يتزايد الحديث داخليًا وخارجيًا حول قرار الحكومة التركية بالبقاء في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية، وذلك لتأمين مطار كابل، باتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك. حيث أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده ستتولى تأمين المطار الدولي بالعاصمة الأفغانية كابل بعد الانسحاب الأميركي. ويعد مطار كابل هو طريق الخروج والدخول الرئيسي للدبلوماسيين الغربيين وعمال الإغاثة من وإلى أفغانستان، وهناك مخاوف من وقوعه في أيدي طالبان إثر انسحاب القوات الأجنبية.
وقال أردوغان “حددنا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) ترتيبات المهمة المستقبلية، وما نقبله وما لا نقبله”، مضيفًا: “طرحنا هذا الموضوع خلال اجتماعات الناتو وخلال لقائي مع (الرئيس الأميركي جو) بايدن وأثناء المناقشات بين وفودنا… سننفذ هذا الإجراء في أفغانستان بأفضل طريقة ممكنة”.
ومن جانبها، رحبت واشنطن بـ”التزام أنقرة الواضح” بالقيام “بدور رئيسي” في تأمين مطار كابل بعد اجتماع بين بايدن وأردوغان، على هامش قمة الناتو في يونيو/حزيران الماضي في بروكسل. كما رحب متحدث وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس “بدور تركيا البناء فيما يتعلق بانسحاب القوات والوضع الأمني في أفغانستان”، وأعرب كذلك عن ترحيبه بـ”دعم أنقرة للعملية الدبلوماسية في أفغانستان”.
تهديدات من طالبان للقوات الأجنبية
لكن هناك مخاوف متصاعدة على أمان القوات التركية التي ستظل لتحمي المطار، خصوصًا في ظل رفض حركة طالبان القرار التركي، بل وتهديدها كذلك للقوات الأجنبية الموجودة على الأراضي الأفغانية، بما فيها القوات التركية. حيث صرح المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان محمد نعيم، أنه سيتم تصنيف أي وجود عسكري في البلاد لغير أهداف دبلوماسية “كاحتلال عسكري”، مضيفًا: “لن نسمح باستمرار الوجود الأمني والعسكري لأي دولة داخل أفغانستان”.
وأجاب نعيم أيضًا عن سؤال حول رأي حركته في الأخبار المتداولة بشأن إسناد بعض القواعد والمطارات إلى القوات التركية والمباحثات القائمة بين أنقرة وواشنطن بهذا الصدد، قائلًا: “نص الاتفاق المبرم يتضمن انسحاب جميع القوى الأجنبية من البلاد باستثناء تلك الموجودة لدوافع دبلوماسية. وسنواصل تصنيف من يرغبون بمواصلة وجودهم الأمني أو العسكري داخل البلاد كقوى احتلال ولن يتم السماح أبداً بمكوثهم داخل البلاد كقوى عسكرية”.
ومما زاد من جدية الأمر هو أن الحركة أصدرت أكثر من بيان بهذا الشأن، كان آخرها بيان أصدرته أمس الثلاثاء، قالت فيه إن “قرار القادة الأتراك ليس حكيمًا، لأنه انتهاك لسيادتنا ولوحدة وسلامة أراضينا، وهو مخالف لمصالحنا الوطنية”.
مهام استشارية وصيانة وإعمار
لكن في المقابل، ترى تركيا أن وجودها العسكري في أفغانستان يهدف إلى تحقيق استقرارها وأمن شعبها. فقد قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: “نقول لإخوتنا الأفغان الذين توجد روابط تاريخية وثقافية تربطنا معهم: لقد فعلنا كل شيء من أجل تحقيق المصالحة والاستقرار والأمن للشعب الأفغاني، وسنواصل العمل في المسار ذاته”.
وأضاف أكار: “إن تركيا موجودة في أفغانستان منذ 20 عامًا دون تولي مهام قتالية ويقتصر عملها على مهام استشارية وصيانة وإعمار، مضيفًا: “نقوم بتشغيل مطار كابل منذ 6 سنوات، وما يلي هذه المرحلة يتمثل بهدفنا في تقديم الإسهامات من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والرفاه لإخوتنا الأفغان. وتشغيل المطار وبقائه مفتوحًا”. وأضاف أن تشغيل مطار كابل رغبة دولية؛ “لأن الدول لن تبقي ممثلياتها الدبلوماسية بأفغانستان ما لم يكن المطار يعمل”.
يافطة أخرى غير الناتو
ويبدو أن بعض المسؤولين الأتراك يقدرون أن طالبان لن تهاجم القوات التركية التي ستظل في أفغانستان، حيث قال القيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم، رسول طوسون، إن “القوات التركية طيلة وجودها في أفغانستان، لم تشارك بأية عمليات قتالية أو عدائية ضد الشعب الأفغاني، ولم تتعرض لأي استهداف من قبل طالبان”.
وشدد على أن “تركيا امتلكت سمعة حسنة وقوة ناعمة في أفغانستان خلال العقدين الماضيين، وساعد ذلك على حماية جنودها. وربما كانت الدولة ذات الصورة الأكثر إيجابية في أفغانستان، وهو ما سمح لبعض شركات البناء والمقاولات التركية بالعمل بِحرية هناك”.
وفي اعتراف على أن “يافطة الناتو” التي تندرج تحتها تركيا تسبب مشكلة لدى حركة طالبان، قال طوسون: “إذا عملت القوات التركية في أفغانستان تحت يافطة أخرى غير تلك التابعة للناتو، فربما تقبل طالبان”، مرجحًا أن “تتمكن تركيا من التوصل إلى معادلة تبقي قوات لها في مطار كابل، ولا سيما إذا ما استطاعت تشكيل شبكة حماية سياسية وميدانية لها من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة والناتو من جهة، وضمان موافقة ضمنية من طالبان، من جهة أخرى”.
ومن جانبه، يرى وزير الخارجية التركية الأسبق حكمت تشيتين، والممثل السابق لحلف الناتو في أفغانستان، أن بقاء القوات التركية في أفغانستان مرهون بموافقة طالبان، وإن ما دون ذلك، سيخلق مشاكل كثيرة. وأشار إلى ذات النقطة وهي “مظلة الناتو”، حيث قال إنه يمكن الذهاب إلى أفغانستان باتفاق ثنائي، وبعيدًا عن الهوية الدولية، بعد انسحاب جميع القوات الأجنبية.
محادثات ما زالت جارية
والقرار التركي باستمرار التواجد في أفغانستان له متطلبات. ولذلك فإن هناك تواصل شبه دائم بين تركيا والولايات المتحدة بهذا الشأن، وخصوصًا بين وزيري دفاع البلدين. فقد أشار “أكار” مؤخرًا إلى وجود نقاط تم الاتفاق عليها مع نظيره الأمريكي لويد أوستن، وكذلك تطورات إيجابية لمبادرات اتخذتها تركيا ضمن حلف “الناتو”. ولفت إلى أنّ المحادثات مع الأمريكيين إيجابية، قائلًا: “يوجد دول أخرى تريد مساعدة أفغانستان، ونحن نتواصل معها. إنها عملية ذات أبعاد متعددة يتم التنسيق فيها مع إخوتنا الأفغان ومع الناتو ومع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي”.
إذن، فإن الأمر ما زال في طور المحادثات حتى الآن، وهذا يدل على وعي القيادة التركية بوجود مخاطر، لكن يبقى السؤال حول مدى الخطر الذي تتصوره تركيا من بقائها في أفغانستان، وهل هذا المدى واقعي أم لا؟
اضف تعليقا