تعاملت المملكة العربية السعودية مع ثورات الربيع العربي على أنها تهديد لبقاء نظامها الملكي وزعمت أن تلك الثورات امتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة لتجد المبرر لوأدها، واستخدمت كافة ما لديها من إمكانات لمواجهته، وفي مقدمتها العائدات النفطية الهائلة، وسلاح الطائفية وإعادة رسم التحالفات السياسية، وتعميق العلاقة مع الغرب.
ويعتبر الدور السعودي في سوريا هو الأخطر مقارنة بكل أدوارها السلبية في الثورات العربية، ففي الوقت الذي كانت تُقتلع فيه أظافر أطفال درعا، كانت السعودية تضخ الأموال في شرايين نظام الأسد، بحجة أن انتصار الثورة السورية سيؤدي إلى انتقالها إليها.
وسارعت المملكة بدعم نظام بشار مالياً، بقيمة 4 مليارات دولار كوديعة في البنك المركزي، ولم تكتف بذلك بل ساهمت في دعم النظام بطريقة غير مباشرة، عندما شجعت فكرة أسلمة الثورة، حتى تظهر الصورة التي أرادها النظام للصراع، كصراع محصور مع مجموعات إسلامية متشددة، بل وساهمت في تخويف الأقليات من التغيير، وجعلتهم يصطفون تلقائيا مع النظام في مواجهة الثورة والشعب والثوار.
وفي بداية الثورة تظاهر السوريون المقيمون في السعودية وحملوا صور الملك عبدالله للفت الأنظار تجاه الجرائم التي يتعرض لها المدنيون وقامت المملكة باعتقالهم ومنعت التبرعات للثورة السورية كما منعت دخول السوريين إليها إلا بإجراءات معقدة، بحسب تصريحات صحفية للدكتور أحمد الهواس المعارض السوري.
وفي مطلع 2011 تدخلت دول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية بشكل مباشر لامتصاص واحتواء الثورة اليمنية وأنقذت علي عبدالله صالح من السقوط وانتزعت الثورة من الشباب لتعيدها مرة أخرى إلى نائبه عبدربه منصور هادي.
واستطاع صالح المدعوم من دول مجلس التعاون الخليجى تحويل الصراع من ثورة شعبية إلى أزمة سياسية مع المعارضة وتدخلت المبادرة الخليجية لتتعامل مع الثورة اليمنية بإعتبارها حلاً للأزمة السياسية في اليمن.
وبذلك أُفشِلت الثورة اليمنية وقامت المملكة العربية السعودية باستضافة “صالح” لديها قبل أن يعود مرة أخرى لليمن ويتحالف مع الحوثيين متحايلا على المملكة العربية السعودية التي دخلت في تحالف عربي لمواجهة انقلاب الحوثي على “عبدربه منصور هادي” الذي يدير الحكم من الرياض.
وفي النسخة المصرية لا يخفى على أحد الدور السعودي والإماراتي في إجهاض ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد وقوفهما خلف الانقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من يوليو 2013 ومساندتهم لقائد هذا الإنقلاب عبدالفتاح السيسي وضخ عشرات المليارات من الدولارات في جيوب النظام.
فمنذ قيام ثورة 25 يناير المجيدة، اتخذت السعودية موقفاً عدائياً منها وسعت بشكل غير مسبوق دبلوماسياً إلى ممارسة ضغوطاً إقليمية ودولية لدعم نظام مبارك الآيل للسقوط والحيلولة دون إنهياره.
فقد نشرت جريدة التايمز البريطانية بتاريخ 10 فبراير 2011 وقبل تنحى مبارك بيوم واحد خبراً مفاده أن العاهل السعودى قد هدد أمريكا بأنه سوف يدعم مبارك بكل قوة إذا ما رضخت أمريكا للمطالب الشعبية بإسقاط نظامه، كما ذكرت الصحيفة أن العاهل السعودى قام باتصالاً تليفونياً مع أوباما بتاريخ 29 يناير 2011 أخبره فيه أنه سيدعم نظام مبارك حتى لو تخلت أمريكا عنه، وانه على استعداد أن يدفع لنظام مبارك قيمة المعونة التى تهدده بها أمريكا للتنحى عن الحكم.
ولعل أهم الأسباب التى دعت المملكة إلى اتخاذ هذا الموقف المعادى للثورة المصرية منذ اشتعالها والعمل على إفشالها، بل وتمويل الثورة المضادة بقوة خلال الفترة الإنتقالية لإحداث انفلات أمنى مصطنع وفتن طائفية وفوضى مصطنعة، الهدف من وراء كل ذلك هو توصيل رسالة هامة ليس فقط إلى مواطني المملكة بل لكافة الدول الإسلامية والعربية، مفادها أن فكرة الثورة فى حد ذاتها إنما هى فكرة خاطئة تؤدى إلى الفوضى وخراب المجتمعات وعدم الإستقرار.
اضف تعليقا