العدسة: محمد العربي

فرض عقوبات .. تهديدات بتحركات عسكرية .. الحرب القادمة بالبحر الأحمر .. ناتو عربي إسرائيلي في مواجهة إيران .. صفقات أسلحة بالمليارات لصالح السعودية والإمارات .. عناوين فرضت نفسها خلال الأشهر الماضية على الأخبار الصادرة من منطقة الشرق الأوسط وتحديدا منطقة الخليج العربي التي باتت على موعد دائم من التوتر السياسي الذي ترتفع وتيرته ثم تنخفض ثم ترتفع وهكذا.

خبراء ومحللون سياسيون يرون أن توتر الأجواء بالمنطقة العربية وتحديدا في الخليج العربي يعود في الأساس لرغبة الإدارة الأمريكية بأن تظل المنطقة ملتهبة، لما يعود عليها بالنفع سواء في بيع الأسلحة أو في استمرار تقليب المنطقة بما يخدم المشروع الصهيوني والأمريكي.

ورقة الرعب

وتشير التحركات الأمريكية بالمنطقة أنها تلعب بورقة الرعب الخليجي من إيران، للحصول علي أكبر المكاسب من السعودية والإمارات مقابل الدفاع عنهما في مواجهة العدو المحتمل، وبالتالي جاءت قرارات الرئيس الأمريكي ترامب الأخيرة المتعلقة بإيران والتي بدأت بالانسحاب من الاتفاق النووي، ثم فرض عقوبات على ايران، ثم العودة للترحيب بالمفاوضات مع طهران مرة أخري للتوصل إلي اتفاق متعلق بمشروعها النووي، وبين الفترة التي تفصل كل خطوة عن الأخري تكون أمريكا مارست هويتها في ابتزاز ثلاثي الخليج ” الرياض وأبو ظبي والمنامة” لإبرام العديد من صفقات الأسلحة التي تديرها شركات مدنية تتبع مسئولين بارزين في الإدارة الأمريكية.

وطبقا للعديد من المحللين فإن الولايات المتحدة لن تقوم بأية حروب في المنطقة، مستدلين بما سبق وأن أعلنه رئيس أركان القوات الأمريكية ردا علي تهديد إيران بغلق مضيق هرمز، بأنه على دول الخليج أن تتولي الدفاع عن مصالحها بنفسها، إلا أن تصريحات المسئول الأمريكي كانت ناقصة حيث لم يشر الرجل صراحة بأن هذه الخدمة ستكون من صناعة المصانع الأمريكية.

واستدل أصحاب هذا الرأي بسياسة الرئيس الأمريكي التجارية والتي أعلنها الرجل منذ اليوم الأول وهو استخدام إمكانيات بلاده لصالح بلاده، ومن هنا كان تلكؤ ترامب في الاستجابة للطلب السعودي الإماراتي بالمساعدة العسكرية لتحرير ميناء “الحديدة” اليمني من قبضة جماعة “أنصار الله” اليمنية، وطبقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فإن مسؤولين أمريكيين أكدوا أن نظرائهم السعوديين قالوا للولايات المتحدة أنهم لن يتمكنوا من الاستيلاء على الميناء إلا بدعم من واشنطن، إلا أن مسئولين أمريكين بارزين نقلوا للرئيس ترامب بأن هذه الخطوة سيكون لها آثار كارثية على اليمن، خاصة مع إعلان واشنطن المستمر برغبتها في إنهاء ازمة اليمن بشكل سياسي.

خاف لتشتري أسلحتنا

الولايات المتحدة التي قلصت من تواجدها العسكري في الكثير من البؤر الساخنة ابرزها العراق وسوريا، رفعت شعار ” لابد أن تخاف لكي تشتري منا الاسلحة”، وهو ما يعني ان الهدف الأساسي من الحروب السياسية والإعلامية وكذلك العسكرية التي شهدتها المنطقة ضد إيران وتركيا ومن قبلهم تنظيم داعش، إنما يعني بان تظل الدول الخليجية في حالة خوف وقلق، وهو ما ينتج عنه ان تلجأ لشراء المزيد من الأسلحة لتعوض بها فارق الإمكانيات البشرية والعسكرية التي لا تصب في صالحها، وهو ما كان بارزا في سياسة أمريكا تجاه الأحداث الساخة بكل من سوريا واليمن، وكلاهما ساحات مواجهة هي في الأساس بين إيران من جانب وبين السعودية والإمارات من جانب آخر بعد فشل إنشاء محور سني يضم تركيا ومصر بجانب دول الخليج نتيجة الخلافات التي شهدتها العلاقات بين القاهرة والرياض وأبو ظبي ضد أنقرة والدوحة.

هذه الحالة عبر عنها بشكل واضح رئيس وزراء قطر السابق، حمد بن جاسم آل ثاني، الذي صرح، في مقابلة صحفية مع “تلفزيون قطر”، الأربعاء 26 أكتوبر 2017، بأن الأزمة جعلت من دول الخليج “مادة للتندّر”، عرضتها للابتزاز من قبل الولايات المتحدة، خاصة في ظل تسابق أطراف الأزمة إلى واشنطن لإثبات تهم الإرهاب على بعضهم البعض”.

واشار ابن جاسم في تصرحاته التي تناقلتها العديد من وسائل الإعلام ” أن الأمريكان يقومون باستغلالنا والاستخفاف بنا ويجمعون كل المعلومات التي نرسلها، ويوماً من الأيام ستكون هذه المعلومات ضدّنا كلنا كدول، لذلك نحن نلعب لعبة غير محسوبة على أساس من هو الآن متقدّم في واشنطن على الطرف الثاني”، موضحاً أن “قطر ستكون في ذيل القائمة في حال جرى ذلك”، مؤكدا أن دول الحصار أدخلت الخليج “في مرحلة متدنّية جداً من التفكير في هذا الموضوع، وكلمتي الأخيرة أن هذا الموضوع لا يحل هكذا”.

الأرز السعودي الإماراتي

وطبقا لتوصيف رئيس الإنقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي بأن أنظمة الخليج لديها أموال مثل الأرز، فإن هذا الأرز ذهب بالفعل لصالح إدارة ترامب، حيث وقعت السعودية اتفاقيات مع إدارة ترامب خلال زيارته للمملكة على هامش القمة الإسلامية – الأمريكية في مايو 2017 بقيمة 400 مليار دولار، بينما قدمت أبو ظبي 20 مليون دولار خلال عامي 2017 /2018 لمؤسسات علاقات عامة لتبني وجهة النظر الإماراتية ضد جارتها قطر.

ويشير العديد من المحللين أن قانون “جاستا” الذي وافق عليه الكونجرس قبل عامين، ولوحت الإدارة الأمريكية باستخدامه ضد مسئولين بالسعودية لدعمهم هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كان يهدف في الأساس لابتزاز السعودية مالياً إذا ما وضعنا في الاعتبار أن الاستثمارات السعودية بالولايات المتحدة تزيد عن 800 مليار دولار.

وطبقا لتقرير أعده مركز الجمل للدراسات السياسية والاستراتيجية فإن قيام واشنطن بنشر قدراتها العسكرية الصاروخية المتطورة في منطقة الخليج العربي, تحت مسمي حماية أمن الخليج, ما هو إلا ذريعة سطحية تخفي في باطنها العديد من الحقائق البالغة التعقيد والخطورة، وطبقا للمعلومات التي تسربت من الشركات الأمريكية المعنية بالأسلحة فقد عقدت دول الخليج عدة صفقات كبري خلال العامين الماضيين، كان نصيب السعودية وحدها صفقات بقيمة 45 مليار دولار، بالإضافة لصفقات أخري بقيمة 20 مليار دولار اشتركت فيها الامارات وقطر والبحرين والكويت، وتشمل هذه الصفقات تزويد السعودية وأبو ظبي بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة، ومنظومات الدفاع الصاروخي الاعتراضي المتطورة، وتزويد أبو ظبي بمنظومة دفاع جوي متطورة من طراز (THAAD)، وتزويدها بمنظومة دفاع صاروخي أخري متطورة مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية.

وتشير المعلومات التي حصل عليها المركز المتخصص في الدراسات الاستراتيجية بأن إمارة أبو ظبي, أصبحت بموجب هذه الصفقات تمثل الزبون العالمي الأول لأمريكا في مبيعات منظومات الدفاع الجوي والصاروخي الاعتراضي المتطورة.

وتضم قائمة الأسلحة أيضا صفقة سعودية-اماراتية مشتركة تضمنت شراء عتاد عسكري تقليدي متطور للطائرات الحربية شمل قنابل (JDAM) الذكية الموجهة بواسطة نظام (GDS)، وصفقة دبابات أخري متطورة, بالإضافة للعربات المدرعة الحديثة, التي يتم استخدامها بواسطة قواة المشاة, وتحديدا بواسطة قوات الحرس الوطني السعودي، بينما اشترت الكويت 10 زوارق حربية فائقة السرعة من طراز كروز، بالإضافة لصفقات أخري اشترتها السعودية من بريطانيا تضمنت طائرات حربية من طراز تايكون, بقيمة 10 مليار دولار.

تحركات صهيونية

وتشير تحليلات أخري بأن تولي الجنرال ديفيد بترايوس وثيق الصلة بدوائر اللوبي الإسرائيلي قائدا للقيادة المركزية الوسطى للقوات الأمريكية ومقرها الخليج كان سببا مباشرا في زيادة مبيعات الأسلحة لصالح شركات العتاد الحربي الأمريكية التي يسيطر عليها المحافظين الجدد، حيث دعم “بيترايوس” خطة شركات الأسلحة الأمريكية بتوسعة أسواقها في منطقة الخليج وهو ما أدى لموافقة الكونجرس على صفقتين للسعودية بقيمة 40 مليار دولار، وهي الصفقات التي لم تشهد اعتراضا من اللوبي الصهيوني على خلاف العادة.