الانتهاكات المستمرة للأجواء اللبنانية من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، واختراقه حاجز الصوت يزيد من رعب اللبنانيين الذين ما زالوا مصدومون من الانفجار الذي هز العاصمة بيروت في أغسطس/ آب الماضي، إضافة إلى المعاناة من كارثة اقتصادية وصحية.

تحت هذه الكلمات، قالت الكاتبة بيلين فرنانديز في تقرير لها بموقع “ميدل إيست أي” في نسخته الفرنسية: في الساعات الأولى من صباح عيد الميلاد، تلقيت رسالة نصية من صديق يعيش في بيروت، أرسلها من ردهة شقته، التي هرع إليها بعد أن استيقظ فجأة من نومه على صوت الطائرات الإسرائيلية – التي تم الإعلان لاحقًا أنها طائرات / أو صواريخ في طريقها إلى ضرب أهداف في سوريا – والشعور بأن شيئًا قريبًا كان على وشك الانفجار.

وأكدت الكاتبة أن الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية ليست جديدة، فلطالما عُرفت إسرائيل بانتهاكها ليس فقط لسماء لبنان – وأراضيه بشكل عام – ولكن أيضًا آذان اللبنانيين وسلامتهم العقلية والعاطفية.

كيف ترعب إسرائيل لبنان من السماء؟

وأوضحت أن الصحفي روبرت فيسك ذكر في كتابه “ويلات وطن: صراعات الشرق الأوسط وحروب لبنان 1975-1990″ أن الضجيج الرهيب الذي أحدثته طائرتان إسرائيليتان في عام 1978، وأن كسرهما حاجز الصوت أثناء تحليقهما على ارتفاع منخفض فوق بيروت الغربية، أدى إلى تحطيم النوافذ بشارع الحمرا” .

وأشارت إلى أنه بالبحث على “جوجل” نجد أن هذه الفوضى المستمرة تقريبًا، حظيت باهتمام كبير من وسائل الإعلام، بل تحولت إلى موضوع نقاش، فهناك تقرير لوكالة “رويترز” عام 2017 حول الانفجارات الأسرع من الصوت التي “حطمت النوافذ وهزت المباني” في بلدة صيدا جنوب لبنان بينما تسبب في “ذعر” اللبنانيين.

كما يوجد كذلك مقال لصحيفة “جيروساليم بوست” حول الانفجارات الأسرع من الصوت في النبطية، وأيضًا في الجنوب، ومرجعيون، وهي بلدة ذات أغلبية مسيحية كانت في السابق مقراً لجيش لبنان الجنوبي، وهي ميليشيا تشكلت بدعم إسرائيل، عذبت وأرعبت السكان بشكل مفرط خلال عقدين من الاحتلال الإسرائيلي لجنوب البلاد، حتى مايو/ آيار 2000.

وذكرت بيلين فرنانديز، أن هناك أيضا موضوع نشر على شبكة “بي بي سي” البريطانية، حول الغارات الوهمية لقوات الاحتلال الإسرائيلي على بيروت والمناطق المحيطة بها.

وبينت أن عدم الاهتمام النسبي من قبل وسائل الإعلام في الوقت الحالي لا يرجع إلى نقص المعلومات، فلبنان لا يتردد عن الإعلان عن الانتهاكات الصارخة وغير القانونية لمجاله الجوي من قبل جارد وعدوه الجنوبي، حيث قدم شكاوى إلى الأمم المتحدة في عدة مناسبات، أخرها الشهر الماضي.

“تاريخ وحشي”

وبحسب الكاتبة في مارس/ آذار 2019، أفاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس بأن إسرائيل “تواصل انتهاك المجال الجوي اللبناني بشكل شبه يومي، في انتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 1701 والسيادة اللبنانية”، حيث صدر القرار 1701 عام 2006، في نهاية الحرب الإسرائيلية على لبنان التي خلفت في غضون 34 يومًا حوالي 1200 قتيل، معظمهم من المدنيين.

ولفتت إلى أنه بالنظر إلى سجل إسرائيل في لبنان، فإن التاريخ الوحشي الذي يتضمن غزو عام 1982 الذي قتل فيه حوالي 20 ألف شخص – وكالعادة، الغالبية العظمى من المدنيين- يصبح من السهل فهم لماذا هذه الطلعات الجوية وخرق حاجز الصوت يثير ذعر ورعب أبناء هذا البلد.

وفي تقريره أشار جوتيريس إلى أنه من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 إلى فبرير/ شباط 2019، سجلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان “اليونيفيل” نحو 96.5 انتهاكًا شهريًا، بمتوسط 262 ساعة طيران، وأن الطائرات المسيرة شكلت نحو 77٪ من الخروقات، فيما شملت الخروقات المتبقية طائرات مقاتلة أو طائرات مجهولة الهوية.

وتقول فرنانديز يمكن للمرء أن يتخيل فقط الأزمة الهائلة / أو الحرب الإقليمية التي ستنجم عن ذلك حتى لو حدث جزء بسيط من هذه الانتهاكات في الاتجاه المعاكس، ففي الواقع، استوعبت إسرائيل النظرة الأمريكية للعالم، وهي أن حدود الوطن مقدسة، لكن يمكن انتهاكها حدود جميع البلدان الأخرى كما تشاء.

“حرب نفسية”

وتؤكد أن قطاع غزة هو منطقة أخرى تستخدم فيها إسرائيل انتهاكاتها المستمرة للمجال الجوي كوسيلة للحرب النفسية وبعبارة أخرى، إخضاع السكان من خلال ترويعهم.

ففي مقال نشر عام 2013 لقناة “الجزيرة”، نقل الصحفي جوناثان كوك عن حمدي شقورة من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، انتشار الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في غزة، على الرغم من “الانسحاب” الإسرائيلي المزعوم من المنطقة في 2005 قائلا: “الأزيز هو صوت الموت. لا مفر، لا مكان خاص. إنه تذكير بأنه مهما قالت إسرائيل والمجتمع الدولي، فإن الاحتلال لم ينته. “

من جهتها، دفع الارتفاع الأخير في نشاط سلاح الجو الإسرائيلي، وكالة “أسوشييتد برس” إلى كتابة تقرير في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي بعنوان: “الطائرات الإسرائيلية اليومية منخفضة المستوى فوق لبنان تثير القلق. “

وفي إشارة إلى “رعب” سكان بيروت في يوم عيد الميلاد، نقل التقرير عن “اليونيفيل” أنه بين يونيو/ حزيران وأكتوبر / تشرين الأول 2020، ارتكبت إسرائيل ما معدله 12.63 خرقاً للأجواء اللبنانية، واليوم، تمثل الطائرات بدون طيار حوالي 95٪ من هذه الأرقام .

“الإرهابيون الحقيقيون”

ووفقا لكاتبة التقرير، كان “التوتر” اللبناني حادًا بشكل خاص في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن احتمالية حدوث حرب إقليمية في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب في الولايات المتحدة لم تتحقق. والوضع الحالي في لبنان يضاعف العذاب النفسي الناجم عن العقاب الجوي الجماعي الذي تفرضه إسرائيل.

وذكرت أنه في وقت لا تزال تعاني فيه البلاد من الانفجار الذي وقع أغسطس/ آب 2020 ودمر بيروت، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي الذي يضرب البلاد وارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، أصبح  يجب على اللبنانيين أيضًا تحمل دوي طائرات إسرائيل الأسرع من الصوت والطائرات بدون طيار.

واختتمت بيلين فرنانديز تقريرها بالقول: مع استمرار إسرائيل بلا هوادة في تصوير نفسها على أنها الضحية الأولى للإرهاب في جميع أنحاء العالم، من الجيد أن نتذكر أنها في الواقع مصممة على إرهاب الآخرين.

للإطلاع على المصدر الأصلي اضغط هنا

اقرأ أيضًا: ماذا خلف اعلان بايدن إنهاء الدعم الأمريكي للهجوم السعودي في اليمن؟