العدسة – ياسين وجدي:
ارفع شعارات العدالة الاجتماعية ..
لا تبال بالاتهامات..
لا تخشى التهديدات..
لا تعلن قيادة محددة..
4 دروس بارزة بحسب المراقبين من حراك “السترات الصفراء” الذي وإن كان اتخذ من باريس مقرا إلا أن تمدداته وصلت أرجاء المعمورة شرقا وغربا خاصة في بلدان تترقب بحسب المراقبين ربيعا جديدا سواء في القارة البيضاء أو دول الربيع العربي المحاصر ، وهو ما تتوقف عنده “العدسة”.
العدالة أولا
المطلب الاقتصادي الذي يبحث عن العدالة الاجتماعية قد يكون الملمح الأول الملهم لربيع الغضب المرتقب ، بحسب مراقبين.
ويرى المتابعون للحراك الفرنسي أن انتصار السترات الصفراء ، في جولة “زيادة الضرائب على الوقود” ، وتراجع فرنسا الرسمية خطوات للوراء ، جاء بمثابة جرس إنذار ، لأزمات مماثلة في المنطقة العربية ودول الاتحاد الأوروبي قد تحفز لغضب قادم .
وبحسب “ألكسيس بريزيه”، مدير تحرير جريدة “لوفيجارو” الفرنسية فإن ما حدث هو المواجهة التى برزت بين فرنسا المدن الكبرى وفرنسا الأطراف” وهو ما جعل جريدة “لومانيتيه” اليسارية تختار مانشيت: “العدالة الاجتماعية هى الإجابة الوحيدة الممكنة” فيما طالب “بريزيه” بـ”ضرورة الإسراع بإرساء مصالحة وطنية”.
السترات الصفراء ، فتحت الباب أمام سيناريو الربيع العربي المرتقب ، وكانت العدالة الاجتماعية البداية في فرنسا لمطالب أخرى ظهرت كمقدمة للأسبوع الاحتجاجي المقبل ، وأظهرت استطلاعات الرأى أن أكثر من 70% من الشعب الفرنسى يؤيدونها وهو ما رصدته صحيفة “لوجورنال دو ديمانش” الفرنسية موضحة أن المتحدثين باسم “السترات الصفراء الأحرار”، باتت أبرز مطالبهم: “النظر فى سياسة الضرائب، وتنظيم استفتاءات منتظمة حول التوجهات الاجتماعية والمجتمعية للبلاد، واعتماد النسبية فى التصويت خلال الانتخابات البرلمانية حتى يتم تمثيل السكان بطريقة أفضل فى البرلمان”.
الصحيفة الفرنسية رأت أن هذا الأمر يعني أن الحراك لن يقتصر على زيادة سعر المحروقات، بل طال تخلّى الدولة عن منظومة الحماية التى كانت تحقق قدرًا من العدالة الاجتماعية، فمواطنو الطبقة الوسطى والفقيرة يشعرون أن دولتهم تخلت عنهم، وبالتالي أعلن القادمون من الأطراف التمرد على المركز الذى خان قيم الثورة الفرنسية أمام متطلبات النيوليبرالية.
لا تبال بالاتهامات
الدرس الثاني في الحراك الفرنسي للعرب ، لخصه مراقبون تحت لافتة “لا تبالي بالاتهامات”، حتي تركز في أهداف الحراك.
أبرز الاتهامات جاءت من الخائفين من تكرار الربيع العربي ، خاصة في مصر ، التي استغلت وسائل إعلامها الحدث ، للحديث عن حضور الإخوان المسلمين في تنظيم الفاعليات “!!” ، وفي بعض الروايات الأخرى اليمين الفرنسي المتطرف ، وأحيانا الحديث عن مضمون المظاهرات الإيجابي وطريقة التظاهر الخاطئة.
كذلك لم يتوقف الحراك الفرنسي بعد تصدير الرئيس إيمانويل ماكرون لفزاعة “العنف”، بتأكيده أنه لن يرضى “أبدا بالعنف” مضيفا أن “مرتكبي أعمال العنف هذه لا يريدون التغيير، لا يريدون أي تحسن، إنهم يريدون الفوضى”، وهي نفس الاتهامات التي وجهت للعديد من المظاهرات في الوطن العربي إبان 2011 ومؤخرا.
البعض كذلك حاول أن يربط السترات الصفراء بإشكالية المهاجرين خاصة المغاربة وزعم الصحفي السعودي الموالي للسلطة محمد يحيى القحطاني على حسابه في “تويتر” أن “المجنّسين من تونس والمغرب والجزائر، هم الصداع النصفي المزمن في فرنسا” ، ولكن المحلل السياسي والإعلامي المغربي المقيم في فرنسا مصطفى الطوسة، يرى أن هذه القراءة خاطئة ، وأن القراءة التي تُسيطر حالياً على النقاش السياسي في فرنسا هي أن ظاهرة السترات الصفراء بمُكونها السلمي المعتدل وبمكونها المتطرف الراديكالي العميق جاءت من أعماق المجتمع الفرنسي وتعبره عنه بعيدا عن أي اتهامات ، وذلك للتنديد بانخفاض القدرة الشرائية للفرنسيين؛ وتفقير الطبقة الوسطى والكادحة بسبب السياسة الضريبية للرئيس إيمانويل ماكرون ، وما هو مطروح حاليا : هل هذه المجموعات المخربة التي تقوم بأعمال عنف لإتلاف الأملاك العامة والخاصة فقط منتوج الضواحي الفرنسية البئيسة؛ أم هي جزء من المجتمع الفرنسي بكل مكوناته ؟!
لا تعلن قيادة !
من أبرز دروس الحراك الفرنسي بحسب مراقبين هو عدم وجود قيادة محددة ، وبحسب مراقبين غربيين ، فإنه رغم التعبئة التي شهدتها الاحتجاجات، فإنّ حركة “السترات الصفراء” لا تملك قيادة محددة أو مجموعة رسمية، مما جعل من الصعب على الحكومة التعامل معها ، وأجبرها على الانصياع لها خشية التمدد والسيطرة أو انضمام قيادات لها.
ماكرون أقر بهذه الثغرة في المواجهة قائلا :” المحتجون، الذين يقومون بأعمال تخريبية، ولا يريدون الاستماع لأحد، فيما حاول بعض أقطاب السياسة في فرنسا تسييس حركة “السترات الصفراء” مثل مارين لوبان، زعيمة “الجبهة الوطنية” اليمينية المتطرفة أو اليساري الراديكالي جان لوك ميلينشون، الذي عبر عن دعمه للحركة، لكن دون جدوى ، وهو ما وصفته صحيفة “القدس العربي“بأنه انتصار بطعم الطلاق من السياسة، رغم كل محاولات الوصاية على الحركة وتجيير مطالبها واستغلالها من جانب القوى والأحزاب المناهضة لسياسة إيمانويل ماكرون، فإن الطلاق بينها وبين السياسة بصفة عامة ظل يترسخ يوماً بعد يوم.
افتتاحية “القدس العربي” رأت كذلك أنه لا أحد يستطيع اليوم الزعم بأن حركة الاحتجاج تنتمي إلى اليسار أو إلى اليمين، معتدلاً كان أم متشدداً، ولا أحد أيضاً يتجاسر على ادعاء أبوّتها، حيث أنه انتصار بطعم الطلاق من السياسة التقليدية، ومن مؤسساتها الحزبية والبرلمانية والنقابية، وهذا هو الدرس العميق الذي يتوجب أن تتأمله الديمقراطيات الغربية المعاصرة ومؤسساتها، وأن تستخلص نتائجه بمنتهى الحذر والواقعية.
لا تخش التهديدات !
المواجهات الفرنسية ، أفرزت صورا جديدة لحراك لا يخشى التهديدات الأمنية، والتي أبرزها تصريح وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير لشبكة “بي إف إم تي في” الفرنسية مساء السبت قائلا : “لا محرمات لدي وأنا مستعد للنظر في كل شيء” مهددا بإعلان حالة الطورايء.
ويرى متابعون أن احتجاجات أصحاب السترات الصفراء قد تكون هذه المرة الأعنف في تاريخ التظاهرات الفرنسية، ولكن في المقابل ، رغم توتر العلاقة بين الشرطة والمحتجين، كانت تعامل الشرطة وفق ضوابط واضحة ، وهو ما دفعهم إلى تنظيم تظاهرة شملت 60 مدينة احتجاجاً على تنامي الكراهية ضدهم جراء الاشتباكات اليومية العنيفة مع المعارضة لإصلاحات الحكومة، وعزز ثقة المتظاهرين في عدم وجود عنف دام.
رجل الأعمال المصري ذات الروابط الأوروبية المهندس نجيب ساويرس لفت انتباهه تعامل الشرطة الفرنسية مع الاحتجاجات لقدرتهم على ضبط النفس خلال تعاملهم مع المظاهرات، حيث قال على حسابه بـ”تويتر”: “الاحترام والتقدير لقوات الشرطة الفرنسية التي تواجه الحرب، لم يسألوا أو يطلبوا سببا للتدخل وحافظوا على هدوئهم خلال تعرضهم للهجوم بعنف أثناء حمايتهم المواطنين الأبرياء.
صمود “السترات الصفراء” الميداني ، وعدم التراجع ، دفع كذلك عمدة مدينة باريس، آن هيدالغو، الأربعاء، للتصريح بإن أصحاب “السترات الصفراء” المحتجين على ارتفاع أسعار الوقود وتردي الأوضاع الاقتصادية لهم الحق في تنظيم المظاهرات.
ربيع جديد
وفي هذا الإطار ترى جريدة الشروق التونسية ، أن حراك “السترات الصفراء” كرة ثلج ولدت في فرنسا وبدأت تكبر وتتدحرج باتجاه ساحات أوروبية أخرى موحية وكأن القارة العجوز مقبلة على “ربيع أوروبي”مع بدايات هذا الشتاء البارد، فأسباب الغضب واحدة، بعد رفع متواصل في أسعار المحروقات بحكم ارتفاع أسعار النفط في الأسواق الدولية، والضحية في كل الحالات واحد وهو المواطن وقدرته الشرائية التي ظلت تتراجع وتتراجع بشكل لم يعد معه قادرا على تحصيل الأساسي من متطلبات العيش الكريم.
وأضافت الجريدة أن رسائل حركة السترات الصفراء لا تتجه صوب السلطة الفرنسية أو صوب أوروبا المرشحة للعدوى وحسب بل إن هذه الرسائل تهم جل الدول وجل الأنظمة ، وبخاصة دول العالم الثالث والمنطقة العربية في القلب منها والتي تعدّ معاناة المواطن الفرنسي الثائر مجرّد مزحة أمام ما يعانيه مواطنوها من ظروف مادية صعبة ومن اكتواء بنيران الأسعار ومن انهيار لاقتصادياتها ولعملاتها الوطنية، وهذه الظروف تخلق بيئة مثالية لمثل هذا الحراك المواطني وتجعل من مجتمعات الدول النامية حواضن جاهزة للاشتعال وإحراق كل شيء بنيران الغضب والفوضى.
اضف تعليقا