تقف أزمة مفاوضات سد “النهضة” الإثيوبي، المتعثرة منذ نحو عام، أمام مطلب القاهرة، اُعلن عنه قبل أيام، بضرورة التوصل إلى اتفاق بشأن فترة ملء وتشغيل السد خلال الاجتماع المرتقب بين مصر وإثيوبيا والسودان، في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري.
الاتفاق المأمول اكتفت مصر بالقول إنه “يراعي مصالح إثيوبيا واحتياجاتها للكهرباء، من دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية”.
وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد على تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل (55 مليار متر مكعب)، فيما تحصل السودان على 18.5 مليار. بينما تقول إثيوبيا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر.
وبشأن المقترح المصري، كشفت أديس أبابا بعض تفاصيل ما أسمتها “دراسة” وصلت إليها من القاهرة، وتشمل طلبًا بملء خزان السد على مدار سبع سنوات، دون تعقيب إثيوبي.
وقال مسؤول مصري سابق للأناضول، إن التوصل إلى اتفاق يحتاج لـ”فترة أطول”، وليس مؤكدًا أن يتم الشهر الجاري، مرجعًا أهمية وجود اتفاق حول الملء والتشغيل إلى تجاوز الآثار الجانبية المتوقعة للسد.
وهو ما ذهب إليه بروفيسور متخصص في الشؤون الإفريقية بقوله للأناضول، إن “من مصلحة الجميع الذهاب إلى اتفاق”، خاصة وأن الحل الوسط “يتفق مع سياسة صفر مشاكل، التي يتبناها رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد”.
وتهدف المفاوضات المتعثرة إلى التوصل إلى اتفاق مرضٍ وتفاهم مشترك بين جميع الأطراف، حول البنود والنقاط العالقة مثار الخلاف بشأن إدارة السد وسنوات التخزين والملء وأساليب تشغيل وإدارة بحيرة السد.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أعلنت القاهرة عدم توصل اجتماع ثلاثي مع أديس أبابا والخرطوم، عقد في إثيوبيا، إلى نتائج محددة بخصوص نتائج الدراسة المتعلقة بالسد.
ومنذ ذلك التاريخ، تتعثر الاجتماعات، ويتم تأجيل بعضها بطلب إثيوبي، ومنها الاجتماع المقبل، الذي كان مقررًا في أغسطس/ آب الماضي، قبل أن يتأجل.
وتقول أديس أبابا إن الطاقة الكهربائية التي سيولدها السد (منها 6000 ميغاوات داخليًا و2000 بيع للدول المجاورة) ستساعد في القضاء على الفقر، وتعزيز النهضة التنموية في البلد الإفريقي.
مقترح مصري
في 21 أغسطس الماضي، أعلنت مصر في بيان، عن تخوفها من استمرار “المفاوضات حول سد النهضة عبر مدة زمنية طويلة دون التوصل إلى اتفاق”، مع طلب أديس أبابا تأجيل اجتماع كان مقررًا آنذاك (منتظر الشهر الجاري).
وقالت القاهرة إنها قدمت “مقترحا فنيًا عادلاً يُراعي مصالح إثيوبيا واحتياجاتها للكهرباء من دون الإضرار بالمصالح المائية المصرية”، دون أن تكشف تفاصيل.
ودعت إلى “التوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء وتشغيل السد”، في اجتماع سداسي مرتقب مع أديس أبابا والخرطوم، منتصف سبتمبر الجاري (لم يتحدد مكانه).
وأعلن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيلشي بكلي، في 29 أغسطس الماضي، أن مصر تقدمت بدراسة طلبت ملء الخزان على مدار سبع سنوات، وأن إثيوبيا ردت بخطاب، من دون أن يذكر فحواه.
وشدد “بكلي” على استمرار العمل في السد، معلنًا أن التوربينات ستبدأ في توليد الطاقة بعد سنة وثلاثة أشهر، وفقًا للخطة الموضوعة، بحيث يكتمل بناء السد في 2023.
وأعلنت وزارة الري المصرية، في بيان، أن مصر أبلغت إثيوبيا والسودان برؤيتها لأسلوب الملء والتشغيل أثناء فترات الفيضان والجفاف، “وطبقًا لحالة الفيضان فى إطار تعاوني، وبما يحقق أهداف إثيوبيا، وأهمها التوليد المبكر للطاقة، من دون الإضرار الجسيم بالمصالح المائية المصرية”.
ويتوقع أن يصبح سد “النهضة” أحد أكبر الخزانات في القارة الإفريقية، ويسمح بتوليد حوالي 5200 ميغاوات من الطاقة في مرحلة أولى.
وبينما تحدثت مصر عن اجتماع سداسي مقبل، يضم وزراء الخارجية والري بجانب رؤساء المخابرات، قال “بكلي” إن وزراء المياه والري من الدول الثلاث سيناقشون القضايا المتعلقة بالسد في سبتمبر.
فترة أطول
رئيس المجلس العربى للمياه، محمود أبو زيد، قال إن “تجاوب إثيوبيا مع طلب مصر أمر غير مؤكد”.
وأضاف أبو زيد، وهو وزير المياه الأسبق بمصر، للأناضول، أن الوصول إلى اتفاق حول الملء والتشغيل “سيحتاج إلى فترة أطول”.
وشدد على أن “ملء خزان السد وتشغيله سيكون له آثاره، ولابد من اتفاق، وكلما زادت فترة الملء كلما كان التأثير أقل”.
ووقعت مصر وإثيوبيا والسودان، في مارس/ آذار 2015، اتفاقًا يتضمن 10 مبادئ أساسية، لحفظ الحقوق والمصالح المائية، والتعاون على أساس التفاهم والمنفعة المشتركة، وعدم التسبب بضرر لأي من الدول الثلاث.
ورغم تواصل الاجتماعات بشأن الدراسات الفنية حول بناء السد من وقت إلى آخر، إلا أنه لم يتم التوصل إلى حل يرضي الدول الثلاث.
حل وسط
ووفق حمدي عبد الرحمن، بروفيسور مصري متخصص بالدراسات الإفريقية، فإن “من مصلحة كل الأطراف الوصول إلى حل وسط، وهذا يتفق مع سياسة صفر مشاكل التي تبناها أبي أحمد”.
وتابع عبد الرحمن للأناضول: “التأجيل عمل متكرر من الجانب الإثيوبي، لكن الجديد هنا هو وجود دراسة مصرية بشأن التعاون في ملء وتشغيل الخزان الأول بعد اكتمال أول توربينين عام 2020”.
وأوضح أنه “لابد من الاتفاق كي يتمكن المكتب الفرنسي من استكمال دراساته المقرر لها عامًا، والخبرة السابقة والتأجيل المتكرر تجعل المراقب حذر”.
ورأى أن “إثيوبيا انتهجت منذ عام 2011 أسلوب الخداع الاستراتيجي لإكمال بناء السد العملاق”.
ولم تنجح الجهود المصرية، بحسب عبد الرحمن، من “خلال التفاوض في الوصول إلى اتفاق مشترك، وكان لدعم نظام (الرئيس السوداني السابق) عمر البشير، لقضية السد دورًا في عدم الاتفاق”.
واستطرد: “اليوم إثيوبيا ماضية في بناء السد، ومن المحتمل أن يكتمل في 2023”.
وأوضح أن “المشكلة اليوم تكمن في فترة ملء الخزان، حيث تريد إثيوبيا ثلاث سنوات، وتريد مصر من سبع إلى عشر سنوات، ومن مصلحة الجميع الوصول إلى حل وسط، وهو فترة الست أو سبع سنوات”.
وحول سيناريوهات مصر المتوقعة، اعتبر أنه “من غير المحتمل أن تلجأ مصر إلى الخيار العسكري المباشر بتدمير السد”.
وتابع: “الخيار الأفضل والمرجح هو حشد الدعم الدولي، ولاسيما الإفريقي، لإقناع إثيوبيا بقبول حل وسط بشأن فترة ملء الخزان”.
وختم بقوله: “في الوقت نفسه تلجأ مصر إلى ترشيد استخدام المياه، وتحلية مياه البحر، وإعادة توجيه مسارات النيل الأزرق، لتقليل الفاقد عن طريق التبخير، وذلك كله لتقليل الأضرار الناجمة عن سد النهضة”.
اضف تعليقا