العدسة – ربى الطاهر
ليس من السهل على الإطلاق الحفاظ على استمرارية شركة لخمسة أو ستة أجيال متعاقبة.. فمن المشهور عن الشركات العائلية أن أقصى عمر لها يكون بعد الجيل الثالث، وربما الرابع على أحسن التقديرات، حيث إن أبناء الأبناء تتباعد علاقاتهم، ولا تكون بنفس قوة العلاقة أو حتى التواصل، مثلما كانت لدى الآباء والأجداد… ولم يكن هذا الإنجاز بتلك السهولة التي تسردها الكلمات، فقد كانت العقبات المُختلقة أحيانا، والطبيعية أحيانا أخرى، تتوانى عن مواجهة هذه الأسرة للاستمرار.
ففي مدينة بالتيمور التي تقع على السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية، أسس جافيز لوان شركته التي عرفت فيما بعد بشركة عائلة لوان لصناعة أشرعة السفن ومظلات النوافذ، والخيم، والرايات، وأغطية السيارات، وكان ذلك في عام 1815، وبعد أن حقق “لوان” شهرة وتميزًا في مجال عمله كانت اللطمة الأولى التي تلقتها شركته، بعدما انتشرت شائعة تهدم شركته من أساسها، وفي نفس العام من تأسيسها، حيث انتشر في المدينة خبر مفاده أن شركة “لوان” قررت إنهاء أعمالها وإغلاق الشركة.
ولكن جافيز لوان، لم يقف مكتوف اليدين مستسلما لهدم شركته دون مقاومة، فأخذ يطبع المنشورات نافيا فيها تلك الشائعة بفخر، فكتب قائلا: ” أبدًا، لم يخسر العجوز جيه دبليو لوان أعماله، وإن كان بعض الناس قد قال ذلك”.
وكانت جملته الأخيرة “حتى وإن كان البعض قد قال ذلك”، مواجهة قوية لمنافس قد اختلق تلك الشائعة، وبالفعل استطاع بذلك تخطي تلك العقبة التي واجهته مع بداية تأسيس شركته، وعاد إلى العمل كما كان، وبفضل موقفه هذا استمرت الشركة في الأسواق بسمعتها الجيدة إلى الآن، تحتفظ باسمه حتى الآن شركة “الإخوة لوان”.
وعبر برايان لوان، الذي يبلغ من العمر 55 عاما، وهو المدير الحالي لشركة الإخوة لوان، عن أسباب استمرارية الشركة بنجاح إلى الوقت الحالي قائلا: “أعتقد أن الحظ كان حليفنا في الكثير من الأوقات، خاصة عندما تتراجع تجارة ما، بفعل التطور وانحسار سلع ما، فقد كنا نتمكن من تبديل النشاط وإضافة سلع جديدة لتجارتنا دائما”.
وقد غيرت الشركة نشاطها أكثر من مرة عندما تحول العمل من بيع الأشرعة “نشاطها الأساسي” إلى تأجير الخيم في بعض الأحيان، حيث اختير هذا النشاط بناء على قرار من جوزيف لوان، صانع الأشرعة الذي ينتسب إلى بورتسموث في إنجلترا، والذي بدأ تجارته أيضا في 1815، ويدين براين له في تعليمه له هذه المهنة التي كان يمارسها منذ 30 عاما، وقد رأى جوزيف أن بالتيمورهو أنسب مكان لتاسيس الشركة في الولايات المتحدة، حيث إنها تتمتع بميناء كبير سمح بوجود عدد كبير من السفن التي لن تستغنى مطلقا عن استخدام الأشرعة التي تريدها دائما جديدة، إضافة إلى أن معظم موانئ الساحل الشرقي للولايات المتحدة كانت بمثابة محور الانطلاق إلى داخل المدينة، وقد أعطى ذلك فرصة للتجارة بأغطية السيارات القماشية.
كما أن أغلب موانئ الساحل الشرقي للولايات المتحدة كانت تعتبر نقطة انطلاق لداخل المدينة، وكذلك لتجارة الأغطية القماشية للسيارات.
فقد تمكنت الشركة من تحقيق إنجاز هائل، فقد تمكنت من تحويل نشاطها بعد أن كانت البداية بصناعة الأشرعة إلى صناعة الخيم ومستلزمات الحفلات، وكذلك مظلات النوافذ، وكان ذلك خلال 202 سنة.
وقد حظت الشركة بحسن إدارة من أفراد عائلة لوان، وخاصة براين الذي تمكن من انقاذ الشركة التي يعمل بها أفراد الأسرة جميعهم لتستمر حتى ستة أجيال متعاقبة، وقد يكون حمل الإدارة جانبا من جوانب أخرى مقلقة، مثل من سيتولى إدارة أعمال الشركة في المرحلة القادمة.
وقد ذكرت مجلة “فاميلي بيزنيس ريفيو” الأكاديمية المتخصصة في بحث الأعمال العائلية، أن نسبة لا تتخطى الـ3% من الشركات العائلية هى التي تستمر إلى الجيل الرابع أو بعد ذلك قليلا.
وقد استطاع الابن نقل النشاط إلى المحركات البخارية بعد أن تولى الإدارة عن أبيه، حيث كان الوقت قد حان لانتهاء استخدام الأشرعة مع بدايات القرن العشرين، وظهرت الحاجة لمظلات النوافذ للحماية من حر الصيف الخانق في بالتيمور، وبدأت الشركة في التجارة بها.
ولكن الوقت لا يسمح باستمرار أي شيء طويلا، فقد جاءت المكيفات الكهربائية لتحل محل المظلات التي كانت هى النشاط التجاري للشركة، مما جعلها تتحول لنشاط جديد، وهو صنع الخيم القماشية، وكان ذلك قد بدأ مع بدايات الخمسينات في القرن العشرين، وقد حققت الشركة من خلال التجارة بها رأس مال ضخم، فقد أصبح الدخل السنوي للشركة هو خمسة مليون دولار، وانتظم في العمل بالشركة 85 موظف.
وقد أضافات الشركة إلى التجارة في الخيم وتأجيرها، توفير المستلزمات التي تحتاجها المناسبات الكبرى للتأجير، مثل أدوات الطعام والشراب والطاولات والكراسي، وكذلك أرضيات مخصصة للرقص.
أما براين الذي لم ينتظر تخرجه ليبدأ حياته العملية، حيث بدأ ذلك أثناء دراسته بكلية تأهيل المعلمين، فقد قال: “برغم مرور كل هذا الوقت في العمل فإننا لا زلنا نتعلم ولا زلنا نبحث في السبل التي تجعلنا نحسن من أعمالنا، وأفضل الطرق التي نقدم بها ذلك”.
ولم يرتكن براين على تجارة والده للجوء إلى العمل بها، فقد أراد أن يدرس التعليم حتى يتمكن من الإلمام بأكثر من مهنة، حتى وهو يعلم أنه سيكون واحدا من أعضاء شركة والده، ولكن عندما بدأ في تنفيذ خططه وذهب إلى إسبانيا للدراسة، وكان في الـ 24 من عمره استقبل خبر تفكير والده “مورجان” في بيع الشركة.. فما كان منه إلا أن غادر إسبانيا، وبدأ في العمل بتوجيهات من والده الذي ترك له العمل منذ 20 عاما.
ويوضح براين أن استقلاله بإدارة الشركة مكنه من وضع لمساته الخاصة وأشعره ذلك بقدر أكبر من الحرية، مثلما فعل والده من قبل، حينما تولى بعد أبيه إدارة الشركة، ويقول: ” من المخجل أن أتحدث بذلك، ولكني شعرت بالراحة أكثر عند استقلالي بالعمل ومغادرته للإدارة”.
إلا أن “مورجان” لم يتنح عن الإدارة بشكل كامل، فهو قد يساعد ابنه من حين إلى آخر في عمليات البيع أو حتى بمساعدته بقيادة السيارة لنقله إلى العاصمة واشنطن لحضور الاجتماعات القريبة، حتى يتمكن من التركيز في أعماله دون التشتيت في قيادة السيارة، حتى إن “مورجان” يعبر عن ذلك مازحا بقوله: “أشعر أن عملي الآن أصبح عجلة أضافية للسيارة”.
ولكن “مورجان” كان قد قرر الابتعاد عن أعمال الشركة وترك الإدارة كاملة لبراين ابنه وأخيه الذي يساعده سكوت بعد أن تقاعد، وأضاف: “قد يستبعد المرء تلك المرحلة التي سيتولى فيها الآخرون القيادة، فتعاقب الأجيال ليس أمرا سهلا، ولكني سعيد وأنا أراهما يتوليان القيادة”.
وتعلق باربرا سبيكتر، رئيسة تحرير مجلة “فاميلي بيزنيس”: إن العائق الأكبر الذي يواجه الجيل الأصغر في شركات العائلات، هو الحرج من أحداث التغييرات حتى لا يجرحوا مشاعر سابقيهم ممن كانوا يتولون القيادة”
إلا أنه يجب تخطي هذه المشاعر، فلولا التجديد ستكون النهاية حسب تعبير “سبيكتر” التي رأت أن إرث العائلة الحقيقي هو تولي العمل والمحافظة على استمراره حسب تغيرات السوق.
وتعتقد كذلك أن شراء حصص من الشركة في حالة عرض أفراد العائلة تلك الحصص للبيع ربما يكون أفضل لو كان ذلك لأفراد من خارج العائلة.
إلا أنها تشكك في استمرار شركة “الإخوة لوان” إلى الجيل القادم كشركة عائلية حيث إن الجيل الجديد لديه اهتمامات أخرى، وهو لا يريد إجبارهم على تولي مهام العمل بالشركة حتى إنه قال: ” سيكون من الأفضل بالنسبة لي أن يتولى ابني أو ابنتي قيادة الشركة بعد تقاعدي، ولكن هذا الحوار لا زال مغلقا “.
وعن العروض التي يقدمها مستثمرون آخرون لشراء الشركة يرى براين أن الشركات التي قامت سابقا بفعل هذا لم تكن التجارب المشجعة، ويؤكد أن هذا سينهي الشركة من أساسها، حيث تأتي الوعود بالإبقاء على العاملين، ولكنهم لا ينفذون وعودهم أبدا”.
وربما يكون الخيار الأفضل هو بيعها مستقبلا لموظفي الشركة الذين يعملون فيها منذ عقود خيرا من أن تترك إلى الغرباء حسبما يفضل براين الذي أكد أنه في حالة عدم رغبة أحد أفراد العائلة في تولي مهام الشركة سيكون أفضل السبل للحفاظ على إرث جوزيف لوان هو بيعها لمن يهتم بالإعلاء من شأنها، وهم الموظفون الذين أفنوا أعمارهم فيها.
اضف تعليقا