منذ أكثر من ثلاث أسابيع استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وأشاد سعيد حينئذ بقائد الإنقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي مدعياً أنه أنقذ مصر سياسياً وصنع نهضة عمرانية وتنموية، وأن السيسي قد اختصر مسافات في التاريخ والزمن، والحقيقة أن بين قيس والسيسي متشابهات عديدة فليس من العجب أن يشيد ديكتاتور بمثله، ولا أن يفتخر أحد الفشلة بفشل أحد قرنائه، فكما وضع السيسي مصر على حافة الهاوية وأثقلها بالديون والقروض ولم ينجح إلا في صناعة الكباري، فقد وضع قيس سعيد تونس على الهاوية ذاتها، ودمر تونس سياسياً وحاول الانفراد بحكمه وأصبحت تونس قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس في عهده.. فكيف وضع قيس تونس على حافة الخراب والهاوية والإفلاس. 

حالة ترقب دائمة 

أدت السياسات التي اتبعها قيس سعيد إلى وضع تونس في حالة ترقب دائم، فقد قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن إصرار “سعيد” على فرض تغيير في المؤسسات عن طريق الاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز المقبل يغرق البلاد في حالة من الترقب، ويعني بدء العد التنازلي لمرحلة من المخاطر العالية في البلاد، ولذلك فإن قيس سعيد يعد مبتدئ في السياسة ومع ذلك فهو يعادي الأحزاب السياسية في تونس ويحاط بدائرة ضيقة من المؤيدين المخلصين، الذين قاموا بإيهامه أنه يجسد رأي الشعب بمجرد أنه فاز بالانتخابات، إضافة لذلك فقد أشارت الصحيفة أن قيس سعيد لا يلقي بالا لما أقره التحول الديمقراطي بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من اعتماد دستور يقسم السلطات التنفيذية بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وقد دفعته النزعة الشعبوية إلى إعلان “حالة الاستثناء” وتجميد أنشطة البرلمان، ثم تولى صلاحياته الكاملة، وحظي انقلابه هذا بدعم شعبي لا يمكن إنكاره في البداية، إذ أدت الخلافات السياسية إلى شل إدارة البلاد، وانجرارها إلى حافة الهاوية.

يقلد السيسي 

ديكتاتور تونس الجديد يحاول أن يحذو حذو السيسي في انقلابه على مؤسسات الدولة فقد أطاح الأخير بالرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيًا، قبل أن يصبح رئيسا للدولة في العام التالي بحصوله رسمياً على 97% من الأصوات، في اقتراع غير مسلم بنتائجه، فقد استغل سعيد فوزه بالانتخابات وانقلب على كل مؤسسات الدولة وقد تكون هناك حالة متشابه بين الانقلابيين فكلاهما كان على إسلاميين وكل من رؤساء النظام يتهمهم بكل شرور بعد أن فقدوا مصداقيتهم بسبب ضعف الأداء الحكومي، فالآن وبعد أن استقر انقلاب سعيد إلى حد كبير يجد نفسه سيداً بلا منازع لبلد تتعمق فيه الأزمة الاقتصادية، علماً أن السخط الاجتماعي أسهم إلى حد كبير في دعم انقلابه يوم 25 يوليو/تموز 2021، ولكن الرئيس المتخصص في القانون الدستوري اندفع بتهور نحو الإصلاحات المؤسسية، كما لو أن هذا الإطار القانوني وحده يمكن أن يحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كما وصفت الصحيفة.

خطورة الوضع في تونس 

حاول قيس سعيد تبديل احتفال التونسيين بتاريخ سقوط بن علي ليضع مكانه تاريخ اندلاع الانتفاضة يوم 17 ديسمبر 2010 معللاً ذلك بأن الثورة تعرضت للخيانة أثناء التحول الديموقراطي الذي يتهمه بأنه أثقل كاهل البلاد بكل المشاكل الحالية ولذلك يدعو قيس إلى شكل أخر من أشكال الديمقراطية المباشرة، والحقيقة أن قيس يريد إنهاء المرمزية الثورية لدى التونسيين خطوة بخطوة مستبدلاً إياها بانتخابات زائفة والدليل على ذلك هى الاستشارة الإلكترونية التي دعا إليها الرئيس ما بين يناير ومارس من العام الجاري والتي لم تجذب سوى بضع مئات من الآلاف في دولة يبلغ عدد سكانها 12 مليون شخص، ليس ذلك فحسب بل اتهم خصومه السياسيين دون أي أدلة بتدبير هجمات إلكترونية، ليتخذ بذلك ذريعة لحل البرلمان ويعلن اعتماد دستور عن طريق الاستفتاء يوم 25 يوليو المقبل وبسبب ذلك دخلت البلاد في صراع جديد بعدما أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل -الذي يضم أكثر من 800 ألف عضو- رفض تبني مثل هذا النهج ويلوح بالإضراب العام في ظل الأزمة السياسية التي تشل حركة البلاد، إضافة لذلك فقد أدت تصرفات سعيد إلى أن تفاقم المأزق السياسي الذي بدأ يثير مخاوف الجيش ووزارة الداخلية، اللذين كانا يدعمان الرئيس سعيد، خاصة أنه ينكر الآن أي فضيلة للحوار الوطني الذي جنب البلاد مواجهة بين الحداثيين والإسلاميين في عام 2013، وبالتالي فإن رفض الرئيس التونسي لأي تسوية يثير مخاوف من مواجهة سيكون فيها حتما فائز وخاسر هذه المرة.

الخلاصة يحاول سعيد جاهداً أن ينفرد بحكم تونس وأن يضع دستوره الخاص بعدما حل البرلمان وهو يشبه إلى حد كبير السيسي الذي ضرب كل خصومه حتى العسكريين منهم وانفرد بحكم مصر وحده، لكنه أغرق مصر بالديون والأزمات الاقتصادية بعيداً عن حالة الانسداد السياسي والآن يفعل قيس سعيد نفس الفعل ويضع تونس على حافة الهاوية.