تحكُّم “دولة ما” في جيش دولة أخرى، ليس أمرًا سهلًا ولا عاديًا، وعادة لا تتحقق تلك السيطرة إلا عن طريق الاحتلال العسكري وبسط النفوذ الكامل على مقدرات تلك الدولة.
لكن دولة “الإمارات العربية” اتخذت طريقا مختلفا للسيطرة على القوات المسلحة المصرية مكنتها خلال سنوات قليلة من بسط نفوذها على مقدرات الجيش، والتحكم في قراراته وقدراته العسكرية والقتالية والاقتصادية.
الخطة الإماراتية جعلت الجيش المصري على مدار 4 سنوات من حكم السيسي، ككتاب مفتوح للإمارات، يحضر شيوخ الإمارات وحكامه العروض العسكرية، ويشهدون افتتاح المعسكرات القتالية، ويُصعِّدون من يشاءون وينحّون من يشاءون، الأمر الذي أثار استغراب وتساؤل الكثيرين، هل أصبح الجيش المصري في عهد الجنرال عبد الفتاح السيسي، جيش الإمارات؟
العدسة ومن خلال التقرير التالي ترصد علاقة القوات المسلحة المصرية بالإمارات، منذ قيام الثورة المصرية عام 2011، ومرورًا بفوز أول رئيس مدني منتخب في مصر بعد الثورة، الرئيس محمد مرسي، وانتهاءً بانقلاب الجيش عليه ودور الإمارات في دعم هذا الانقلاب، ثم سيطرة الإمارات على الجيش خلال فترة حكم الجنرال عبد الفتاح السيسي.
الجيش وحرب الخليج
دائمًا ما كانت تعول دول الخليج على قوة الجيش المصري وبقائه في صفها من أجل الاستعانة به في وقت الحاجة، كما حدث في حرب الخليج عام 1990، إلا أن طبيعة علاقة الجيش بالخليج في عهد مبارك كانت عبر وسيط سياسي يتمثل في مبارك وكبار مساعديه.
ولم يكن للجيش علاقة مباشرة مع حكام الخليج، كما أن استثمارات القوات المسلحة وقوتها الاقتصادية كانت مستترة بغطاء سياسي أيضًا طوال فترة مبارك، وظل الوضع هكذا إلى أن جاءت ثورة 25 يناير وتولت القوات المسلحة شؤون الحكم في مصر خلفًا لمبارك.
عمدت دول الخليج إلى التواصل مع القوات المسلحة، ومساومتها على تدفقات دولارية تضخ في الاحتياطي النقدي المصري، ودعم اقتصادي كبير مقابل أن توقف إجراءات محاكمات مبارك ورموز دولته، وذلك حرصًا منهم على وقف تمدد الثورة المصرية ومحاولة منهم لإحباطها وإشعال ثورة مضادة في مواجهتها.
استجاب المجلس العسكري لضغوط الخليج، وضخت المساعدات الإماراتية والخليجية في خزانة القوات المسلحة، وخزانة الدولة، خلال عام ونصف من حكم المجلس العسكري للبلاد.
دعم الانقلاب على مرسي
ومع وصول محمد مرسي كأول رئيس منتخب في مصر بعد الثورة، بدأ مرسي في رسم وضع جديد لمصر في الخريطة الإقليمية والدولية وحاول استعادة الدور المصري في المحيط العربي دون وصاية أو توجيه من أحد، وفي مقدمة ذلك الجيش المصري، حيث حاول مرسي تنحيته عن إدارة المشهد في مصر وعودته لثكناته لكن الأمر لم يدم طويلا.
ومع تغيير السيسي للقيادات العسكرية الأولى في الجيش، سارعت دولة الإمارات ودول الخليج، في التحالف مع القيادات الجديدة للجيش المصري، فتواصلت من الباطن مع “عبد الفتاح السيسي الذي كان يتولى وقتها منصب وزير الدفاع، وكذلك مع صدقي صبحي رئيس الأركان في هذا التوقيت.
تلاقت رغبة عسكر مصر في التخلص من حكم “مرسي الذي كان يمثل الثورة” مع رغبة الخليجيين والإماراتيين على وجه التحديد في التخلص من حكم “الإخوان المسلمين” الذي نظرت إليه الإمارات أنه قوة صاعدة، يجب تحجيمها واستئصال شأفتها من جذورها في مصر.
في نهايات عام 2012، بدأت الإمارات تستدعي “صدقي صبحي – رئيس الأركان في هذا التوقيت” للتخطيط معه للتخلص من ّ”حكم مرسي” بتحالف سياسي تدعمه الإمارات إعلاميا وماديا، ولمعته بحركة شبابية أطلقت عليها حركة “تمرد”.
ووفقا لما كشفه “محمود رفعت” المتحدث السابق باسم حملة “سامي عنان” فقد خرج أول شيك لدعم حملة تمرد ممهورًا بختم “سلطان الجاسم- وهو ضابط استخبارات إماراتي يتولى ملف الإعلام” وتلقى هذا الشيك صدقي صبحي رئيس الأركان في هذا التوقيت.
بدأت الإمارات في ضخ أموال ضخمة في خزانات العسكريين للتخطيط للانقلاب على “مرسي” وبسط النفوذ الإمارات على مقدرات الجيش المصري.
مليارات إماراتية في خزانة العسكر
بعد الإطاحة بـ”مرسي” في انقلاب 3 يوليو، شعرت الإمارات أن لها اليد الطولى في عزل مرسي، وشعر المجلس العسكري بالحاجة الشديدة إلى الدعم السياسي والعسكري، فأغدقت عليه الإمارات عطاياها، وضخت مليارات الدولارات كان يفترض أنها ستذهب لخزانة الدولة إلا أنها سرعان ما كانت تدخل في حسابات بنكية خاصة بالقوات المسلحة، بحسب تسريبات نشرتها قنوات مصرية مناهضة لنظام السيسي.
وبعد عام من الانقلاب على مرسي خططت الإمارات للإتيان بالسيسي رئيسا للبلاد، بحسب تسريبات بثتها قنوات فضائية معارضة، فسخرت الإمارات أبواقها الإعلامية لدعم السيسي، وسلطت اللوبي الإماراتي في أوربا للتسويق لـ 30 يونيو، وإقناع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بأن تحركات الجيش في يوليو 2013، كانت لدعم ثورة 30 يوليو وليس للقيام بانقلاب عسكري.
ومع قدومه على رأس السطلة في يونيو 2014 حاول السيسي أن يقوم بتطوير الترسانة العسكرية للجيش المصري، معتمدًا على رغبة دول الخليج في ذلك من أجل الهيمنة على القرار في مصر من خلال تمويل تلك الصفقات.
وحرص السيسي في كل مناسبة على التأكيد أن أمن الخليج هو من أمن مصر، كما حرص دائما وأبدا على تقديم خالص شكره للخليجيين بشكل عام وللإماراتيين بشكل خاص على وقوفهم بجانب مصر– في إشارة للوقوف بجانبه هو شخصيًا وتقديم يد العون له.
صفقات تسليح إماراتية
لم يتوقف الدعم الإماراتي للجيش المصري عند حد الدعم المالي في خزائن القوات المسلحة، لكن الإمارات عرضت على السيسي تمويل صفقات أسلحة للجيش المصري تكون الإمارات وسيطًا فيها، حيث قامت الإمارات بتمويل صفقات الرافال الفرنسية وكذلك صفقات حاملة المروحيات المستيرال التي دخلت الخدمة في مصر يونيو 2016، وهو ما أكده السيسي في إحدى خطاباته، حينما قال: إن صفقاته المتعددة لتسليح الجيش المصري ﻻ تتحمل فاتورتها القاهرة وحدها.
وفي يناير 2015 ذكر موقع “ديفنس نيوز”، المتخصص في الشؤون العسكرية، أن دولة الإمارات، قدمت لمصر عددًا غير معلوم من الطائرات العسكرية من طراز ميراج خلال عام 2014، في إطار الصفقة التي أبرمتها الدولة الخليجية مع فرنسا، والتي تضمنت شراء 40 مقاتلة جديدة من نوعية رافال، إضافة إلى تجديد أسطولها من طائرات الميراج.
وأوضح الموقع المتخصص في الشؤون العسكرية أنَّ الإمارات لديها حوالي 36 طائرة من طراز ميراج منذ ثمانينيات القرن الماضي، تم تجديد حوالي 30 طائرة منها، حيث تم رفع مستواها بصورة كبيرة لتضاهي كفاءتها الطائرات الحديثة من قبل أحد شركات الطيران الفرنسية.
وفي فبراير 2018، كشفت مصادر عسكرية أن دولة الإمارات باتت تعزز تواجدها العسكري داخل قاعدة محمد نجيب العسكرية شمال غربي مصر، حيث قامت بإرسال طائرات من طراز “إف-18”
ووفقا لـصحيفة “الخليج الجديد” فإن الخطوة تمت بشكل غير معلن، وبتوافق بين «عبدالفتاح السيسي» وولي عهد أبو ظبي «محمد بن زايد»، عقب مباحثاتهما في العاصمة الإماراتية “أبو ظبي”.
بزنس مع الجيش
من ضمن عمليات إحكام السيطرة على الجيش في مصر من قبل دولة الإمارات هو التوسع في الاستثمار مع الجيش من خلال شركات إماراتية تعقد صفقات مباشرة مع جهاز الخدمات الوطنية التابعة للقوات المسلحة أو الهيئة الهندسية التابعة لها.
ويرى مراقبون أن أحد أهم مسارات السيطرة الإماراتية على القوات المسلحة المصرية، هي تلك الصفقات التي تعقدها بين الحين والآخر، بين الشركات الإماراتية وبين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة الهندسية التابعتين للقوات المسلحة.
ومؤخرا، وقعت شركة “ماجد الفطيم” الإماراتية اتفاق تعاون مع وزارة الاستثمار والتعاون الدولي وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية لإنشاء مائة متجر للتجزئة تحت العلامة التجارية كارفور بنظام المناطق الاستثمارية في عدة محافظات.
وأواخر العام الماضي، وُقعت مذكرة تفاهم بين مجموعة شركات القاسمي الإماراتية والشركة الوطنية لاستثمارات سيناء لإقامة مجموعة من المشروعات الاستثمارية في سيناء.
كما وقعت الهيئة الهندسة للقوات المسلحة وقتها عقب وصول السيسي لسدة الحكم مباشرة، بروتوكول تعاون مع شركة “أرابتك” الإماراتية لإنشاء مليون وحدة سكنية خلال السنوات الخمس التي أعقبت الانقلاب، إلا أن الصفقة لم تتم.
أيضا فقد أعلنت الهيئة الهندسية بين عامي 2015 و2016 عن التعاون مع الجانب الإماراتي في إنشاء وحدات سكنية نموذجية وعشرات المدارس والمراكز الطبية والساحات الرياضية والمحلات التجارية والمخابز ونقاط الشرطة ونقاط الإطفاء في 17 محافظة، وكذلك صوامع الغلال وغير ذلك من الاستثمارات المختلفة.
وأخيرًا.. الجيش يحارب الوكالة عن الإمارات
ولأن الإمارات لم تدفع كل تلك الأموال من أجل “عيون السيسي” ولا من أجل القوات المسلحة المصرية، فكان من الطبيعي أن تحصد مقابل ما قدمت، وهو ما تمثل في أن أصبح القرار العسكري للجيش المصري في يد “أبو ظبي” وليس في يد القاهرة، حيث أًصبحت الإمارات هي الآمر الناهي في القوات المسلحة المصرية وليس السيسي.
وباتت القوات المصرية تقوم بعمليات عسكرية في الزمان والمكان الذي تحدده دولة الإمارات، بصورة جعلت الكثيرين يؤكدون أن القوات المسلحة المصرية أصبحت كقوات حرب بالوكالة في يد الإمارات.
فعلى سبيل المثال شن الطيران المصري غارات عديدة في دولة “ليبيا” ضد مواقع تابعة للفصائل الإسلامية المناوئة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي تدعمه الإمارات بقوة في ليبيا على حساب الفصائل الأخرى 13 بأوامر إماراتية.
وفي يوليو الماضي، شارك «بن زايد»، و«حفتر» إلى جانب «السيسي»، في حفل افتتاح القاعدة، ما اعتبر دلالة وقتها على دور بارز مستقبلا للقاعدة المصرية الجديدة في العمليات العسكرية في ليبيا، التي تعد مقرًا إقليميًا لاستقبال قوات عربية لتنفيذ تدريبات ومناورات مشتركة.
وفعليًا يوفر الجيش المصري، خدمات التدريب والدعم اللوجستي لقوات «حفتر» المرابطة شرقي ليبيا. وفي وقت سابق نفذت تشكيلاته الجوية عمليات قصف لمواقع تتبع معارضيه في «درنة» و«بنغازي»، ما يعني أن قاعدة «نجيب» باتت فِناءً خلفيًّا لقوات الجنرال الليبي، تستهدف تعزيز نفوذه على الأرض، وتأمين منطقة الهلال النفطي شرقي ليبيا.
كما تشارك القوات المسلحة المصرية في الحرب على الحوثيين في ليبيا بطلب وأمر من دولة “الإمارات” استرضاء لشقيقتها الخليجية “السعودية”.
كما تقوم قطع بحرية مصرية بعمليات في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب تحت مبرر تأمين الملاحة في قناة السويس خوفاً من سيطرة الحوثيين على الممر، ومن ثم تأثر قناة السويس بشكل مباشر لكن ثمة من يرى دورًا مصريًا آخر في دعم القوات الإماراتية التي تقاتل في اليمن، وخاصة في عدن القريبة من تحركات القطع البحرية المصرية.
أيضا يقوم الجيش المصري بعملية تهجير وإخلاء لسكان منطقة رفح والعريش الحدودية بهدف إخلاء تلك المنطقة من السكان وإبرام صفقة القرن التي تهدف لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهي الصفقة التي خطط لها الرئيس الأمريكي ترامب، وتنفذها كل من “مصر والسعودية والإمارات”.
اضف تعليقا