العدسة – جلال إدريس
“نؤيد عملية انتخابية موثوقة في مصر، وفي الوقت المناسب، ونعتقد أنَّ ذلك يحتاج إلى إتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة بحرية ومعالجة القيود المفروضة على حرية إنشاء الجمعيات والتجمع السلمي والتعبير”.
بتلك الكلمات الدبلوماسية عبر مسئول أمريكي عن مراقبة الولايات المتحدة الأمريكية، لعملية الانتخابات الرئاسية في مصر، والتي دخلت مؤخرًا فصلًا من فصول الإثارة بعد اعتقال المرشح المحتمل سامي عنان، وإحالته للقضاء العسكري بتهمة التزوير والتحريض على الوقيعة بين الشعب والجيش.
التصريحات السابقة صدرت عن مسئول أمريكي- نقلتها عدد من الصحف العربية– حيث نقل عن مسؤول رفيع المستوى بالخارجية الأمريكية أنَّ واشنطن تتابع “التقارير المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في مصر عن كثب”.
وبالتزامن مع تصريحات المسئول الأمريكي، أصدر السيناتور الأمريكي «جون ماكين»، رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ، بيانا بمناسبة الذكرى السابعة لثورة 25 يناير شكك فيه في إمكانية إجراء انتخابات حرة وعادلة في ظلّ المناخ القمعي وغياب أية منافسة حقيقية.
الصحف الأمريكية والأوربية هي الأخرى، بدأت تتحدث عن أنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة لم تعد ذات قيمة بعد كل التجاوزات التي شهدتها قبل بدأها، حيث سلطت العديد من الصحف الضوء على اعتقال المنافسين للسيسي وإجبار آخرين على التنازل عن فكرة الترشح.
ماكين: تشهد انتهاكات خطيرة
السيناتور الأمريكي وصف انتهاكات “نظام السيسي بالخطيرة” مطالبًا في بيانه «عبدالفتاح السيسي» وحكومته بالوفاء بالتزامهما بإصلاح سياسي حقيقي واحترام حقوق الإنسان.
وأكد أنّ «السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين في مصر هو خلق مؤسسات ديمقراطية خاضعة للمساءلة تعطي جميع المواطنين المصريين حصة في مستقبل أمتهم».
وأوضح أنَّ «الانتخابات الرئاسية لعام 2018 تتيح فرصة هامة للحكومة المصرية لإشراك المواطنين في العملية السياسية وإعادة فتح المجال العام للمناقشة والنقاش الحقيقيين لذلك ينبغي أن تتاح لجميع المرشحين فرصة متساوية، بما في ذلك الوصول إلى وسائط الإعلام والفضاء العام للحملات الانتخابية».
وأشار السيناتور الأمريكي إلى «تدهور أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية في عهد السيسي، بعد سبع سنوات من ثورة الشعب المصري اللاعنفية التي ألهمت العالم والتي دعت إلى الخبز والحرية والمساواة الاجتماعية، وشجعت من يسعون إلى الديمقراطية والحرية».
وتابع: «شهدنا على مدى السنوات القليلة الماضية عودة مصر إلى الوراء بشكل خطير، فقد أدّى القمع غير المسبوق الذي قام به السيسي على النشاط السياسي وحقوق الإنسان إلى سجن عشرات الآلاف من المعارضين، منهم حوالي 19 مواطنا أمريكيا وحوالي 3500 شاب».
ولفت «ماكين» إلى أنه «تمت مقاضاة العاملين بمنظمات المجتمع المدني المصرية بمن فيهم أفراد من (المعهد الجمهوري الدولي) الذي يترأسه، وحكم عليهم أحكام مشددة بسبب عملهم السلمي من أجل الإصلاح الديمقراطي».
وأردف: «تصف التقارير الموثوقة الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الدولية الظروف اللاإنسانية في السجون المصرية؛ حيث يتفشى التعسف والتعذيب. وفي الشهر الماضي وحده، نفذت الحكومة المصرية أكثر من 20 حكمًا بالإعدام في محاكمات صامتة تفتقر إلى المعايير الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة، وهناك مئات آخرون ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام».
وأوضح السيناتور الأمريكي أنّ «هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أدت إلى تغذية التطرف في الماضي»، محذرًا من إمكانية أن تفعل ذلك مرة أخرى.
«الغارديان»: انتخابات بلا معنى لها
صحيفة الجارديان البريطانية اعتبرت أنّ الانتخابات الرئاسية المصرية، أصبحت بلا معنى، بعدما أقدم نظام السيسي على سحق كافة الخصوم أمام السيسي، باستثناء خالد علي الذي تضيق السلطات على أنصاره في تحرير التوكيلات الخاصة به.
ووفقًا لتقرير “الجارديان” الذي ترجمه موقع “الخليج الجديد” فإن “انتصار السيسي” بات مؤكدًا؛ بعدما تمّ سحق المعارضة بنجاح، وجرى إخراج المرشحين الرئاسيين الآخرين من السباق.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ رئيس الأركان المصري السابق «سامي عنان» – الذي تم اعتباره أبرز المنافسين الرئيسيين لـ «السيسي» في سباق الرئاسة – تم اعتقاله، الثلاثاء، في القاهرة، بعد أن أعلن عزمه على الترشح.
كما أشار التقرير إلى ما أعلنه «أنور السادات» – ابن شقيق الرئيس المصري السابق – الأسبوع الماضي أنه لن يترشح للرئاسة، مستشهدًا بجو يحظر «إمكانية المنافسة الشريفة»، منتقدًا جمع التوقيعات من موظفي الحكومة قبل أن تبدأ عملية الترشح، وهي الممارسة التي قال إنها «تنتهك قواعد الانتخابات».
وأشار «السادات»، والمحامي اليساري «خالد علي»، إلى حملة من المضايقات المستهدفة ضد مؤيديهم.
وأكدت الصحيفة أنّه غير المحتمل أن يكون «علي» قادرًا على استكمال الترشح بسبب محاكمته أمام القضاء المصري حاليًا في قضية فرعية منظورة.
ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن «السيسي» حصل مؤخرا على تأييدات من أكثر من 500 من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 596 عضوًا، حتى قبل أن يعلن رسميًا اعتزامه الترشح لولاية ثانية، وهو ما يعني أن كل أجهزة الدولة تساند وتدعم السيسي في مواجهة أي منافس آخر.
اقتراح بإلغاء الانتخابات
وفي السياق ذاته اقترح مايكل ستيفنز الباحث البريطاني بمعهد “رويال يونايتد سرفيسيس” البحثي، الذي يقع مقره بالمملكة المتحدة، إلغاء الانتخابات الرئاسية المصرية في ظلّ ما يحدث من إقصاء لمرشح تلو الآخر.
وجاء ذلك في أعقاب إعلان القوات المسلحة أن ترشح عنان يخالف القوانين العسكرية لعدم الحصول على تصريح من الجيش، كونه ما زال “فريقا مستدعى”، واتهمته بالتزوير بشأن انتهاء خدمته العسكرية.
وكتب ستيفنز عبر حسابه على موقع التدوين المصغر تويتر: “لا أفهم تمامًا لماذا يصر السيسي على المضي قدمًا في تلك الانتخابات الرئاسية رغم أنّ أي شخص يحاول تحديه مصيره السجن على ما يبدو”.
واستطرد: “لماذا يكلف نفسه بإجراء انتخابات شكلية تلحق بمصداقيته الضرر أكثر من أن تجلب النفع”.
تليجراف: الاحتجاز أو المحاكمة للمرشحين
صحيفة “تليجراف” البريطانية، علقت على اعتقال عنان، بقولها إنّ مصير مرشحي الانتخابات الرئاسية في مصر أمام السيسي “إما الاحتجاز أو المحاكمة”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ رئيس أركان الجيش المصري الأسبق سامي عنان، يعد المنافس المحتمل الرابع لعبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، الذي يتم احتجازه أو محاكمته بعد إعلان نيته الترشح في الانتخابات.
وأضافت الصحيفة في التقرير الذي نشرته على موقعها الإلكتروني أنّ باقي المنافسين انسحبوا من السباق الانتخابي بعد أن واجهوا تهديدات.
ونقلت “تليجراف” عن محللين قولهم:” يبدو أن السيسي وحلفاؤه في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية عازمون على التأكد من أن الرئيس لا يواجه تحديًا حقيقًا لإعادة انتخابه ولا نقدًا عامًا كبيرًا أثناء الحملة الانتخابية”.
وذكر دكتور إتش إيه هيلير الزميل غير المقيم في المجلس الأطلنطي أن “عنان لم يكن لديه فرصة على الإطلاق للفوز بالانتخابات ولكن كان لديه فرصة عظيمة لإزعاج النظام بشكل عام”.
وأوضحت الصحيفة أنّ التحرك ضد عنان بدأ الثلاثاء ببيان عام من الجيش يتهمه بإعلان ترشحه للرئاسة دون تصريح من القوات المسلحة.
نيويورك تايمز: يقتلون المنافسة
أما صحيفة نيويورك تايمز فقد نقلت عن سمير سامي عنان نجل رئيس الأركان الأسبق تفسيره لـ “اعتقال” والده ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية.
وقال سمير عنان: “إنهم يريدون قتل المنافسة، لا يوجد أي سبيل آخر لتفسير تلك التطورات”.
ورأت الصحيفة أنّ اختيار عنان لمعاونيه كان محسوبًا بدقة، حيث تعهد بتعيين الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، الذي كان ذات يوم “قيصر مكافحة الفساد” وأقاله السيسي، في منصب نائب الرئيس لحقوق الإنسان حال فوزه بالانتخابات.
وعلقت نيويورك تايمز: “هذا الاختيار كان محسوبًا بدقة لضرب السيسي في أكثر النقاط الحساسة بالنسبة له، ألا وهو سجله الفقير في حقوق الإنسان”.
ونقلت نيويورك تايمز عن مايكل حنا المحلل السياسي بمؤسسة سنتشري The Century Foundation قوله: “لقد سمعت أن عنان استشار بعض الضباط المتقاعدين من الذين ليسوا في الخدمة، وملاحقة عنان تشير إلى أن السيسي ما زال يستمتع بهيمنة الجيش”.
واستطرد: “نعرف أن هناك انقسامات وعداءات لكن فيما يتعلق بالقرارات المباشرة، فإن السيسي ونظامه ما زال يبذل سيطرة على المستوى الأعلى”.
ترامب وأوربا يصمتون
لكن في مقابل الانتقادات السابقة، فإنَّ الموقف الأمريكي الرسمي والموقف الأوروبي لايزال صامتًا حيال تلك الانتخابات والتجاوزات حتى اللحظة، وهو ما يعني أنهم راضون تمامًا عما يفعله نظام السيسي، أو أنهم يراقبون ويسعون للتحرك والضغط على السيسي في وقت آخر.
ويعزي مراقبون صمت الرئيس الأمريكي ترامب، إلى عدة أسباب، أولها : أن “ترامب” غارق في مشاكله الداخلية، المتعلقة بالتحقيقات الجارية بشأن تورط روسيا في الانتخابات الأمريكية، والفضائح الخاصة بسلامة قواه العقلية، فضلًا عن الكتاب الذي صدر مؤخرًا بعنوان “نار وغضب” وكشف كواليس وأسرار وفضائح خاصة بالرئيس الأمريكي.
كذلك فإنّ الملفات الخارجية الساخنة تشغل بشكل كبير الإدارة الأمريكية عن المشهد المصري، الذي لم يختلف كثيرًا عما هو عليه منذ عدة أعوام.
مراقبون يرون أيضًا أن الكيمياء الخاصة بين الرئيس الأمريكي وبين عبد الفتاح السيسي، تجعله رافضًا للتعليق على مسألة ترشحه للانتخابات الرئاسية مرة أخرى، خصوصا وأن “ترامب” يرى في بقاء السيسي مصلحة كبرى تتعلق، بقضية “صفقة القرن” التي بدأها ترامب بإعلان نقل القدس عاصمة “لإسرائيل” ويسعى لتنفيذ باقي بنودها بالتعاون مع أطراف دولية وعربية وفي مقدمتهم مصر “وعبد الفتاح السيسي”.
اضف تعليقا