مطلع الشهر الجاري، أعلنت إثيوبيا وضع الحجر الأساس لبناء مركز تدريب عسكري بحري في مدينة بيشوفتو. 

وتسبب الإعلان في موجات سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن إثيوبيا دولة حبيسة لا تملك حدودًا بحرية بالأساس، فكيف تنشئ قوة بحرية دون بحر؟

لكن ما وضح لاحقًا هو أن هذا الخبر لم يكن من قبيل المزاح أو الدعابة، ولكنه جاد تمامًا، حيث أكد رئيس أركان الجيش الإثيوبي، الجنرال بيرهانو جولا، تأسيس كيان عسكري حقيقي، واستحداث شارات ورُتب جديدة لضبّاط القوة البحرية.

يأتي إنشاء هذه الوحدة الجديدة تزامنًا مع اضطرابات تعيشها إثيوبيا، على المستوى الداخلي، وفي المحيط الإقليمي، فضلًا عن الأزمة الكبرى مع مصر والسودان بسبب سد النهضة.

ومع تصاعد الأزمة المصرية السودانية الإثيوبية ووصولها لطريق شبه مسدود، يصبح السؤال ملحًا حول دور وهوية وأهمية القوات البحرية التي أعلنت السودان إنشاءها.

تاريخ البحرية الإثيوبية..

كان أول وجود حقيقي إثيوبي على سواحل البحر الأحمر عام 1950، حين اعترفت الأمم المتحدة بالسيطرة الإثيوبية على إريتريا.

وبعدها بـ 5 سنوات، تأسست البحرية الإثيوبية، التي كان مركزها في قاعدة “هيلا سيلاسي” البحرية في ميناء مصوع الإريتري.

ومع مرور الوقت، وتحديدًا في مطلع الستينيات، امتلأ الميناء بالمصانع والورش ومراكز التدريب البحرية، وهو ما منح البلاد قدرات بحرية شبه كاملة للمرة الأولى في تاريخها.

استعان هيلا سيلاسي، أولاً، بضباط البحرية الملكية النرويجية للمساعدة في تنظيم القوات البحرية الإثيوبية، وتولِّي مهام التدريب، إلى جانب الضباط البريطانيين المتقاعدين. طرح الإمبراطور مشروعاً طموحاً بالتوازي مع التدريب.

حيث قام بإرسال بعض ضباط البحرية الإثيوبية لتلقّي التعليم البحري في الأكاديمية البحرية الإيطالية في ليفورنو، والأكاديمية البحرية الأميركية في أنابوليس في ولاية ميريلاند الأميركية. وقد كان حينها قوام سلاح البحرية الإثيوبي قد بلغ قرابة 11500 فرد.

تطوّرت البحرية الإثيوبية ببطء، معتمدة على دعم أصدقائها، لكن مع إطاحة الجيش بالامبراطور سيلاسي، والدخول في حرب أوغادين مع الصومال، بدأ تهميش دور القوات البحرية. 

وفي فبراير/ شباط 1990، تمكنت البهة الشعبية لتحرير إريتريا من السيطرة على ميناء مصوع، وخلصته من السيطرة الإثيوبية عليه، وهو ما أدى إلى عزل الجيش الإثيوبي واستقلال إريتريا عن إثيوبيا بحكم الأمر الواقع عان 1991، وهو ما يعني أن إثيوبيا عادت مجددًا دولة حبيسة بلا سواحل.

لقد حاول الإثيوبيون الحفاظ على سلاح البحرية قيد العمل، وذلك من خلال نقل معظم قطعها البحرية إلى موانئ اليمن، لكن صنعاء سرعان ما طردتها عام 1993، وهنا اضطرت إثيوبيا إلى التخلص من بعض سفنها، ونقلت البعض الآخر إلى جيبوتي.

وبحلول العام 1996، كانت جيبوتي ضاقت ذرعاً من استضافة السفن الإثيوبية في موانئها، بسبب عدم سداد أديس أبابا لمستحقّات الموانئ، الأمر الذي دفع جيبوتي إلى الاستيلاء على السفن الإثيوبية وطرحها للبيع في مزاد علني، لتُعلن أديس أبابا حلّ سلاح قيادة البحرية الخاصة بها.

الإمارات هي المنفذ البحري لإثيوبيا..

تعزّزت شراكة الإمارات وإثيوبيا بعد الموقف المائل نحو أديس أبابا (لا القاهرة) الذي اتخذته أبوظبي في أزمة سدّ النهضة. ولم يتوقّف دور الإمارات في إثيوبيا عند تمويل السدّ، بل امتدّ عبر شركة «موانئ دبي العالمية»، لتصبح الأخيرة بوابة إثيوبيا إلى البحر.

دفع طموح الدولة النفطية، صاحبة المحفظة الاستثمارية الضخمة، إلى الاستحواذ على الموانئ، إلى ضخّ استثمارات ضخمة في عدّة دول، حتى باتت «موانئ دبي» تنشط في 78 محطّة في 40 دولة عبر ستّ قارات، من بينها ميناء بربرة.

في يونيو 2016، وقَّعت شركة “موانئ دبي العالمية” اتفاقية لتشغيل وتطوير ميناء بربرة في أرض الصومال لمدّة 30 عاماً. 

ثمّ في مارس 2018، ضمنت إثيوبيا وجودها في الميناء من خلال صفقة خاصة مع “موانئ دبي”، مُنِحت بموجبها الأولى حصة بلغت 19% في الميناء، لتبدأ أديس أبابا استثمار 80 مليون دولار في طريق بطول 500 ميل يربط بين الميناء ومدينة توجوشال الحدودية.

وفي مايو 2018، حصلت إثيوبيا على حصة من الأراضي في جزيرة لامو الكينية بوصفها جزءاً من مشروع “لامو بورت” (ميناء لامو)، جنوب السودان – إثيوبيا للنقل، المعروف اختصاراً باسم «لابسيت»؛ وهو مشروع نقل وبنية تحتية بتكلفة 24 مليار دولار وُقِّعَ في عام 2012، ولكن تأجَّل بسبب التأخير في التمويل ومشكلات الأمن في كلا البلدين.

لكن بعد ذلك، أتى السلام مع إريتريا ليعود حلم أديس أبابا بوصولها الكامل إلى البحر، وامتلاك قوات بحرية. 

وفي مارس 2019، وخلال زيارة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أديس أبابا، وقَّعت فرنسا وإثيوبيا اتفاقية تعاون دفاعي تعهَّدت خلالها باريس بتطوير سلاح البحرية الإثيوبي المُنتظَر، وتدريب البحارين الإثيوبيين في فرنسا.

ثمّ في ديسمبر 2019، كشفت صحيفة “كابيتال” الإثيوبية عن اتفاق مبدئي لإنشاء قاعدة بحرية إثيوبية في دولة جيبوتي المجاورة.

قد تبدو مساحة الاختيارات أمام إثيوبيا كبيرة، خصوصاً في ظلّ وجود قوى إقليمية ودولية تتقاطع مصالحها معها، مثل الإمارات والسعودية والصين، إلا أن الوضع أكثر تعقيداً ممّا يظهر.

فحتى لحظة إعلان أديس أبابا عن المقرّ المحدّد للقوات البحرية الجديدة، تظلّ التكهنات هي المسيطرة على المشهد، رغم وجود وجهتين متاحتين أمام إثيوبيا لاستضافة قواتها.

ويبقى ميناء بربرة هو الأرجح، نظراً إلى قربه من الحدود، ووجود طريق قائم بالفعل يربط أديس أبابا بالميناء، إضافة إلى امتلاكها جزءاً من حصصه، إلى جانب حليفها الإماراتي.

لكن خيار إنشاء إثيوبيا قاعدة بحرية في جارتها جيبوتي يبقى وارداً، على رغم الصعوبات التقنية والتمويلية؛ فإضافة إلى التكلفة الباهظة التي ستتحمّلها إثيوبيا، هنالك صعوبات يفرضها وجود قواعد عسكرية لبعض حلفاء مصر، مثل فرنسا وإيطاليا، وأميركا بقدر أقلّ.