العدسة: محمد العربي

كشفت التقارير الرسمية أن الحكومة المصرية اقترضت خلال شهر يناير الماضي  198 مليار جنيه، وأنها تعتزم اقتراض 294 مليار أخرى خلال شهري  فبراير ومارس لسداد عجز الموازنة، وهي التصريحات التي تتزامن مع ترويج حكومي بأن الدين المصري العام يشهد تراجعا عما كان عليه في السنوات الماضية، نتيجة خطوات الإصلاح الاقتصادي التي قامت بها حكومات الإنقلاب العسكري منذ 2016 وحتى الآن فيما يعرف بتحرير سعر الصرف.

الحكومة المصرية من جانبها لم تدخر جهدا في زيادة الدين المصري سواء من خلال الاقتراض المباشر والذي كان آخره قرض 3 مليارات دولار لشراء القمح الأمريكي، أو من خلال طرح أذون وسندات الخزانة للاكتتاب والبيع، ما حول مصر إلى واحد من أهم الأسواق الجاذبة للأموال الساخنة.

ووفقا للمعلومات الرسمية فإن أقساط وخدمة الدين تبلغ 48% من إجمالى الموازنة العامة، حيث تتراوح أقساط الدين بين 267 الى 270 مليار جنيه سنويا.

تلاعب خبيث

ورصد العديد من الخبراء أن الحكومة المصرية تقوم بالتلاعب في الأرقام فيما يتعلق بأرقام الدين العام الداخلي والخارجي، والتعامل مع موضوع الديون بإهمال متعمد، في إطار سياسة الحكومة بالتقليل من شأن الديون على الدخل والناتج القومي.

وحسب دراسة مفصلة للباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي فإن أداء الحكومة المصرية مدون في الإصدارات الحكومية، ومنها التقرير المالي الشهري لوزارة المالية عن شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018، والذي ذكر أن الدين العام بلغ 3.74 تريليونات جنيه، وبما يعادل نسبة 108% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017، وأنه زاد في يونيو 2018 ليصل إلى 4.31 تريليونات جنيه، وبما يعادل نسبة 97.2% من الناتج المحلي، إلا أن البيانات الأخرى الصادرة عن جهات إقليمية تظهر الحجم الحقيقي للدين المصري، ووفقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018 عن صندوق النقد العربي، فإن الدين العام المصري بلغ 351.8 مليار دولار (ما يعادل 6.2 تريليونات جنيه، بسعر صرف 17.85 جنيها للدولار) عام 2017، وأن نسبة الدين تبلغ 180% من الناتج المحلي الإجمالي.

ووفق تحليل الصاوي فإن مصر تحتل المرتبة الأولى من حيث المديونية العامة بين الدول العربية، حيث تمثل مديونيتها نسبة 53.4% من إجمالي مديونية الدول السبع الأكثر ديونا وهم الأردن، وتونس، والسودان، ولبنان، والمغرب، ومصر، وموريتانيا، والبالغة قيمتها 658.4 مليار دولار.

13 مليار دولار

ويرى المتابعون أن ما ذهب إليه التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018 كشفته الإجراءات الحكومية المصرية على أرض الواقع عندما توسعت في الاقتراض، الذي بلغ 13 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولي من عام 2018، تمثلت في 2.46 مليار دولار من بيع سندات مقومة باليورو لأجل 8 سنوات و12 عاما، بسعر فائدة 4.75% و5.625% على الترتيب، كما اقترضت 5 مليارات دولار من خلال طرح السندات الدولارية، في فبراير الماضي، كما اقترضت في مارس، مليار دولار من البنك الدولي، كما اقترضت الحكومة نحو 3 مليارات دولار من المؤسسة الإسلامية للتجارة التابعة للبنك الإسلامي للتنمية لتمويل أنشطة تجارية.

وحسب المراقبين فإن الخطر الكامن في ذلك أن هذا الاقتراض لا يتم توجيهه لمشروعات تنموية، وإنما يتم استخدامه في سداد ديون ومستحقات سابقة، كما ارتفعت خدمة الدين لمعدلات أصبحت تمثل تهديدا مباشرا للاقتصاد المصري، حيث ارتفعت تقديرات فوائد الدين لنحو 520 مليار جنيه بموازنة 2018/2019 مقابل 415 مليار جنيه في موازنة 2017/2018.

تحركات صادمة

ويرى المتابعون أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات في محاولة لخفض الدين العام، منها بيع حصص من الشركات المملوكة للدولة بالبورصة على مدار عام ونصف لجمع 80 مليار جنيه (4.5 مليار دولار)، خاصة بعد أن تضاعف الدين العام المصري تقريبا فى آخر 5 سنوات إلى 5 أضعاف، حيث كان يتراوح بين 700 و800 مليون جنيه منذ 5 أعوام ليرتفع إلى 3.8 تريليون جنيه، وهو ما يمثل نحو 108% من الناتج المحلي الإجمالي والذى بلغ 3.5 تريليون جنيه خلال العام المالي 2016-2017.

وحسب تصريحات وزير المالية المصري فإن حكومته تستهدف خفض عجز الموازنة خلال العام المالي الجاري 2018/2019 إلى 8.4% من الناتج المحلي، وأقل من 7% فى العام المالي التالي 2019/2020، كما تستهدف خفض الدين العام من  108% العام المالي الماضي إلى 98% العام المالي الجاري؛ لينخفض إلى 92% السنة المالية المقبلة.

ويرى المراقبون أن خطة الحكومة لن تتحقق إلا من خلال عدة إجراءات منها زيادة الحصيلة الضريبية بضم الاقتصاد غير الرسمي لمظلة الاقتصاد الرسمي، وتعظيم الاستفادة من الأصول غير المستغلة، بالإضافة إلى جذب استثمارات محلية وأجنبية في كافة القطاعات من خلال الترويج لخريطة مصر الاستثمارية، ويعول الخبراء تحديدا على زيادة كفاءة التحصيل الضريبي، إذ يصل الهدر بين 400 إلى 500 مليار جنيه (حوالي 28.1 مليار دولار) تهرب ضريبي، رغم أن الحصيلة الضريبية بمصر تمثل نحو 15 إلى 16% من إجمالي الناتج المحلي.

الأعمدة السبعة للقروض

ويطرح خبراء اقتصاديون ذات ثقل روشتة هامة للحكومة المصرية فيما يتعلق بموضوع الدين، وهي الروشتة التي اعتبرها عدد منهم بمثابة أعمدة الحكمة السبعة في مسألة القروض، والتي لخصوها في الآتي:

  •        عدم الاقتراض لتمويل الاستهلاك، إلا إذا كانت الحاجة لذلك هي مسألة حياة أو موت. وفي هذه الحالة يكون الاقتراض في أضيق الحدود، فالغرض الأول للاقتراض هو الاستثمار.
  •        عدم اقتراض أموال قصيرة الأجل لتمويل مشروعات طويلة الأجل ، لأن ذلك يعني تحمل عبء ثقيل لرد الدين والفوائد المستحقة عليه، قبل أن تبدأ جني ثمار هذه المشروعات.
  •        عدم الاقتراض بتكلفة تشمل أسعار فائدة ورسوم إدارية، تزيد عن معدل العائد المتوقع على المشروع الذي سيتم استثمار القرض فيه.
  •        عدم الاستثمار في الاقتراض بمعدل يتجاوز معدل نمو الناتج القومي الحقيقي، وإلا فإن النتيجة ستكون نزح المزيد من الموارد إلى الخارج على حساب التراكم الرأسمالي القومي.
  •        عدم الاقتراض من الخارج لتمويل احتياجات بالنقد المحلي، إلا استثناء وفي أضيق الحدود، حتى لا تحمل مدفوعاتك للخارج بأعباء تدبير النقد الأجنبي.
  •        أن يكون الاقتراض لتمويل مشروعات تساهم مباشرة في زيادة عرض السلع والخدمات، وزيادة الصادرات، وزيادة فرص العمل المتاحة، مع مراعاة الشروط السابقة.
  •        أن يكون الاقتراض لتمويل مشروعات يساهم في تمويلها رأس المال الأجنبي.

مشكلة مزمنة

وبالعودة لدراسة الصاوي السابقة فإن الدين العام (المحلي + الخارجي) مستمر، وبمعدلات كبيرة، ولن تجدي معه السياسات المالية الموجودة حاليًا، من حيث الاستمرار في الاستدانة عبر أذون الخزانة والسندات في الداخل، أو الاستدانة عبر سوق المال الدولية أو المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، فضلًا عن أن توظيف الديون في حد ذاته، لا يزال يعتمد على سد الفجوة في الموازنة العامة، والتي تقدر بنحو 38 مليار دولار، حسب بيانات الموازنة العامة لعام 2018/ 2019، حيث سيتم تدبير ما يعادل 28 مليار دولار من السوق المحلية، ونحو 10 مليارات من السوق الدولية.

وما لم تتجه هذه الديون إلى نشاط إنتاجي أو خدمي يمكن أن يحقق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، ويحسن من هيكل الناتج المحلي الإجمالي، وبخاصة في قطاعي الزراعة والصناعة، فإن مصر ستعيش أزمة مالية حادة خلال السنوات القادمة، بسبب ارتفاع قيمة دينها العام، وكذلك ارتفاع نسبته للناتج المحلي الإجمالي.