من المعروف أن (إسرائيل) وإيران ارتبطا بعلاقات مميزة إبان حكم الشاة، قبل أن يتم قطع العلاقات بين البلدين عقب قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وإعلان طهران العداء للغرب.

 لكن تقريرا نشرته مجلة “ذي ناشيونال إنترست” مؤخرا كشف أن “تل أبيب” و”طهران” غلبتا لغة المصالح المتبادلة، وطبقتا مبدأ عدو عدو صديقي لمواجهة عدو مشترك، رغم مواصلة آية الله الخميني خطبه المناهضة لإسرائيل طوال تلك الفترة.

ووفق المجلة الأمريكية، كان هذا العدو المشترك هو العراق، وتحديدا “المفاعل النووي” الذي نجح الرئيس الراحل “صدام حسين” في التفاوض عليه مع فرنسا عام 1975، وتضمن المشروع بناء مفاعلين باسم تموز 1 و2 في منشأة التويثة للأبحاث النووية جنوب بغداد.

وقالت المجلة إنه قبل تسعة أشهر من تنفيذ (إسرائيل) لعملية “أوبرا” العسكرية الشهيرة التي دمرت مفاعل أوزيراك النووي العراقي، وتحديداً في فجر 30 سبتمبر/أيلول لعام 1980، شنت طائرات من طراز إف-4 إي فانتوم -أمريكية الصنع- التابعة لسلاح الجوي الإيراني غارة دمرت المفاعل العراقي.

وذكرت المجلة أن الغارة الإيرانية الغامضة، وثقت التحالف بين تل أبيب وطهران، وعزت المجلة السبب وراء هذا التحالف بشكل كبير إلى المخاوف المشتركة للبلدين من الحشد العسكري في العراق خلال عهد “صدام حسين”.

وذكرت المجلة أن تخطيط سلاح الجوي الإيراني لشن هجوم على مفاعل أوزيراك جاء بطلب من رئيس الاستخبارات العسكرية للجيش الإسرائيلي آنذاك، عقب قيام “صدام” بشن غزو واسع النطاق لجنوب غرب إيران في 22 سبتمبر/أيلول لعام 1980.

وأضافت المجلة أن (إسرائيل) كانت في هذا الوقت واحدة من الدول القليلة المستعدة لتزويد إيران بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية اللازمَة لمحاربة العراقيين، لذا كان يُنظر إلى الغارة على أنها منفعة متبادلة.

وأوضحت المجلة أن طائرات فانتوم، التابعة لسلاح الجو الإيراني، استغلت غفوة أخذها أفراد قوات الدفاع العراقي، وأسقطت قنابلها على محطة طاقة عراقية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في بغداد لمدة يومين.

 وفي غضون ذلك، نزل العنصر الأساسي للغارة إلى منشأة التويثة النووية العراقية، وأطلق جميع القنابل الاثني عشر في غضون ثوانٍ قبل أن يعود لقاعدته، ولم توجد أي تقارير عن أي إطلاق نار دفاعي من جهة العراق.

ووفق المجلة الأمريكية، فقد أفاد شهود عيان أنهم رأوا قنبلتين إيرانيتين ترتدان عن قبة المفاعل.

أدى الهجوم إلى اندلاع حريق هائل وتلف الأنابيب ومضخّات التبريد ومرافق المختبرات.

وانسحب المئات من الفنيين الفرنسيين والإيطاليين من المبنى بعد الغارة، رغم أن بعضهم عاد في النهاية.

وفي 30 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، عادت طائرة استطلاع فانتوم إيرانية من طراز RF-4 إلى المبنى بسرعة تتجاوز سرعة الصوت، والتقطت صوراً لتقييم آثار الغارة.

بُعث بالصور الاستخبارية بعد ذلك في صندوق معدني إلى (إسرائيل) عبر طائرة بوينغ 707 تُستخدم لتسليم أسلحة إسرائيلية إلى طهران، وفقا للمجلة.

وأوضحت “ذي ناشيونال إنترست” أن هذه الصور الاستخباراتية، المعززة ببعثات التصوير الاستطلاعي التي تضطلع بها طائرات فانتوم الإسرائيلية، ساعدت الجيش الإسرائيلي على تصميم نسخة طبق الأصل كاملة للمبنى بغرض التخطيط والتمرن على غارته التي نفذها أخيراً في 7 يونيو/حزيران 1981.

وتابعت المجلة الأمريكية أنه بعد ذلك بأشهر، انطلقت ثماني طائرات إسرائيلية من طراز فالكون F -16 (الصقر المقاتل)، يرافقها ست طائرات من طراز F-15 إيغل، عبر الأجواء السعودية، مستغلة فجوة في تغطية الرادار العراقي. وفي أقل من دقيقة، دمرت مقاتلات إيغل مفاعل أوزيراك بقنابل مارك 84 الضخمة التي تزن 2000 رطل، مما أسفر عن مقتل تسعة عراقيين ومهندس فرنسي.

وأشار التقرير إلى أن الهزيمة التي تعرض لها “صدام حسين” في عام 1991، إلى جانب انهيار الاتحاد السوفيتي، تسببت في إنهاء التحالف السري بين (إسرائيل) وإيران.

وأضافت أن طهران اعتمدت اعتماداً متزايداً على دعمها للجماعات المعادية لـ (إسرائيل) لكسب النفوذ والتحالفات في العالم العربي، في حين أدركت (إسرائيل) حينئذ أن إيران هي على الأرجح الدولة الأكثر عدوانية في المنطقة للسماح لها بامتلاك أسلحة نووية.

وأشارت المجلة ان ثمة مفارقة هنا، فبعد أن تولت إيران الريادة مع (إسرائيل) في الهجمة الاستباقية التي استهدفت محطات الأبحاث النووية لدولة أخرى، أصبح برنامج إيران النووي الشامل اليوم مهدداً بهجمات جوية وقائية من (إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية.

ومع ذلك، أشارت المجلة إلى أن إيران تعلمت الدرس من ضربات أوزيراك، وفرقت برنامج أبحاثها النووية بين العديد من المباني الواقعة تحت الأرض، بدلاً من تركيزه في مبنى واحد فوق الأرض يجعله عرضة للهجوم.