العدسة: محمد العربي

فجر فستان الممثلة المصرية رانيا يوسف موجة من الغضب، غابت منذ فترة عن الساحة الفنية بمصر، بل إن الفستان الأزمة أحيا ذكر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي عقد مؤخرا في ظل غياب أي اهتمام جماهيري ملحوظ به.

ردود الأفعال التي صاحبت أزمة الفستان، تنوعت بين الرفض الصارم والقبول المطلق، بينما وقف فريق ثالث بين الطرفين، يطلق صرخة إنذار عما بعد الفستان، محذرا في الوقت نفسه بعدم منح الموضوع أكثر مما يستحق لأن بمصر ما يستحق ما هو أكثر من ذلك.

إلا أن الفستان الأزمة كشف عن أزمة أخرى شهدتها المهرجانات الفنية والسينمائية التي عقدت بمصر مؤخرا، بدءً من مهرجان الجونة الثاني الذي نظمه رجل الأعمال نجيب ساويرس في سبتمبر الماضي، والذي فتح الباب للتعري بحجة الإطلالة على السجادة الحمراء، ثم مهرجان مبدعات الإعلام العربي بمدينة الإسماعيلية، وأخيرا المهرجان الأهم والمصنف دوليا وهو مهرجان القاهرة السينمائي.

القصة ليست فستان

القصة ليست في الفستان الفضيحة، كما يرى المتابعون، حيث شهد حفل الافتتاح سلسلة من الإطلالات الفاضحة لممثلات وراقصات الوسط الفني بمصر، على رأسهم فيفي عبده وشيرين رضا، إلا أن الأمور لم تصل لحد التعري الكامل كما جاء في إطلالة رانيا.

ويشير المتابعون إلى أن الفستان عكس الحالة العامة التي تعيشها الحياة الفنية بمصر، فالمسلسلات والأعمال الدرامية، التي يتم إنتاجها منذ سنوات بها مشاهد أكثر فجرا من فستان رانيا، وهو ما يشير إلى أن صناع السينما والفن بمصر، يخططون منذ سنوات لخلق جيل من الممثلين والممثلات والعاملين في مجال السينما والدراما، لترسيخ فكرة أن مصر تحررت من القيود والقيم الأخلاقية، بعد انقلاب يوليو 2013، وأنها تمضي في طريقها نحو العلمانية بحجة الحرية.

ويستدل المتابعون بتصريحات سابقة لحلمي النمنم وزير الثقافة الأسبق والذي أكد أن مصر دولة علمانية، ولن تكون إسلامية في يوم من الأيام، مطالبا في الوقت نفسه بثورة دستورية لإلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع.

 مصر التي تعرت

ويعكس المقال الذي كتبه الباحث السياسي  فراج إسماعيل، هذه الحالة التي سبق الإشارة إليها، حيث لم يعر الفستان رانيا وحدها بل عرى فئات كثيرة في مجتمعنا، كما عرى نخبة فاقدة للوعي وغارقة حتى أذنيها في نقد مؤسسة حظيت طوال تاريخها بالوقار والاحترام والتقدير، في إشارة لمؤسسة الأزهر الشريف، مؤكدا أن رانيا لو ارتدت هذا الفستان في أي بلد آخر، كانت الجهات المسئولة سوف تتدخل لتمنعها وربما تحتجزها، لأنه استهتار بالآداب العامة وفعل فاضح ووقاحة.

ويتساءل المقال عن الذي حمل ممثلة متوسطة الإمكانيات الفنية وقليلة الموهبة وربع معروفة لأن ترتدي فستانا يظهر معظم جسدها، وهل هو كما أوحت في بيانها الاعتذاري، اجتهاد من مصممي الأزياء وبيوت الموضة، ليتناسب مع مهرجان دولي؟!

ويشير المقال أن المفاجأة في أن البعض يقلل من بشاعة ما فعلته، مثل رجل الأعمال نجيب ساويرس الذي سخر من غضب الرأي العام ومن تحويلها إلى المحاكمة. فهل تهاجم النخبة شيخ الأزهر لأنه يدافع عن السنة ويدفع عنها الذين يريدون نسفها، ثم تصمت في المقابل عن هدم الأخلاق والقيم الراسخة والمتجذرة داخل المجتمع المصري، بل المجتمعات العربية والإسلامية التي تراقبنا وتتلقى عنا!

وينهي الكاتب تأكيده بأن الفن كان إحدى القوى الناعمة لمصر المؤثرة عربيا، لكنه وقف وقفة مضادة لثورة يناير، واعتبرها مؤامرة. ولعب دورا كبيرا في استعادة الاستبداد، وها هو يقدم لنا عبر إحدى المنتسبات إليه نموذجا سيئا للبديل القائم على التحرر الأخلاقي والقيمي والمساواة في الميراث.. إلى آخر المبادئ الجديدة التي تطالعنا هذه الأيام في زحمة الهجوم على ثوابت الدين والأزهر.

انهيار وسط كامل

يشير المتابعون للوسط الفني بمصر أنه يشهد ما يمكن تسميته انهيارا أخلاقيا متزايدا، وأن المدافعين عن فستان رانيا، إنما كانوا يدافعون عن أنفسهم، وعن الحالة الأخلاقية المتردية التي وصلوا إليها، وهو ما كشفته الفنانة والمطربة بوسي، والتي قالت بشكل واضح أن الوسط الفني أصبح مليئًا بأصحاب الميول الجنسية الشاذة، وأنها تتعامل معهم بشكل طبيعيّ، لأنّ ذلك يعتبر حرية شخصية، ولا يحقّ لها التدخّل في أفكار الناس وآرائهم.

وأوضحت “بوسي”، خلال حوارها في برنامج “تحت السيطرة” على قناة “الجديد” قائلة: “قناعتي أنها حرية شخصية، ولن أتدخل في شخصهم فليس لي الحق بذلك، ولا أجد مانع من التعامل معهم طالما أنه لا يوجد إحراج لي أو ما يعرضني للأذى، فكل منا يهتم بإنجاز عمله فقط”.

وهو نفس ما سبق وأن اعترفت به المخرجة المثيرة للجدل إيناس الدغيدي والتي أكدت في حوار على فضائية الحياة المصرية أن أصدقاءها المثليين معظمهم من الوسط الفني بمصر.

ويشير المتابعون أن فستان رانيا، لم يكن إلا سببا في حالة الغضب التي تعكسها الحالة المتردية للوسط الفني بمصر، والذي من المفترض أنه يمثل واحدا من أهم القوي الناعمة بمصر.

حرب أخرى

ويرى مختصون بالتطور الاجتماعي والسياسي بمصر أن الفستان الفضيحة، يعكس حالة الصدام الذي يقوده نظام السيسي ضد المؤسسات والقيم الإسلامية، حيث تزامنت أزمة الفستان مع الحملة الشرسة التي يشنها مقربون من السيسي ضد مؤسسة الأزهر الشريف، وشيخه وهيئة علمائه لموقفهم الصارم من تجديد الخطاب الديني، الذي يراه السيسي واحدا من أهم الملفات التي تضمن بقاءه واستمراره، وأن حملة الدفاع التي تبناها بعض الكتاب والسياسيين والممثلين عن فستان رانيا ليست موجهة فقط ضد الأزهر وشيخه، وإنما ضد منظومة القيم الإسلامية بشكل عام، وهو ما يؤكده بيان أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية في تعليقه على أزمة الفستان، والذي رغم رفضه لإطلالة الفساتين المثيرة والفاضحة، إلا أنه اعتبر ما يقدموه يأتي ضمن الحرب على الإرهاب التي يشنها النظام السياسي.

ويشير المتخصصون أن السيسي كان واضحا منذ اليوم الأول لانقلابه بأن الإطاحة بالرئيس محمد مرسي لم يكن لفشله وإنما لأنه أراد إحياء المشروع الإسلامي، وهو ما كان يقلق الآخرين.

ويرى نفس الفريق أن الذين انتقدوا كلمة شيخ الأزهر الأخيرة أمام السيسي أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوي والذي حذر فيه من الدعوات المنادية لهدم السنة، هم نفس الأشخاص الذين دافعوا عن فستان رانيا، وأكدوا أن الموضوع مرفوض ولكنه لا يحتاج لكل هذا التشهير، واعتبروا أن القضية ليس لها علاقة بقيم المجتمع وإنما بحرية الفكر والإبداع.

وتشير العديد من التحليلات أن أزمة الفستان، وغيرها من الأزمات التي يعج بها الإعلام المصري مثل هزيمة فريق النادي الأهلي، أو أزمات شيوخ الفضائيات، هي قضايا يتم استغلالها لإلهاء المجتمع عن المخطط الأهم الذي يديره السيسي من أجل إنجاز التعديلات الدستورية التي تمكنه من الاستمرار في الحكم، رغم الانهيار الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه مصر مؤخرا.