بعد يوم واحد من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة، والذي كان من شأنه أن يدين غزو موسكو.
وبشكل متوقع، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو). وامتنعت الصين والهند، وكذلك الإمارات العربية المتحدة، عن التصويت. ويشير ذلك إلى رغبة أبو ظبي في أن تكون “محايدة” في أسوأ أزمة أمنية في أوروبا منذ عام 1945، على الرغم من علاقاتها الوثيقة بالتحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة.
غضب الكثيرون في واشنطن، ولكن مع الأخذ في الاعتبار شراكة أبو ظبي العميقة مع روسيا بوتين، فلم يكن من الصادم هذا الامتناع عن التصويت.
من بلاد الشام إلى شمال أفريقيا، اصطفت الإمارات العربية المتحدة بشكل أوثق مع الكرملين أكثر من البيت الأبيض في العديد من الملفات الحساسة. ويسلط الدعم الإماراتي للطاغية السوري بشار الأسد ورجل ليبيا القوي خليفة حفتر، المدعوم والمسلح من موسكو، الضوء على هذه النقطة.
قبل يوم واحد من الغزو الروسي لأوكرانيا، استعرض وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ونظيره الروسي سيرجي لافروف “عددا من التطورات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك” في محادثة هاتفية.
أصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا أوضح فيه أن “الشيخ عبد الله بن زايد أكد على عمق الصداقة بين الإمارات العربية المتحدة وروسيا، وقيادة البلدين، وأبرز الحرص على تعزيز آفاق التعاون الإماراتي الروسي في مختلف المجالات من أجل الصالح العام لشعبيهما”.
في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية تعمل على عزل موسكو، أرسلت هذه المكالمة الهاتفية رسالة مفادها أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على أبو ظبي لدعم مثل هذه الجهود.
غرد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد ثلاثة أيام من الهجوم الروسي على أوكرانيا: “من تجربتنا في منطقة مليئة بالأزمات، نعتقد أن الحلول السياسية وخلق التوازنات التي تعزز الأمن والاستقرار هي أفضل طريقة لمواجهة الأزمات والسيطرة على آثارها”.
أكد قرقاش أنه “فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، تتمثل أولوياتنا في تشجيع جميع الأطراف على تبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية من شأنها إنهاء هذه الأزمة”، وذكر أيضا أن “الانتهاب إلى جانب لن يؤدي إلّا إلى مزيد من العنف”.
الأبعاد الجيوسياسية لموقف الإمارات العربية المحايد
من المؤكد أن هذا الموقف يجب تفسيره في سياق نظر الإمارات العربية المتحدة إلى شراكتها مع واشنطن على أنها أقل موثوقية، مقارنة بالنقاط السابقة في التاريخ الحديث.
مثل نظرائهم السعوديين، يرى المسؤولون في الإمارات أنه من مصلحة بلادهم الاستثمار في علاقات متنوعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم أثناء التحضير “لخليج ما بعد أمريكا”.
وهذا صحيح بشكل خاص في ضوء انسحاب الولايات المتحدة الفاشل من أفغانستان وعدم رد واشنطن على هجمات أرامكو في سبتمبر 2019.
قال الدكتور عبد الخالق عبد الله، عالم السياسة الإماراتي، لصحيفة فاينانشال تايمز: “تحاول روسيا، مثل الصين وغيرها، ملء الفراغ الذي خلفته أمريكا، وروسيا في وضع جيد للعب دور أكبر”.
هنا، يشير الامتناع الأخير إلى وجهة نظر أبو ظبي بأن استرضاء موسكو أمر بالغ الأهمية لجهود الدولة الخليجية العربية لتصبح أكثر استقلالية عن الغرب.
أوضحت الدكتورة دانيا ظافر، المديرة التنفيذية لمنتدى الخليج الدولي، في مقابلة مع صحيفة The New Arap: “من وجهة نظر الإمارات العربية المتحدة، أثبتت روسيا أنها شريك قيم فيما يتعلق بالقضايا الاستراتيجية الحرجة بالنسبة لهم في سوريا وليبيا وحتى في اليمن، حيث لم تفعل الولايات المتحدة ذلك”.
وأضافت: “علاوة على ذلك، تشعر الإمارات العربية المتحدة بالضجر من فرض الولايات المتحدة نفسها في منطقة الخليج وتريد إبقاء خياراتها مفتوحة”.
قالت الدكتورة إلهام فخرو، زميل باحث في مركز دراسات الخليج بجامعة إكستر، لوكالة إن إيه إن الإمارات العربية المتحدة لا تريد أن تنحاز إلى أي جانب في هذا الصراع.
وأضافت: “تتمحور سياستها الخارجية حول تنمية علاقاتها مع قوى عالمية متعددة، بما في ذلك تلك التي هي في صراع أو منافسة مع بعضها البعض.” وقالت إن هذا النهج له العديد من الفوائد لدولة الإمارات، مما يضمن قدرتها على تنويع علاقاتها التجارية والأمنية، وتأمين مستوى أكبر من الاستقلالية في سياستها الخارجية”.
وأشارت قائلة إنه “على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة تريد تجنب انحيازها إلى جانب معين، إلا أنها ستتعرض لضغوط متزايدة للقيام بذلك، ليس أقلها صفتها كرئيس لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هذا الشهر.”
يتفق خبراء آخرون على أن القيادة في أبو ظبي تعتقد أن الإمارات العربية المتحدة سيكون لديها ما تخسره أكثر بكثير من المكاسب من الانحياز إلى شركائها الغربيين ضد الكرملين فيما يتعلق بأوكرانيا.
وقال سرهات تشوبوكتشوغلو، باحث كبير في الجغرافيا السياسية ومرشح الدكتوراه في الشؤون الدولية في جونز هوبكنز SAIS في واشنطن العاصمة، في مقابلة مع TNA : “نرى سعيا واضحا للحكم الذاتي الاستراتيجي عن دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح جهة فاعلة إقليمية ذات مصداقية ومكتفية ذاتيا، لتكون أكثر سيطرة على التزاماتها -الاستراتيجية والاقتصادية- ولدفع المزيد من القيمة من الشراكات الأوثق مع القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران والقوى العالمية الصاعدة مثل الصين، بدلا من البقاء في تحالف غير مشروط مع الغرب، فهم لا يرون أي أساس منطقي وراء ذلك بعد الآن”.
وأضاف أن “الإمارات لا ترى أي مصالح للتدخل في الحسابات على أي من الجانبين، الصراع الروسي الأوكراني”.
الطريق إلى الأمام
يمكن أن تشكل استراتيجية متابعة “الحياد” تجاه غزو أوكرانيا تحديات عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين أبو ظبي وواشنطن.
قال الدكتور كريستيان كوتس أولريشسن، زميل الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، لوكالة الأنباء التركية: “بما أن الإمارات العربية المتحدة لديها علاقات وثيقة مع كل من روسيا والولايات المتحدة تريد الحفاظ عليها، فإن قيادتها لا تريد أن تنحاز إلى جانب في صراع لا يشملها”.
وتابع قائلا؛ “ومع ذلك، من الصعب تحقيق التوازن بين ذلك عندما يكون كلاهما في مجلس الأمن وعندما تمزقت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا بشكل كبير. فقط في يناير 2022 تعرضت القوات الأمريكية في أبو ظبي للهجوم واتخذت إجراءات للدفاع عن الإمارات العربية المتحدة، وإذا استمر الوضع في أوكرانيا في التدهور، أظن أن الحفاظ على التوازن الإماراتي سيصبح أكثر صعوبة، خاصة إذا دعا إلى مزيد من التدقيق في موقف الإمارات كشريك وثيق للولايات المتحدة”.
بعد أن ضغطت بشدة للحصول على مقعد في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يجب على الإمارات الآن التحوط بحذر مع احتدام الحرب في أوكرانيا دون أن يعرف أحد كيف ستنتهي.
ليس لدى أبو ظبي أي نية لحرق أي جسور مع واشنطن، وهذا التصويت ليس بأي حال من الأحوال إشارة إلى أن الشراكة القوية المستمرة منذ عقود بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة على وشك الانتهاء.
ومع ذلك، دون الانضمام إلى واشنطن في الوقوف ضد موسكو، ليس من الصعب تخيل أن الإمارات تواجه بعض المشاكل في علاقتها مع الولايات المتحدة. مع تصاعد العقوبات الغربية بسرعة بطرق لم يتوقعها أحد، قد يكون من الصعب أيضا على الشركات والمصالح المالية الإماراتية الحفاظ على العلاقات مع روسيا.
ما يبقى أن نرى هو ما قد تفعله إدارة بايدن، أو لا تفعله، للضغط على الإمارات العربية المتحدة للتصويت في مجلس الأمن الدولي والانضمام إلى العقوبات الغربية بطرق تبشر بمزيد من الإيجابية للسياسات الأمريكية.
اضف تعليقا