رغم أن الإمارات تدّعي حظر جميع أشكال العمل القسري وفق قانون العمل، إلا أن الواقع يكشف عن صورة مختلفة تمامًا. الانتهاكات التي يتعرض لها العمال المهاجرون، خاصة العمالة المنزلية، غالبًا ما تعتبر مخالفات تنظيمية بسيطة بدلاً من جرائم تستوجب المحاسبة الجدية.
هذا التجاهل يظهر بوضوح في غياب تطبيق وإنفاذ حقيقي لتشريعات حقوق العمال. يعزز ذلك منظومة “الكفالة”، التي تمنح أصحاب العمل صلاحيات شبه مطلقة، ما يجعل العمال عرضة للاستغلال والانتهاك دون رادع قانوني حقيقي.
نظام الكفالة، المصمم لتحكم أصحاب العمل بالعمال المهاجرين، يشكّل أداة رئيسية لتكريس الاستغلال. العمالة المنزلية، التي تتكون في معظمها من النساء القادمات من جنوب وجنوب شرق آسيا، تواجه بشكل خاص عزلة اجتماعية واعتمادًا كليًا على أصحاب العمل.
هذا الوضع يجعل العاملات عرضة للاعتداءات الجسدية والجنسية والنفسية، دون أي فرصة حقيقية للحصول على مساعدة قانونية أو مجتمعية. وحينما تحاول إحداهن الهروب من صاحب العمل، فإنها تُواجه عواقب وخيمة مثل الاحتجاز التعسفي أو الترحيل، ما يضاعف خطر استغلالها من قبل شبكات الاتجار بالبشر.
نظام الكفالة: أداة للربح والاستغلال
تشير الإحصاءات إلى أن الإمارات تضم أعلى نسبة من العمالة المهاجرة عالميًا، حيث يشكل المهاجرون 88% من سكان البلاد. ورغم هذا الاعتماد الضخم على العمالة الأجنبية، يظل نظام الكفالة عقبة أمام تحقيق العدالة الاجتماعية.
الحكومة الإماراتية، التي وقّعت على ثلاثة فقط من تسعة معاهدات دولية لحقوق الإنسان، تبدو غير مهتمة بإصلاح جذري يضمن حقوق العمال. السبب الأساسي وراء ذلك هو الفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يقدمها نظام الكفالة للمواطنين الإماراتيين، بما في ذلك العمالة المنزلية التي تعتبر خارج مظلة قانون العمل الإماراتي.
العمالة المنزلية ليست فقط مستثناة من القانون، بل أيضًا محرومة من أبسط حقوقها مثل السكن اللائق، والرعاية الصحية، والإجازات المرضية المدفوعة، إضافة إلى ذلك، تُستدرج العديد من النساء بوعود كاذبة أثناء عملية التوظيف، ليجدن أنفسهن بعد ذلك يتحملن رسوم توظيف باهظة، ويُجبرن على العمل في ظروف لا تراعي الحد الأدنى من الإنسانية. هذا النظام، الذي يكرس العزلة والاعتماد الكامل على أصحاب العمل، يضمن استمرار العمالة المنزلية في ظروف عمل شبيهة بالعبودية.
مراوغة النظام الإماراتي
رغم الدعوات المستمرة من منظمات حقوقية مثل “أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين” (ADHRB) لمعالجة هذه الانتهاكات، إلا أن الحكومة الإماراتية تكتفي بإجراءات تجميلية دون معالجة جذرية للمشكلة. المنظمة دعت إلى مراجعة شاملة ومنسقة لأنظمة الكفالة، ووضع تشريعات تضمن حقوق العمال المهاجرين. كما حثت المجتمع الدولي على إدانة هذه الانتهاكات التي تعد شكلاً حديثًا من العبودية.
فيما بدأت بعض الإصلاحات المحدودة، إلا أن فعاليتها تبقى محل شك، حيث تظل العمالة المنزلية المهاجرة تعاني من غياب الحماية القانونية والحقوقية. التغيير الحقيقي يتطلب إلغاء نظام الكفالة بالكامل، وإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تعتمد على استغلال العمالة المهاجرة لتحقيق مكاسب آنية.
الخلاصة إن استمرار الإمارات في تجاهل المعايير الدولية لحقوق الإنسان يعكس رغبة في الحفاظ على نظام الكفالة لتحقيق مكاسب اقتصادية، على حساب حقوق العمال المهاجرين.
ومع ذلك، فإن الضغط الدولي والتضامن الحقوقي يمكن أن يشكلا بداية الطريق نحو إصلاح حقيقي. إلى أن يتحقق ذلك، سيظل العمال المهاجرون، وخاصة النساء العاملات في المنازل، فريسة لنظام يكرّس الاستغلال والعزلة، في ظل غياب إرادة سياسية جادة لتغيير هذا الواقع المأساوي.
اقرأ أيضًا : لماذا ينتقم محمد بن زايد من الناشط خليفة النعيمي؟
اضف تعليقا