رغم قضاء طالبان على زراعة الخشخاش في عام 2001، أصبحت أفغانستان مرة أخرى المصدر الرئيسي لإنتاج الهيروين العالمي بمرور عشرين عامًا من التدخل الأمريكي بهذا البلد.
هذا ما كشف عنه جان بيير فيليو، المؤرخ وأستاذ دراسات الشرق الأوسط، في مقال له بصحيفة “لوموند” الفرنسية، وذلك بالتزامن مع قرار جو بايدن، إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل.
وقال المؤرخ الفرنسي: كل شيء كتب بالفعل وبشكل جيد للغاية، حول مفارقة هذا الصراع، الذي أطلق العنان للإطاحة بطالبان، الحركة التي تتفاوض واشنطن معها الآن من أجل الانسحاب رغم الظروف غير المواتية.
وأضاف “على النقيض من ذلك، لم يتم إيلاء اهتمام كبير لحقيقة أن أفغانستان، حيث نجحت طالبان في حظر زراعة الخشخاش عام 2001، أصبحت مرة أخرى المصدر الرئيسي للهيروين العالمي خلال عشرين عامًا من التدخل الأمريكي”.
وأشار إلى أنه مع ارتباط 20 ٪ إلى 30 ٪ من الناتج القومي الإجمالي الأفغاني بالأفيون، فإن جمهورية كابول الإسلامية تعاني من نواح كثيرة من إنتاج المخدرات والاتجار بها (للمقارنة، 6 ٪ فقط من الناتج القومي الإجمالي الكولومبي مرتبط بالكوكايين في ذروة نشاطه نهاية القرن الماضي).
عودة رعاة الأفيون
ونوه بأن القائد الأعلى والزعيم الروحي لطالبان الملا عمر أصدر فتوى في يوليو/تموز 2000، تحظر الأفيون لأنه مخالف لتعاليم الإسلام، في محاولة عقيمة لكسر العزلة الدولية لنظام هذه الحركة، الذي كان معترف به فقط من قبل باكستان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وقد أدى القضاء على زراعة الخشخاش في جميع أنحاء أراضي طالبان، يؤكد المؤرخ الفرنسي، إلى وقف غير مسبوق للاتجار العالمي بالهيروين، غير أن هذا الحظر أضعف شعبية طالبان عند المزارعين، مما أسهم في سرعة سقوط الحركة في خريف عام 2001، أثناء الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على أفغانستان، ردًا على هجمات 11 سبتمبر/ أيلول.
ولفت جان بيير فيليو إلى أن أمراء الحرب الذين طردتهم طالبان عادوا مرة أخرى إلى إقطاعياتهم بلقب “حكام”، لا سيما في أكثر مقاطعتين إنتاجًا للأفيون هلمند في الجنوب وننكرهار في الشرق.
وبالرغم من تصريحات حامد كرزاي، الرئيس الذي نصبته واشنطن، عادت أفغانستان عام 2002 بإنتاج 3400 طن من الأفيون بمستوى يعادل ما كانت تنتجه عام 2000، حيث يزرع الخشخاش في الخريف ويحصد في الربيع.
حاج عبد القادر، والي ننجرهار، تعهد بالقضاء على المخدرات، لكنه اغتيل في وضح النهار بكابول في يوليو/ تموز 2002، كما أن نظيره في هلمند، شير محمد أخونزاده، كان على صلة بالمهربين وكلفه اكتشاف تسعة أطنان من الأفيون في مقر إقامته في ديسمبر/ كانون أول 2005، منصبه.
وفي ذلك الوقت، بقي شقيقه نائبا لحاكم الإقليم، بينما انتقم أخونزاده من خلال نقل ثلاثة آلاف من رجال ميليشياته إلى طالبان.
أما اللواء داود، نائب وزير الداخلية، المكلف بمكافحة المخدرات من 2004 إلى 2010، فهو يستهدف بالدرجة الأولى الشبكات التي تتنافس مع من يحمونهم، كذلك أحمد والي كرزاي، شقيق رئيس الدولة، متهم علنا بالتواطؤ في تهريب المخدرات بجنوب البلاد.
في مثل هذه البيئة، لم تشهد حملات الاستئصال التي أطلقها حلف شمال الأطلسي “ناتو”، سوى نجاحات قصيرة العمر، ففي عام 2006، اعتبر مدير وكالة المخدرات التابعة للأمم المتحدة أن “أفغانستان تنتقل من اقتصاد المخدرات إلى دولة المخدرات”، وفي العام التالي، تم إنتاج 8200 طن من الأفيون بهذه البلد، مصدر 90 ٪ من الهيروين في العالم.
أمريكا والهيروين الأفغاني
وبحسب المؤرخ الفرنسي يأتي الهيروين المباع في السوق الأمريكية بشكل أساسي من المكسيك، في حين أن المخدرات المنتجة والمكررة في أفغانستان هي التي تعيث فسادا بأوروبا، فعلى سبيل المثال يوجد في فرنسا فقط أكثر من 150 ألف مدمن على الهيروين.
وتابع “هشاشة الولايات المتحدة هذه أمام تهديد المخدرات الأفغانية تعني أن خطاب (الحرب على المخدرات)، الذي كان رائجًا خلال فترتي جورج دبليو بوش، قد تخلى عنه باراك أوباما في أفغانستان.
ويؤكد أنه في المقابل، تم تصوير تمرد طالبان على أنه “حرب عصابات المخدرات”، كما لو كانوا هم السبب الرئيسي لإنتاج المخدرات في البلاد، مع أنه من المسلم به أن الحركة تفرض ضرائب على زراعة الخشخاش ومختبرات الهيروين وتهريب المخدرات منذ قيادة الملا عمر (ثم بعد وفاته في عام 2013، تحت قيادة أختر منصور، الذي قُتل في عام 2016، وهيبة الله أخونزاده).
لكن وفقًا للأمم المتحدة، فإن الدخل الذي يجنيه هؤلاء من المخدرات يمثل 5٪ فقط من المبلغ الإجمالي الذي عليه المهربون، المرتبطون غالبًا بالسلطات، أي 80٪، و15٪ للمزارعين.
في عام 2017، حطمت أفغانستان رقماً قياسياً جديداً ومحزناً، بإنتاج 9000 طن من الأفيون، ويعترف أشرف غني، الذي خلف كرزاي قبل ذلك بثلاث سنوات في انتخابات متنازع عليها بشدة، بعجزه تجاه هذه الظاهرة، ليقرر دونالد ترامب إطلاق عملية “العاصفة الحديدية”، التي تم خلالها قصف العشرات من معامل لأفيون والهيروين في مناطق طالبان بواسطة طائرات B52s و Raptor بدون طيار
وتقول واشنطن إن الحملة المكلفة للغاية، التي تم تعليقها بعد عام فقط، حرمت طالبان من 20٪ من عائداتها المتعلقة بالمخدرات، وهو ما يعادل 1٪ فقط من تجارة المخدرات في البلاد.
غير أن جان بيير فيليو يؤكد على أنه في الحقيقة غني، الذي زعزع استقراره بدء المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وطالبان في الدوحة عام 2018، لم يكن أبدًا ضعيفًا جدًا ضد رعاة الأفيون.
وختتم مقاله بالقول “إذا كانت التريليون دولار التي انفقتها واشنطن في أفغانستان لم تمنع طالبان من أن تكون في موقع قوة اليوم، فإن عشرات المليارات من الدولارات التي أنفقت في مكافحة المخدرات بالكاد أبطأت أسوأ الدول إنتاجا للمخدرات في العالم، وهو درس يجب أن نتأمله خلال تقييم عشرين عامًا من التدخل الأمريكي في أفغانستان”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: أفغانستان.. بايدن يبحث عن حل لهدية ترامب المسمومة
اضف تعليقا