الغيرة هى إحساس طبيعي يشعر به المرء إذا تعرض لإحساس التنافس، وقد يعتبر مقياسًا لدرجة الحب، إلا أنها قد تتزايد لدرجة تتحول فيها إلى مشاعر جنونية خطيرة وتتحول من مشاعر للتعبير عن الحب إلى مشاعر تدمير الحب، وقد تذهب ببعض الأشخاص إلى أبعد من مجرد التعبير عن الغضب فتذهب عقله، حتى قد تؤدِّي به إلى ارتكاب جريمة قتل.
وقد تقف الغيرة وراء اتباع سلوكيات العنف وتأجيج المشاعر السلبية مما قد يؤدي لاتخاذ مواقف تسبب من الأضرار في العلاقة العاطفية ما لا يمكن إصلاحه في حين أن الاعتدال فيها قد يكون هو ما فيه الحماية للعلاقة، لذلك اهتم بعض المختصين بدراسة هذه السلوكيات والمشاعر لمعرفة أسبابها ودوافعها ومن أين تنشأ.
لذلك أصدر الدكتور روبرت لياهي المتخصص في علم النفس كتابًا جديدًا بعنوان “علاج الغيرة”، وأوضح فيه أن دائرة الغيرة دائمًا ما تحتوي ثلاثة أشخاص، وتبدأ هذه المشاعر في التأجج عندما يشعر طرفان منهم بتهديد من الطرف الثالث، وإما أن يكون هذا الطرف الثالث هو محطّ اهتمام من أحد طرفي العلاقة أو أن هذا الطرف هو من يوجّه اهتمامه لأحد أطراف العلاقة أو أن يحدث بينهما اهتمام متبادل.
وفي هذا الاطار اتجه د.لياهي إلى تقسيم الغيرة إلى جزءين وهما إما الغيرة الجنسية أو الغيرة بشأن التقارب العاطفي.
وقد فرق لياهى بين منطلقات الرجال والنساء في شعورهم بتلك المشاعر، فقد أوضح أن الرجال قد يكونون أكثر تأثرًا بالغيرة الجنسية في حين أن النساء يولين اهتمامهن في الغيرة فيما يخص التقارب العاطفي، إلا أن ما يجمعهما هو سيطرة الشعور بانعدام الأمن في هذه العلاقة العاطفية، وقد يتدخل في هذا التاريخ السابق لعلاقات أخرى فقد يتوقع أحد الأطراف أن يتخلى عنه الحبيب، وربما يكون قد تعرَّض مسبقًا للخيانة فيستدعي هذه المواقف مرة أخرى، وقد يتوقع كذلك عدم الالتزام من الشيرك وإن كان بدرجات متفاوتة.
كما يرجع أيضًا هذا الشعور لسبب غير متوقع، وهو أن يكون دافعه التقدير الذاتِي المرتفع للشخص الغيور فيرى العيوب الشخصية للطرف الآخر أكثر وضوحًا مقارنة بعيوبه الشخصية، في حين أن هذا الشعور أيضًا قد يكون مرجعه هو الحسد في بعض الأحيان.
ورأى لياهي أن الغيرة إذا كانت في حدودها المعقولة سواء كانت البسيطة أو المتوسطة فإنها تعبر عن شدة الارتباط والالتزام بالحب، وقد يلجأ البعض لاختلاق المواقف ليختبر غيرة الطرف الآخر فيشعر بمقدار حبِّه له وبمستوى غيرته كذلك، ويرى أن مثل هذه الاختبارات هو أمر طبيعي لاستكشاف طبائع الطرف الآخر.
كيفية التحكم في الغيرة
وفي نفس الوقت يقدم لياهي بعض النصائح للأشخاص الغيورين للتحكم في مثل هذا الشعور، ويرى أنها طرق بسيطة يمكن اتباعها وبدايتها من نقطة إدراك أن الشعور بالغيرة هو أمر طبيعي وشائع عالميًا وليس هناك مشكلة في التعبير عنه أو خطأ في الشعور به، وبالرغم من ذلك فلا ينبغي عدم السيطرة على هذه المشاعر، ولكن يجب تحجيمها من خلال التوقف عن استمرارية طرح الأسئلة والتغلب على المواقف السخيفة، خاصةً أنه في حالة إطلاق العنان للتصرف بسبب مشاعرك، فإنها ستصل بك للشعور بالحسد، ويمكن كذلك فتح الحوار حول هذه المشاعر مع الطرف الآخر والتعبير عما قد يجول بخاطرك لوضع أساسات لهذه العلاقة، حتى تسير الأمور وفقًا لما تَمَّ الاتفاق عليه مبدئيًا، وفي نفس الوقت يجب الانتباه إلى أنَّ الشعورَ المتكررَ بالغيرة قد يكون مؤشرًا لفشل العلاقة، ولا بد من تقبُّل فكرة أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، وهنا فينبغي اتخاذ القرار بإنهاء هذه العلاقة غير المجدية.
وقد ذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الشعور بالغيرة يرتبط بشكل أساسي بالجينات، وبرغم ما قد يراه البعض من أنه شعور يعبر عن عدم الثقة بالنفس وضعف في الشخصية فإنهم أكدوا أن هذا الشعور له مردود إيجابي على من يتعرّضون له بعد أن وضعوا درجات لهذه المشاعر.
فقد اعتبر هؤلاء العلماء ومنهم المعالج النفسي الألماني، فولفغانغ كروغر أن القول في تفسير هذه المشاعر أنها ناتجة من عدم الثقة بالنفس هو قول مخالف للحقيقة، ومجرد مهاترات، حيث ثبت علميًا أنه متعلق بالجينات، بالإضافة لكونها مشاعر هامة للحفاظ على العلاقة.
واعتبر كروغر أن الحرص على استمرار العلاقة هو الدافع وراء التعبير عن هذه المشاعر وهو أساس الغيرة التي تنتج عن ظهور غريم في هذه العلاقة يولِّد الشعور بالتهديد والخوف من ضياع الطرف المحبوب.
حدود الغيرة وأقسامها
ويقر كروغر بأن المفهوم السائد حول أن التعبير عن الغيرة هو أقوى أدلة الحب بأنه مفهوم صحيح، ولكنه يرى أن هذا في حدود الغيرة المنضبطة البسيطة، حيث إن درجات الغيرة مختلفة وتنقسم لثلاثة أقسام هي “بسيطة ومتوسطة وشديدة”؛ ففي الوقت الذي قد يحب ان يثير الحبيب فيها غيرة محبوبة للشعور بمقدار الحب والاهتمام، وقد يتحول الأمر في حالة الغيرة الشديدة إلى مرحلة الشك ولبحث وراء الطرف الآخر وتفتيش متعلقاته الخاصة بشكل دائم، حتى يصل به الأمر لتدمير هذه العلاقة، وفيما بينهما الغيرة المتوسطة التي يشعر فيها المحب بقلق شديد لأي حدث، مهما كان بسيطًا يتعلق بشريكه.
وقد تعبر بعض ردود الأفعال الجسدية مثل ارتفاع ضغط الدم أو الارتعاش بأنها علامات الوقوع في الحب، وهو من شأنه أن يفرز الجسم مادة الإندورفين، وهي المسئولة عن الشعور بالسعادة.
ولم يتمكن العلماء من تحديد المراحل الفاصلة بين الثلاث مستويات من الغيرة أو بمعنى آخر متى ينتقل الفرد من مرحلة إلى اخرى كأن ينتقل شخص من مرحلة التعبير عن الحب إلى المراحل المرضية، إلا أنهم قد يبحثون عند هذا التحول عن الأسباب المؤدية للغيرة، والتي يمكن أن تعود إلى طبائع الشخصية حتى قبل بداية العلاقة، وربما لتجربة سابقة تركت اثارًا نتيجة للتعرض للخيانة،كما ان كروغر يرى أن إثارة مشاعر الغيرة هو بمثابة جهاز الإنذار للتنبيه على غياب شيء هام بين الزوجين وعليهما التوقف لإعادة النظر إلى حياتهما التي ربما يكون انتابها بعض السلبيات بسبب الروتين اليومي، ولكن رغم هذا فإنها تتيح المجال للزوجين لفتح الحوار ومناقشة ما يدور بحياتهما لتقييمها فيعبر كل منهما عن مشاعره ورغباته بشكل صريح.
وربما تتسبب الغيرة أيضا فى تلاحم الزوجين، حيث إن شعور أحدهما باحتمالية فقدان الطرف الآخر يجعله أحرص على الحفاظ عليه إلا أن ذلك قبل أن يتحول الأمر إلى حالة مرضية من الخوف لحد الهوس.
وقد تتأجج مشاعر الغيرة أيضًا تأثرًا بالبيئة المحيطة فتؤثر على الطباع الشخصية للفرد، فمثلًا من يعيش مع والدين غيورين فإنه يكتسب هذا الطبع منهما، وتغلب عليه مشاعر الغيرة كذلك، كما أن الشخص الذي تعرض إلى الخيانه من الطرف الآخر يتحول لشخص غيور وشكاك.
وربما من أكثر الأسباب التي تثير مشاعر الغيرة لاعلى مستوياتها، هو التعرض للمنافسة وغالبًا ما تجد أن الأشخاص الذين يمرون بهذه المشاعر في فترة من حياتهم يستهلكون معظم أوقاتهم وطاقاتهم، لإثبات أنهم الأفضل من هذا المنافس، وفي الوقت ذاته قد يكونون بالفعل هم أشخاص متميزون، ويتضح ذلك مما يقومون به من أعمال على الوجه الأفضل للحفاظ على الطرف الآخر.
اضف تعليقا