من خطاب حملة بايدن وسياسته بعدم التحدث مباشرة إلى ولي العهد السعودي في بداية رئاسته، فقد عملت هذه الإدارة بشكل وثيق للغاية مع الرياض، حيث تعامل البيت الأبيض مع المملكة العربية السعودية بطرق تؤكد مدى تقدير الولايات المتحدة الكبير للشراكة بين واشنطن والرياض.. ببساطة، بعيدًا عن التعامل مع المملكة باعتبارها منبوذة، كانت سياسة بايدن الخارجية مؤيدة للسعودية للغاية”.
من ناحية أخرى ترى المملكة العربية السعودية أن الولايات المتحدة ضرورية لتحقيق أهدافها طويلة الأجل، لطالما سعت الولايات المتحدة إلى التوسط في التقارب بين حلفائها العرب وإسرائيل، حيث تفاوضت إدارة ترامب في عام 2020 على تجديد العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين كجزء من اتفاقيات إبراهيم.
استأنفت إدارة بايدن المناقشات، وظهرت صفقة تطبيع بين المملكة العربية السعودية، أقوى دولة عربية، وإسرائيل على الطاولة، لكن حرب غزة التي اندلعت في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أثرت على هذه سير خط المفاوضات. في البداية عبر بن سلمان عن ترحيبه بالفكرة، وبعد ذلك أكد المسؤولون الأمريكيون أن بن سلمان متمسك بالفكرة، لكن بن سلمان أكد مؤخرًا أنه لا تطبيع بدون إقامة دولة فلسطينية.
قال جون ألترمان، نائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، إن ولي العهد محمد يلعب لعبة طويلة الأمد. وقال: “يتوقع محمد بن سلمان أن يكون في السلطة في غضون 40 عامًا… في ذلك الوقت، يتوقع أن يكون لديه برنامج طاقة نووية محلي، ودعم عسكري أمريكي قوي، واتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة، وحركة كبيرة نحو تقرير المصير الفلسطيني. أعتقد أنه منفتح على الجداول الزمنية المتنوعة والتسلسل، اعتمادًا على الظروف الخارجية”.
انخرطت المملكة العربية السعودية في حرب وحشية مع الحوثيين حتى عام 2022، حيث فرض بايدن حظر مبيعات الأسلحة الهجومية لإنهاء الصراع الذي وصفه بأنه “كارثة إنسانية واستراتيجية”. لكن في أعقاب صراع غزة، هاجمت الجماعة المسلحة طرق الشحن العالمية في البحر الأحمر، وترى إدارة بايدن الآن المملكة العربية السعودية كلاعب “بناء” في كبح عدوان الحوثيين، كما قال ألترمان.
فيما قال كافييرو إن الولايات المتحدة أصبحت الآن أكثر تقبلاً للمصالح السعودية، وذلك بفضل هدف مشترك يتمثل في تجنب الصراع المتصاعد في الشرق الأوسط. وأضاف: “إن إدارة بايدن مقتنعة بأن المملكة العربية السعودية ببساطة لاعب مهم للغاية في الشؤون العالمية بحيث لا يمكن تجاهلها باعتبارها “منبوذة”، ومن المهم للغاية للمصالح الوطنية الأمريكية استيعاب الرياض ومصالحها الخاصة”.
وتساعد هذه العوامل المرء على فهم سياق كل من رحلة بايدن المثيرة للجدل إلى جدة في منتصف عام 2022 وقرار الإدارة باستئناف بيع الأسلحة الأمريكية “الهجومية” إلى المملكة العربية السعودية”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا