يرجع بعض المؤرخين نشأة الدراما إلى العهد اليوناني حيث عبادة “ديونوسوس” والتي كانت أكثر العبادات اتّصالًا بالمسرح لأنّ طقوسها كانت تتضمن الكثير من الحركات التمثيلية، وتشمل على عواطف متضاربة.. ومنذ ذلك الحين تتطور الدراما إلى وصلت للعهد التليفزيوني، فتطور استخداماتها بدأ من الإمتاع للمشاهد وصولاً إلى التأثير في شخصية المشاهد وفي قراراته، وتشكيل وعيه، حتى أصبحت لا تؤثر عليه حاضراً فقط بل تؤثر في مستقبله أيضاً، إضافة لذلك أصبحت تؤثر بمجتمعات بعينها ككل، بل يمكن أن مجرد مشهد درامي في مسلسل أو فيلم يتخذ كعادة تصبح من أعراف المجتمعات.. وفي حالتنا هذه نتطرق إلى مسلسل الإختيار 3 الذي عرض في رمضان 2022 وهو يحكي عن آخر سويعات بحياة الرئيس الراحل “محمد مرسي” وكيف تصرف قائد الإنقلاب “عبد الفتاح السيسي” في ذلك التوقيت؟ لكن اللافت للنظر هو كيف طغت لمسات السيسي ومن ورائه المخابرات على هذا العمل التليفزيوني ؟!.

 

خلاف حول المسمى

تدور ماهية الدراما في أعمال التلفزيونية والمسرحية إلى كونها حبكة بين واقع وخيال خاصة في الأعمال التاريخية.. وهنا وجب علينا أن نقف أمام كلمة “التاريخية” حيث أن فعلاً الأحداث التي يدور حولها المسلسل في الماضي لكن من قام بها يعيش حتى اللحظة وهو على رأس السلطة فأين التاريخ هنا.. ليس ذلك فحسب بل إن الدراما تترك شيئا من خيال المشاهد يغرق فيها وهي ما تسبب له حالة الفضول والإمتاع في اللحظة نفسها.. وهذا ما لا نراه في الاختيار حيث أنه عبارة عن رواية واحدة من طرف واحد تقص بأحداث مرتبة أقرب إلى الأفلام الوثائقية وهنا تنتفي الدراما.. علاوة على ذلك فقد عمد صناع المسلسل إلى إقحام تسريبات تجمع الرئيس الراحل “محمد مرسي” والمقربين منه، في سعي منهم واضح لمحاولة فضحه وهذا درامياً مع فكرة الحبكة التي أشرنا إليها وتكرارها بكثرة جعل من المسلسل عمل أقرب ببرنامج تلفزيوني.. إذا بعد ما قدمنا هل هو مسلسل درامي أم فيلم وثائقي أم برنامج تلفزيوني؟! .. وهذا إن دل فهو يدل أن من قاموا على إخراج هذا المسلسل ليس لهم أي علاقة بالدراما أو أن لمسات السيسي طغت عليهم؟!.

 

استمرار التناقضات

أشرنا إلى بعض التناقضات في الحبكة الدرامية في مسلسل الاختيار 3، لكن أيضاً هناك تناقضات في سرد الأحداث وعدم توافق بعضها بعضاً، بيد أن نهاية الأحداث ليست غامضة فبعد انقلاب 3 يوليو اُعتقل الرئيس محمد مرسي في مكان مجهول حتى ظهر في المحكمة، ثم تعرض للقتل الممنهج هو وغيره الكثير من جماعة الإخوان المسلمين الذي يظهرهم المسلسل في موضع الأشرار، لكن في الحقيقة ظل الأخوان هما عدو السيسي الأول حتى يومنا هذا، إضافة لذلك فقد استغل المحامي “خالد على” بعض تسريبات المسلسل كحقيقة يستند عليها أمام المحكمة في الدفاع عن موكله الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والتي تظهر التسريبات أنه كان يمارس حياته السياسية بعيداً عن جماعة الأخوان، وبالتالي أصبحت التسريبات حجة لمن يعتقلهم السيسي وينكل بهم بحجة جماعة الإخوان المسلمين.

 

دور البطولة

عمد صناع المسلسل إلى إظهار السيسي في دور الفاعل الرئيس في كثير من الأحداث وهذا تناقض مع بعض التسريبات التي ظهر فيها السيسي في دور “الكاتب” فقط، علاوة على ذلك فهناك شخصية تم إهمالها من المسلسل كان لها دور فعال في الأحداث بشكل حقيقي ألا وهو الفريق سامي عنان والذي ترشح أمام السيسي من قبل في الانتخابات، ما جعل الأخير يستبق الأحداث ويعتقله حتى أفرج عنه مؤخراً، فكيف لعمل تاريخي أن يهمل أحد أهم أفراد الصراع في ذلك الوقت.

الخلاصة طغت لمسة السيسي على أحداث المسلسل درامياً وعمد إلى إظهار نفسه في دور البطل، وكذلك شرع في إخفاء الحقائق.. وهو ما فرغ العمل الدرامي من أي عامل من عوامل الدراما الناجحة؟!