يمثل مؤتمر ميونخ للأمن واحدا من أهم الفعاليات الدولية لرسم السياسات الأمنية على مستوى العالم، ومن خلال هذا المؤتمر، يتم وضع مفاهيم متعلقة بالعنف والإرهاب والمواجهات المسلحة، ومن خلاله كذلك، يتم ترتيب البيت الدولي فيما يتعلق بالقضايا والملفات الساخنة، والتي تأتي منطقة الشرق الأوسط في القلب منها.
المؤتمر الذي بدأ أعماله الجمعة بألمانيا، يشهد مشاركة عربية واضحة ومميزة للمرة الأولي، أهمها مشاركة رئيس نظام الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، وهي المرة الأولي التي تشهد مثل هذه المشاركة لمسئول مصري رفيع، كما يشهد المؤتمر أول مشاركة للسلطة الفلسطينية، التي قاطعت قبل ساعات من عقد هذا المؤتمر، المشاركة في مؤتمر وارسو الذي دعت إليه الإدارة الأمريكية، كما يشهد المؤتمر كذلك غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي للمرة الأولي منذ سنوات.
محاور النقاش
وحسب جدول الأعمال الخاص بالمؤتمر فإن هناك عدة قضايا هامة سوف يتم وضعها على طاولة المشاركين، من أهمها الإنسحاب الأمريكي من سوريا وتأثيراته علي أمن المنطقة، بالإضافة، لمناقشة مستقبل التعاون في مجال الدفاع وإمكانية تشكيل قوي مشتركة لإقرار السلام، وفقا لرؤية حلف الأطلنطي والاتحاد الأوربي، كما يناقش المؤتمر قضية تزايد التسليح الدولي والحد من النزاعات الإقليمية، وبحث سبل التعاون في مجال التجارة بعد سنوات من المواجهة الدولية، وفقا لرؤية صندوق النقد الدولي.
وتعد أهم محاور المؤتمر الخاصة بالحد من التسلح لحماية الأمن الدولي، والحد من الانتشار النووي ونزع السلاح، كما يناقش المؤتمر التغيرات المناخية وتأثيرها علي الوضع الأمني الدولي، بالإضافة لجلسات خاصة عن الأمن الأوروبي والأمن غير الوطني والأمن المتعلق بالتكنولوجيا.
ويأتي نصيب الشرق الأوسط في اليوم الثالث من أعمال المؤتمر الذي يناقش محور الأمن الإنساني في الشرق الأوسط، وفقا لرؤية منظمة الصحة العالمية ومنظمة العفو الدولية ومنظمة صحفيات بلا قيود، مع عقد جلسة خاصة عن الأزمة السورية وهل التعاطي معها كان وفق رؤية استراتيجية، أم أنه تحول لمأساة إقليمية.
تحذيرات ميونخ للأمن
وحسب الخبراء فإن مؤتمر ميونخ للأمن سوف يضع تصورا للقضايا الأمنية الدولية التي يشارك في صياغتها، ويقوم بتنفيذها مسئولي الأجهزة الأمنية، على مستوى العالم، ومن هنا تأتي أهمية المحور الأساسي للمؤتمر المتعلق بمستقبل مراقبة الأسلحة والتعاون فى السياسة الدفاعية، وتسليط الضوء على التفاعل بين السياسات التجارية والأمنية بدول العالم.
ويرى الخبراء أن التقرير ميونخ لعام 2019 والذي صدر قبل أيام من عقد المؤتمر رصد حجم الأسلحة، التي يتم بيعها لدول الشرق الأوسط كل 5 سنوات، محذرا من أن النتائج التي توصل إليها تؤكد إلى إمكانية اندلاع سباق تسلح في المنطقة، التي تشهد تحول في مسار الوجود الأمريكي من التدخل المباشر في الأزمة إلى سياسة جديدة تعتمد على حلفائها للحفاظ على مصالحها دون أن يكون لها دور مباشر في صراعات المنطقة.
ويرى الخبراء أن التقرير فضح التوجهات الغربية نحو الشرق الأوسط فيما يتعلق بسياسات التسليح، حيث تشير أرقام المعلومات التي ذكرها التقرير إلي أن 53% من صادرات الأسلحة لدول الشرق الأوسط كانت من الولايات المتحدة الأمريكية، و11% من فرنسا، و10% من المملكة المتحدة، و2 % من تركيا.
ويري المراقبون أن هذه المبيعات المتزايدة في السلاح للشرق الأوسط خلال السنوات الخمس بين 2012 إلى 2017 يترجم السبب الذي من أجله رفض الاتحاد الأوروبي للقيام بأي دور في مستقبل سوريا، خاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من هناك، وما جعل الدور الأكبر لصالح روسيا وإيران وتركيا. ويبين التقرير أن 53 بالمئة من صادرات الأسلحة لدول الشرق الأوسط كانت من الولايات المتحدة الأمريكية، و11 بالمئة من فرنسا، و10 بالمئة من المملكة المتحدة، و2 بالمئة من تركيا.
كما يسلط التقرير الضوء على عدم لعب الاتحاد الأوروبي أي دور في مستقبل سوريا، بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا، مقابل الدور الكبير لكل من روسيا وإيران وتركيا فيها.
وحسب التقرير الذي تناوله الخبراء بالتحليل، عن مستقبل الصراع بالشرق الأوسط، فإن دول مثل اليمن أو العراق أو الخليج العربي، مرشحة لأن تكون ساحة الحرب المنتظرة بالمنطقة، وأن أطراف هذه الحرب ربما تضم الولايات المتحدة ومعها السعودية وإسرائيل، مقابل إيران، وفي هذه الحالة فإن دول الاتحاد الأوربي الهامة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، سوف تلعب أدوارا مؤثرة، لحفظ الاستقرار في منطقتها، بعيدا عن مناطق النزاع في الشرق الأوسط.
ويرى المراقبون أن تخوفات التقرير من سباق التسلح بالمنطقة، زاد بعد من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، واعتماده علي سياسة المواجهة مع إيران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي معها، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير واضح في إعادة تشكيل موازين القوى بالشرق الأوسط، خاصة في ظل استمرار الدعم الأمريكي لشركائها التقليديين بالمنطقة مثل مصر والسعودية وإسرائيل.
هل فشل ميونخ
وتشير كتابات سابقة لمتابعين لأعمال المؤتمر الأمني الهام، أنه فشل في حل الصراعات الدولية، رغم قوة الدفع التي يتمتع بها، وحسب هذا الرأي فإن المؤتمر الذي عقد العام الماضي وسط طموحات بإنهاء الأزمات الدولية، كان أشبه بساحة للشتائم والسباب بين أكثر من 500 سياسي وخبير شاركوا من جميع أنحاء العالم لمناقشة النزاعات الكبرى والأزمات حول العالم، وكان من بينهم 21 رئيس دولة وحكومة، و75 وزير خارجية ودفاع.
وحسب رئيس المؤتمر الألماني” فولفجانج إيشينجر” فإن السبب في عدم التوصل لخطوات ملموسة لحل النزاعات، هو انعدام الثقة المتزايد بين القادة العسكريين في كل من واشنطن، بما يدفع لسوء فهم وسوء تقدير، ويساعد على اندلاع المواجهات العسكرية بين الطرفين وأطراف أخري مساعدة.
ويشير المتابعون إلى أن المشاركين في المؤتمر الذي عقد 2018، ومعظم مشارك في أعمال المؤتمر الجديد، لم يستطيعوا التصرف بشأن التحركات الأمريكية ضد إيران، التي اتفق المشاركون بالمؤتمر السابق علي أن زعزعة استقرار إيران، سوف يؤدي لعدم استقرار دول عديدة بالمنطقة من بينها سوريا والعراق ولبنان واليمن.
لماذا يحضر العرب
ويبدو السؤال السابق محل اهتمام المتابعين لأعمال المؤتمر الذي يشهد للمرة الأولي هذا الكم من المشاركات العربية، والتي يأتي أبرزها من خلال مشاركة فلسطين في أعمال المؤتمر، بالإضافة للسودان الذي يشهد أزمة سياسية واقتصادية طاحنة مازالت مستمرة منذ قرابة الشهرين، بالإضافة للحضور الخليجي والمصري المميز.
ويري المراقبون أن مناقشة المؤتمر لعملية الانسحاب الأمريكي من سوريا ربما يكون أحد أهم الأسباب من هذه المشاركة الكبيرة، رغم غياب وجود رؤية عربية موحدة تجاه هذه العملية، وفي هذا الإطار فإنه من المفترض أن يلتقي وزراء دفاع دول التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية، للاجتماع على هامش المؤتمر، مناقشة كيفية تنظيم صفوفهم بعد أن يتم طرد أنصار الدولة، من آخر جيب لهم في سوريا ومغادرة القوات الأمريكية البلاد، وأنه في ظل ضيق الوقت، وتزايد شراسة المعركة الدائرة في شمال شرق سوريا، فإن أكثر من 30 وزير دفاع ومسؤولا دوليا بات عليهم التوصل لتصورات التعاطي مع تطور الأحداث بسوريا.
وهو ما أشارت إليه وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي عندما أكدت أن “انسحاب القوات الأميركية من سوريا سيكون حتما في صلب المحادثات”، وأنه “يتعين على المجتمع الدولي عندما لا يعود لما يسمى بالخلافة أي أراض، ضمان عدم عودة داعش إلى سوريا أو في مكان آخر”.
اضف تعليقا