“يا مبارك يا طيار.. جبت منين 70 مليار” كانت هذه إحدى الهتافات والعبارات التي رددها المصريون في ثورة 25 يناير المجيدة التي اندلعت أحداثها في عام 2011 ، ومنذ ذلك الحين وبعد سقوط رأس النظام المخلوع مبارك “الكابوس الجاثم على صدور المصريين لمدة 30 عام” سعت جهات وأشخاص ولجان عديدة لاسترداد تلك الأموال المنهوبة والتي تقدر بأكثر من 70 مليار بكثير إلا أنها فشلت تارة وأفشلت تارة في ظل تواطؤ المجلس العسكري ومن بعده نظام قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي” في ضياع أموال “مبارك” على النقيض مما يفعل بأموال المعارضين من رجال الأعمال التي يستحلها “السيسي” وحاشيته ويستولي عليها بحجة أن مصر بحاجة إليها.. فكيف تواطأ هذا النظام في ضياع تلك الفرصة على الشعب المصري.. ولماذا يفعل ذلك وهو في أمس الحاجة إلى المال مع مرور الاقتصاد المصري بالأزمات الضاربة المتتالية ؟ّ!

 

قانون يكرس للفساد 

قرر المدعي العام السويسري فك تجميد حسابات بنكية تخص أسرة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في شهر إبريل الماضي كما تجاهلت كل الجهات الرسمية في مصر التعليق على القرار لاستعادة الأموال التي تقدر ب 132 مليار دولار بحسب الصحف الأمريكية، لم تنجح الحكومة المصرية في استرداد إلا جزء منها ما يقرب من 429 مليون يرجع ذلك إلى تباطؤ الحكومة والبحث عن التصالح مع رموز مبارك إضافة لذلك فقد أقرت الدولة في يوليو 2015 تعديلاً على المادة 18 من قانون الإجراءات الجنائية الذي يسمح بالتصالح في جرائم الاستيلاء على الموال شريطة رد تلك الأموال والذي اعتبره أساتذة القانون أنه باباً يشجع على الفساد وحذروا من انه يسمح للمسؤلين بسرقة المال العام، غير أنه أتاح لرموز مبارك الهروب من المحاكمة والتصالح المالي وفي الوقت ذاته منع استرداد الأموال المنهوبة.. إضافة لذلك فإن أحكام البراءة الجماعية التي صدرت ضد مبارك ورموز نظامه كانت سبباً مباشراً في عدم استعادة تلك الأموال فكيف للدولة أن تطالب بأموال أشخاص هي نفسها قد براءتهم من التهم المنسوبة إليهم 

 

الدولة العميقة 

كما شاركت الدولة العميقة في عودة نظام مبارك بشكله الجديد “السيسي” كذلك شاركت الدولة العميقة في عدم استرداد أموال مبارك التي نهبت من الشعب وهي من سهلت تهريبها من مصر إلى البنوك الخارجية منها السويسرية، وكذلك عمل المجلس العسكري بمثابة المظلة الحامية لكل رموز النظام وتسبب أيضاً في إفشال كل اللجان التي عملت بشكل منفصل لاسترداد الأموال كما يشار إلى أنه تم رفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري تطالب بندب قضاة مستقلين يتولون ملف استرداد الأموال المهربة للخارج لكن القضاء الإداري رفض الدعوة!.. وهو ما أكده مسؤول لجهة سيادية لوسائل إعلام مصرية أن مسألة عودة الأموال صارت أكثر صعوبة وبلا جدوى لذلك سعت الحكومة إلى التصالح لأنه الأكثر جدوى لهذا تم التواصل مع الجهات المختصة وتعديل قانون الكسب غير المشروع الذي أشارنا إليه سابقاً ومن ثم تم تجميد عمل اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة في الخارج.

 

لجان دون جدوى

اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المنهوبة في الخارج التي تم تجميد عملها بموجب القانون المصري الأخير لم تكن الاولى من نوعها فقد سبقها العديد من اللجان منها ما تباطئ وتواطأ ومنها ما فشل ومنها ما قام النظام العسكري بإفشاله، فقد تم تشكيل ثماني لجان منذ ثورة يناير 2011، فقد تشكلت اللجنة الأولى عقب نجاح الثورة مباشرة من قانونيين وسياسيين مارسوا عملهم تطوعاً متحملين نفقات تحركهم وتواصلوا مع مصادر أجنبية لاستعادة الأموال لكن المجلس العسكري أصدر قراراً باستبعاد اللجنة الشعبية وأصدر قرار آخر بتشكيل لجنة قضائية لحصر الأموال المهربة برئاسة المستشار عاصم الجوهري الرئيس الأسبق لجهاز الكسب غير المشروع !.. وفي يناير 2012 أصدر رئيس مجلس الوزراء الأسبق قراراً بتشكيل لجنة قومية للتنسيق بين الأجهزة المعنية باسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة، ولم يمض شهر واحد وجاء مجلس الشعب وشكل لجنة جديدة بخصوص الشأن ذاته والتي باشرت عملها حتى تم حل المجلس بقرار من المحكمة الدستورية العليا ثم تم تشكيل لجنة بالأمر المباشر من الرئيس الراحل محمد مرسي برئاسة “هشام قنديل” رئيس الوزراء السابق ثم شكلت أخرى في عهد الرئيس مرسي برئاسة المستشار محمد أمين المهدي، أما في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي فقد تم تشكيل تشكيل “اللجنة الوطنية التنسيقية لاسترداد الأموال والأصول المصرية المهربة للخارج وقام بإلغاء المجموعة القومية لاسترداد تلك الأموال، لكن اللجنة أعلنت فشلها في مايو 2015 بسبب عدم التعاون الدولى.

سعت السلطة الحالية بمساعدة الدولة العميقة والمجلس العسكري إلى إخماد كل الطرق التي تؤدي لحساب مبارك وحاشيته لأنه في حال إدانته فقد تخرج للحقيقة أسماء ممن هم في السلطة حالياً شاركوا في فساد مبارك ويشاركون الآن في فساد السيسي لذلك كان يعملون على إخفاء الحقيقة وعدم استرداد الأموال وإدانة مبارك وأبنائه. 

 

اقرأ أيضاً : العقلية العسكرية.. الحكومة المصرية تواجه أزمة الدولار بالملاحقة الأمنية والقيود البنكية