العدسة – معتز أشرف
ضربة قوية، ومفاجأة من العيار الثقيل، وجهتها قناة “الجزيرة” الإخبارية” لدول الحصار، في برنامجها الاستقصائي “ما خفي أعظم”، الذي يتحدث عن دور السعودية والإمارات ومصر والبحرين في التخطيط والإعداد لانقلاب محكم في قطر عام 1996، لتسقط ورقة التوت عن الأشقاء الأعداء الذين دائما ما يلوحون بورقة الانقلابات لتهديد النظام القطري .
“أبو علي”!
في جزء أول يليه ثانٍ، سددت منصة المدفعية بقناة الجزيرة قذيفة قد يمتد آثارها لفترة ليست بقصيرة، حيث حقق استقصائي “قطر 96” ضمن برنامج “ما خفي أعظم“ دويا صعبا علي الدول الأربع، وكشف بالتفاصيل والأدلة تورط كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين في دعم محاولة فاشلة للانقلاب، حيث نشر التحقيق شهادات قيادات في محاولة الانقلاب تكشف الأدوار السرية لهذه الدول، فضلا عن وثائق تعود للاستخبارات السعودية والملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز إبان المحاولة التي كانت في 14 فبراير/شباط 1996، ومن بين الشهادات التي قدمها التحقيق شهادات لقيادات شاركت في محاولة الانقلاب، وأخرى للسفير الأمريكي في قطر خلال تلك الفترة يتحدث فيها للمرة الأولى عن الحادثة، كما عرض التحقيق وثائق حصرية يُكشف النقاب عنها للمرة الأولى، وتعتبر الحلقة الأولى، بحسب المراقبين، “أقوى الضربات التي وجهت لقادة الحصار منذ بدء الأزمة مع قطر”، نشرت قناة “الجزيرة” اليوم الجزء الأول من وثائقي “قطر96” ضمن برنامج “ما خفي أعظم” الذي يقدمه الإعلامي تامر المسحال، وكشف تحقيق “الجزيرة” أن الاسم الرمزي العسكري للعملية الانقلابية كان “أبو علي”، وتم إعداد غرفتي عمليات لإدارة هذه العملية الانقلابية، الأولى كانت في المنامة للتنسيق والاتصال، والثانية في الخُبَر السعودية لقيادة العملية.
وأظهر التحقيق خلية إدارة انقلاب قطر تشكَّلت بإشراف مباشر من الأمير سلطان بن عبد العزيز (من السعودية)، والشيخ محمد بن زايد (من الإمارات)، والملك حمد بن عيسى (من البحرين)، واللواء عمر سليمان (من مصر).
ساعة الصفر
وكشفت وثيقةٌ سريّة أن ساعة الصفر في انقلاب قطر كانت الساعة الثالثة فجر يوم 14 فبراير عام 1996.
وقال سفير أمريكا الأسبق لدى قطر باتريك ثيروس، خلال التحقيق: “كانت هناك محاولات من الدول المجاورة لاستقدام مرتزقة أجانب؛ تمهيداً لدخول الأراضي القطرية والانقلاب على نظام الحكم”.
وكشفت وثيقة مسربة صادرة عن الاستخبارات السعودية – فرع الطائف حجم الدعم والتسهيلات التي قُدِّمت للعسكريين القطريين المشاركين في المحاولة الانقلابية.
ويعرض التحقيق شهادة أبرز قيادات الانقلاب، بينهم فهد المالكي المسؤول السابق في المخابرات القطرية والمفرج عنه حديثاً بعد إلغاء حكم الإعدام بحقه.
وتظهر أيضاً شخصية فهد عبد الله جاسم -أحد المحكوم عليهم بالإعدام- وهو يتحدث مع الصحفي الاستقصائي تامر المسحال.
وتكشف هذه الحلقة (من مجموع حلقتين) مسلسل دعم السعودية الخفي لتغيير نظام الحكم في قطر منذ عام 1996، خلال محاولة انقلابية انتهت بالفشل، في حين كشف المتورطون عن الوسائل التي عملت السعودية بها، والتخطيط المحكم لقلب نظام الحكم بالدوحة.
وفي التفاصيل، تم الكشف عن تأسيس غرفتَي عمليات لإدارة انقلاب قطر بالمنامة البحرينية للتنسيق والاتصال، وفي الخُبَر السعودية لقيادة العملية.
المخابرات المصرية تكفلت بدعم الانقلابيين!
وعن دور القاهرة، فإن المخابرات المصرية تكفلت بدعم الانقلابيين بالأسلحة والمشاركة الاستخباراتية من خلال تجنيد لواءين مصريَّين متقاعدَين كانا داخل قطر.
وكشف حمد جابر جلاب المري، المعاون الرئيسي لقائد خلية الانقلاب، أن “كميات من الأسلحة المصرية دخلت الأراضي القطرية؛ تمهيدًا للانقلاب على نظام الحكم”.
الملك سلمان وافق على مشاركة مليشيات قبلية في الانقلاب
وحملت وثيقة مسربة توقيع أمير منطقة الرياض حينها -العاهل السعودي الحالي الملك سلمان بن عبدالعزيز- تُظهر موافقته على جلب مليشيات قبلية للمشاركة في الانقلاب، وإعادة الشيخ خليفة بن حمد إلى الحكم.
وفي فجر 14 فبراير تم حشد قوات سعودية وبحرينية وإماراتية لدعم المشاركين في الانقلاب.
وجرى تكليف اللواء الثامن السعودي المتمركز في منطقة الأحساء بالتوجه لمنفذ سلوى الحدودي لدعم الانقلابيين، فيما كانت قوة بحرينية خاصة تستعد لتنفيذ إنزال غرب الدوحة، وتصطحب وحدة إعلامية في حال عدم السيطرة على التليفزيون (القطري).
كما تعهدت قوة جوية إماراتية بالسيطرة على الأجواء القطرية وإنزال الشيخ خليفة بن حمد في قاعدة عسكرية بجوار مطار الدوحة.
وقال السفير الأمريكي الأسبق باتريك ثيروس: “أفشلت محاولة انقلاب بعد أن كشفها أحد العسكريين المشاركين قبل ساعتين من ساعة الصفر لتتم بعدها عمليات اعتقال للمشاركين الذين تمكن معظمهم من الهرب واعتقل بعضهم بينهم سعوديون”.
ولفت السفير إلى غطاء الدول الجارة لقطر في دعم الانقلاب وإدخال الأسلحة.
في 27 يونيو/حزيران 1995، أعلن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني توليه الحكم في قطر، خلفا لوالده الذي كان خارج البلاد.
بعد أشهر من هذا الإعلان كان الأمير الجديد على موعد مع محاولة منظمة للانقلاب على نظام حكمه، وتشكلت سرا في عدة دول خليجية -إضافة إلى مصر- لجنة قيادية عليا لإدارة الانقلاب.
بقي ملف محاولة الانقلاب منذ فبراير/شباط 1996 غامضا وصندوقا أسود لم يفتح من قبل، حتى جاءت السلسلة الوثائقية الاستقصائية “ما خفي أعظم” لتبث الأحد (2018/3/3) الجزء الأول بعنوان “قطر 96″، والذي يكشف ولأول مرة خبايا ما جرى.
في سبتمبر/أيلول 2017 انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي خبر الإفراج عن فهد المالكي، وهو واحد من أهم المتهمين بالتخطيط والمشاركة في محاولة الانقلاب، حاصل على الدكتوراه في السياسة الدولية من جامعة بريستول البريطانية وأحد أهم أركان جهاز المخابرات القطرية.
من هنا عبرت الأسلحة وخزنت في قطر استعدادا للانقلاب (الجزيرة)
أمضى المالكي عشرين عاما في السجون القطرية بعد تخفيف حكم الإعدام بعفو أميري، وقد كشف عن بذرة المحاولة الانقلابية عبر تمكن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من إقناع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني باستعادة السلطة عن طريق انقلاب عسكري.
ويعدد المالكي أعضاء اللجنة العليا لتنظيم الانقلاب، وهم: من الإمارات الشيخ محمد بن زايد، الذي كان رئيس هيئة الأركان، ومن البحرين الشيخ حمد بن عيسى، الذي كان وليا للعهد، ومن قطر الشيخ حمد بن جاسم بن حمد، قائد الشرطة سابقا، ومن السعودية جهاز المخابرات، الذي تلقى التكليفات من الأمير سلطان بن عبدالعزيز، إضافة إلى المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان.
باتريك ثيروس: محاولتان عبر مرتزقة سبقت المحاولة الانقلابية الرئيسية (الجزيرة)
بدوره يقول باتريك ثيروس السفير الأمريكي في قطر بين عامي 1995 و1998، إن ثمة محاولتي انقلاب في نهاية 95؛ الأولى عبر تجنيد مرتزقة من جنوب إفريقيا، وتمت بطريقة سيئة مثيرة للسخرية كما يبيّن، والثانية اللجوء إلى مرتزقة فرنسيين، لكن فرنسا أحبطت الخطة وأبلغت الجانب الأمريكي بذلك.
لجأت الدول الضالعة في محاولة مستميتة إلى الخيار المحلي عبر قائد الشرطة حمد بن جاسم بن حمد، الذي جند ضباطا كبارا، منهم جابر حمد جلّاب المري.
تحدث “المري” عن تفاصيل ضلوعه في المحاولة، بدءا من لقائه قائد الشرطة في الغردقة بمصر، ثم الشيخ خليفة بن حمد في روما، وصولا إلى اللقاء الذي عقد في وزارة الدفاع السعودية.
فهد المالكي: اللجنة العليا للانقلاب ضمت السعودية والإمارات ومصر والبحرين (الجزيرة)
ويكشف “المري” أن عمليات التنسيق تمخضت عنها غرفتان للتحضير للانقلاب؛ واحدة في مدينة الخبر السعودية، والثانية في العاصمة البحرينية المنامة، مضيفا أن الأسلحة المصرية دخلت عن طريق المنامة مرورا بجسر الملك فهد إلى الخبر، في نوفمبر/تشرين الثاني 1995 ثم إلى الأراضي القطرية.
قدم فيلم “قطر 96” جملة من الوثائق السرية، ومنها تعليمات الاستخبارات السعودية فرع الطائف بتسهيل دخول 107 عناصر قطريين عبر المنفذ الحدودي مع قطر، إضافة إلى ضابطين مصريين برتبة لواء كانا مساهمين بترتيب ساعة الصفر.
ومن أبرز الوثائق خطاب سري يكشف موافقة أمير منطقة مكة وقتذاك الملك الحالي للسعودية سلمان بن عبدالعزيز، يتضمن الموافقة على نقل مليشيات قبلية بصورة سرية وصرف مستحقاتهم طوال عملية إعادة الشيخ خليفة إلى الحكم.
يسلط الفيلم الضوء على العسكري السعودي وبران اليامي، الذي كان له دور بارز في إدخال أربع شاحنات من الأسلحة.
ويبين العميد المتقاعد شاهين السليطي -أحد أعضاء فريق التحقيق مع الانقلابيين- أن اليامي كان مجندا لدى مسؤول المخابرات في منفذ سلوى الحدودي، وأنه بعد نجاحه في إدخال الأسلحة إلى قطر كوفئ بخمسين ألف ريال.
كانت مشاركة العميد بخيت مرزوق العبد الله منعطفا مهما في المحاولة الانقلابية، فهو من قيادات القوات المسلحة القطرية، إضافة إلى المالكي الضابط في المخابرات، الذي تلقى -كما يوضح- مكالمة من محمد بن زايد يشجعه ويطمئنه بأن المقاتلات الإماراتية ستسيطر على الأجواء القطرية.
جابرالمري: غرفتان مركزيتان للانقلاب؛ واحدة في المنامة، والثانية في الخبر (الجزيرة)
ساعة الصفر كانت الخامسة فجرا من يوم 27 رمضان الموافق 16 فبراير/شباط 1996، حيث المناوبون في الوحدات العسكرية لا يزيدون على 20%.
دون سابق إنذار، جرى تقديم العملية إلى يوم الرابع عشر، ثم تقديم ساعة الصفر إلى الثالثة فجرا، تجمعت القوة الانقلابية قرب مكينس جنوب غرب الدوحة، وكانت الخطة تقضي بمحاصرة منزل أمير قطر، والسيطرة على جميع الاتصالات وتجهيز إذاعة محمولة من البحرين تبث البيان رقم واحد.
غير أن ما لم يحسب حسابه، هو أن شخصا برتبة عسكرية صغيرة كشف ما كان يعرفه من أماكن تخزين السلاح، فأعلنت حالة الطوارئ، واستدعيت كل العناصر العسكرية، وفشل عنصر المفاجأة، وبدأ اعتقال الضالعين في المحاولة.
لم يكن هذا يشكل طيا لصفحة الانقلابيين، بل فتح فصلا نتابعه في القسم الثاني من “ما خفي أعظم“.
اضف تعليقا