“الأرض المسروقة” و”الأبارتايد” و”التطهير العرقي” و”جرائم حرب”، مصطلحات اقتحمت وسائل الإعلام العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، واستخدمها نواب في الكونغرس وإعلاميون وحقوقيون ومشاهير في الساحة الأمريكية، ضد ما فعله الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة والضفة الغربية وغزة.

لم تكن جولة الحرب الأخيرة كسابقاتها، فلطالما كانت تنتصر دولة الاحتلال في الصراع الإعلامي، لا سيما في الإعلام العالمي، وتتمكن من تشكيل سردية خاصة بها تعبر عن وجهة نظر إسرائيل في الصراع، حيث تصور نفسها على أنها المظلومة التي تتعرض لهجوم من مجموعات الإرهابيين، وبالتالي فإن حقها المشروع هو الدفاع عن نفسها.

لكن هذه المرة كان الوضع مختلفًا، فقد حقق الفلسطينيون نجاحًا أكبر بكثير، من خلال انتشارهم وتكثيف تواجدهم ومناصريهم على منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما خلق سردية فلسطينية انتشرت بشكل كبير، ما يعني أن الميزة التي كانت تملكها إسرائيل تآكلت، بحسب مراقبين.

 

وسائل التواصل الاجتماعي..

 

وتمكن الفلسطينيون ومناصروهم من بث قصصهم دون “فلترة” وسائل الإعلام المنحازة بشدة ضدهم، حيث إن العالم بدلا من أن يقرأ نصوصا مضبوطة ومخرجة من غرفة تحرير أخبار لها توجهاتها، فقد شاهدوا القصف والدمار في غزة على منصات أخرى.

وبالرغم من تضييق بعض وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك على الرواية الفلسطينية، إلا أن السردية انتشرت نجحت.

وكان لمنصات مثل تيك توك وتليغرام، وكذلك انستجرام، دور فاعل للغاية في نشر الرواية والسردية الفلسطينية، حيث أوصل المناصرون للقضية الفلسطينية فيديوهات القصف الصهيوني على غزة وصور جثث الشهداء إلى شرائح واسعة إلى كافة دول العالم من خلال هذه المنصات.

وهو ما يعني أن الأمر لم يعد مركزيًا كما سبق، فالمنصات سمحت للفلسطينيين وقصصهم بالظهور أثناء الأزمة، بينما أضعفت الاحتكار المعتاد الذي تتمتع به الحكومة الإسرائيلية للرسائل الإعلامية.

والأمر لم يقتصر على نشر مقاطع القصف والدمار فقط، بل انتشرت كذلك فيديوهات تعريفية بأصل القضية، وعمل الفلسطينيون ومعهم العرب والمسلمون جميعًا على نشر أصل القضية بالعديد من لغات العالم، وتناولت مقاطع مختلفة قصة حي الشيخ جراح، وكذلك الاحتلال لشرق القدس وكيف أن ذلك مخالفٌ للقوانين والقرارات الدولية، فضلًا عن التذكير والتعريف ببداية الاحتلال ووعد بلفور والعصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين في فترة الانتداب البريطاني.

كما انطلقت العديد من التحديات على “تيك توك” تستهزئ بالاحتلال، والتي وسعت نطاق من تصلهم المعلومة.

 

 

برامج تلفزيونية عالمية..

 

“عندما شاهدت تلك الليلة جون أوليفر، علمت أنه تم استغفالنا وجن جنوني”، هذا ما قاله جيفري سالكين وهو حاخام من مدينة هوليوود في ولاية فلوريدا، في تعليقه على حلقة الإعلامي البريطاني جون أوليفر في برنامجه المشهور الذي يتابعه أسبوعيا 4 ملايين شخص “ذا لاست نايت”.

أوليفر تجاوز الخطوط التي ظن البعض لزمن بعيد أنها خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، حيث خرج أوليفر ليصف دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها “دولة الفصل العنصري”، كما انتقد حجم العدوان العسكري الضخم على قطاع غزة، وخرج مستهزئا بسلوك الجيش الإسرائيلي، سواء بتصريح قادته أو حتى منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي.

أما تريفور نواه الذي يقدم برنامج “ذا ديلي شو” المعروف، فقد خرج بتسجيل على صفحة البرنامج على إنستغرام يُقارن بين عدد شهداء الفلسطينيين وقتلى الإسرائيليين، مشيرًا إلى أنّ عدد الشهداء الفلسطينيين أكثر بكثير من عدد القتلى الإسرائيليين، ويوضح أنّ تبادل النيران بين إسرائيل وفصائل المقاومة حدث بعد هجوم الإسرائيليين على المسجد الأقصى، والذي نتج عنه إصابة نحو 600 فلسطيني، وقال: “شخصيا، لا يمكنني مشاهدة هذه الصور وقراءة تلك الأعداد، وأعتبر ـ في الوقت نفسه ـ أن هذا قتال عادل”.

ولم يكن من المعهود ارتفاع سقف انتقاد إسرائيل إلى هذه الدرجة في البرامج الأمريكية. وبالتالي، فإن الحرب هذه المرة قد أكسبت القضية الفلسطينية زخمًا وبعدًا آخر لم يكن موجودًا من قبل، وفي نفس الوقت خصمت من الرواية الإسرائيلية كثيرًا، ولا شك أن أي حرب ستشنها إسرائيل لاحقًا ستعاني خلالها من الرواية الفلسطينية التي بدأت تنتشر على نطاقات واسعة في الغرب أمريكا كذلك.

 

تضامن المشاهير والشخصيات العامة..

 

إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي والبرامج التلفزيونية،  فقد شهدت الحرب الأخيرة تضامنًا واسعًا غير مسبوق تجاه الفلسطينيين من قبل مشاهير هوليوود وعارضات أزياء ولاعبي كرة قدم وكرة سلة.

أحد أبرز المتفاعلين مع القضية كان مارك روفالو، الذي دعا إلى وقف ما يحدث ومنح “الفلسطينيين حقوقا مدنية كاملة ومتساوية”.

كما أعلنت الممثلة سوزان ساراندون عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني “الذي يواجِه تطهيراً عرقيا وترهيبا من الحكومة الإسرائيلية ومنظّمات المستوطنين اليهود”.

وليس ببعيد التفاعل الكبير من عارضتي الأزياء بيلا وجيجي حديد اللتان كرستا بالفعل أغلب حساباتهم على منصات تواصل الاجتماعي للحديث عن العدوان، فيما كان أبرز الداعمين من كرة القدم بول بوجبا، فضلا عن لاعب السلة المعروف كيري إرفينغ.

 

يقول مراقبون إن الضغط الشعبي العام في العالم، ونشر الرواية الفلسطينية، شكل مرحلة جديدة من الحرب الإعلامية في القضية الفلسطينية، ويرى معظم الخبراء أن إسرائيل من المرجح أن تستمر في خسارة حرب الروايات، حيث قال بروكينغ: “بيئة المعلومات الأكثر تعقيدًا هذه ستعمل خصمًا من حساب إسرائيل”.