قبل عدة أيام أُسدل الستار على الانتخابات الرئاسية في واحدة من كبريات الدول الإفريقية، بفوز الرئيس محمد بخاري بولاية رئاسية ثانية في نيجيريا، ذلك البلد الغني بالنفط والفقر وبوكو حرام أيضا.

الانتخابات التي جرت وسط توتر طائفي، ورقابة أممية، وعمليات إرهابية انتهت بفوز بخاري على منافسه رجل الأعمال عتيق أبو بكر مرشح حزب الشعب الديمقراطي، والذي حظي بدعم كبير من كل فرقاء السياسة الدولية والإقليمية، وهو ما تمثل في دعم الشيعة التابعين لإيران، كما دعمته إسرائيل والسعودية والماسونية العالمية.

هذه المفارقات التي دعت جماعة تعاون المسلمين المقربة من جماعة الإخوان المسلمين لدعم بخاري، رغم تاريخه السيء معهم، فتحت الأقواس للعديد من التساؤلات عما يجري في البلد الذي يتجاوز عدد المسلمين فيه 100 مليون نسمة، يشكلون ثلث المسلمين في القارة الإفريقية بالتساوي مع مصر.

لماذا هي مهمة؟!

السؤال السابق كان الأبرز بين المهتمين بالشأن الإفريقي وخاصة منطقة غرب القارة، والتي تعد منطقة توتر دائم، لتشابك الحدود بين دول المنطقة، وكذلك لتشابك القبائل والعادات، أما الأهم من ذلك فلأن نيجريا تعد المعقل الأساسي لأكبر الجامعات التكفيرية في القارة الإفريقية وهو بوكو حرام، والتي أصبح لها امتداد في مالي وتشاد والنيجر، كما أنها باتت ذات صلة بليبيا، بعد الارتباط بين بوكو حرام وداعش.

ويضاف لما سبق أن نيجيريا، تعتبر البلد الأكثر اكتظاظا بالسكان في أفريقيا، وبها ايضا أكبر اقتصاد بين دول جنوب الصحراء الكبرى، ومن المتوقع أن تكون نيجيريا ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم بحلول العام 2050، وهو ما يمنحها قوة تأثير كبيرة في القارة الإفريقية، كما يمنح صانعي القرار النيجيري إمكانية تحقيق المعجزة الصينية في الأرض الإفريقية.

وحسب الخبراء فإن الانتخابات جاءت في وقت تعاني فيه نيجيريا العديد من المشكلات المزمنة، مثل ضعف الاندماج الوطني، وتفشي ظاهرة الفساد العمومي، وارتفاع معدلات الزيادة السكانية بما يشكل ضغطاً على اقتصاد البلاد ومواردها الطبيعية.

بينما تأتي المعضلة الأكبر لهذا البلد الكبير، في الفشل الدائم منذ الاستقلال عن بريطانيا العظمى عام 1960، في بلورة هوية وطنية نيجيرية جامعة قادرة على استيعاب وصهر الهويات والانتماءات الفرعية (الإثنية والدينية واللغوية) في بوتقة قومية واحدة، حيث يوجد بالبلاد أكثر من 500 جماعة عرقية، فيما ينقسم السكان دينياً بالمناصفة بين المسيحيين (في الجنوب والوسط) والمسلمين (في الشمال والجنوب الغربي)، الأمر الذي شكل على الدوام بيئة لحدوث احتكاكات عنيفة بين المكونات المختلفة في البلاد.

تحديات قديمة جديدة

وتواجه الرئيس بخاري حزمة من التحديات التي لم تكن جديدة على الإطلاق، أو لم تكمن وليدة الأشهر الماضية، وإنما هي تحديات صاحبت الرجل قبل عدة أعوام عندما قرر المنافسة علي منصب الرئيس، كما كانت سببا في كثير من الانتقادات التي وجهتها المعارضة له، وهي بترتيب الأهمية، الاقتصاد والأمن والطائفية.

ويشير المراقبون إلي أن إنعاش الاقتصاد النيجيري، هي المهمة الأبرز في الحقبة الجديدة لبخارين خاصة وأن الاقتصاد النيجيري مازال يعاني المرض والكساد منذ 2016 .

ماذا تمتلك نيجيريا

نيجيريا من أهم الدول الإفريقية المنتجة للنفط، وهي عضو في منظمة “OPEC”، حيث تحتل المرتبة الثامنة في قائمة أهم الدول المصدرة للنفط على المستوى العالمي، وبحسب تقديرات أوبك يبلغ حجم الاحتياطي النفطي في نيجيريا ما بين 27 إلى 31.5 مليار برميل، في حين يصل حجم الاحتياطي من الغاز الطبيعي إلى 4.5 تريليون قدم مكعب، وتُصدِّر إلى العالم الخارجي نحو 2.26 مليون برميل يوميًا، كما تُصدر 7.83 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز الطبيعي إلى العالم على هيئة غاز مُسال، وتتركز معظم حقول النفط النيجيرية في منطقة دلتا النيجر جنوب ووسط البلاد، كما يمثل النفط النيجيري 20% من الناتج المحلي الإجمالي و95% من إجمالي حجم تجارتها مع العالم الخارجي و65% من مدخولات ميزانية الدولة.

وفي 2014 احتلت نيجيريا المركز الأول كأقوى اقتصاد بالقارة ، إلا أن تدهور أسعار النفط عالميًا، وزيادة التضخم وانعدام الأمن في جنوب نيجيريا، أدى إلى حدوث انهيار في الاقتصاد النيجيري.

وحسب الكتابات المختلفة فإن نيجيريا تُعد الشريك التجاري الأكبر لأمريكا في جنوب الصحراء حيث تقدر صادراتها النفطية لأمريكا بـ 8% من واردات أمريكا الكلية من النفط، وهي بذلك تحتل المركز الخامس بين أكبر مُصدّري للنفط إلى الولايات المتحدة.

ويعتبر تراجع أسعار النفط أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد نيجيريا، فالبلاد تعتمد بشكل كبير على تصدير النفط ورغم التعافي النسبي لأسعار البترول مؤخرًا، فإن أبوجا محتاجة إلى مزيد من الارتفاع حتى تتمكن من رفع مستوى اقتصادها ليعود كما كان عليه في 2014.

بوكو حرام

التحدي الآخر أمام الرئيس بخاري هو كيفية مواجهة تنظيم بوكو حرام، الذي بايع قبل سنوات تنظيم الدولة الإسلامية، ليتحول إلى “ولاية غرب إفريقيا”، وتكمن أهمية هذا التحدي فيما تمثله بوكو حرام من تهديد لحقول النفط التي يقوم عليها الاقتصاد النيجيري، بالإضافة للمواجهات المسلحة بين أنصار التنظيم وعناصر الجيش والشرطة في نيجيريا، فضلا عن استهداف المدنيين بشكل مستمر، ما أدي لفرار ثلاثين ألف شخص من بلدة ران بجنوب شرق نيجيريا، خلال شهر يناير الماضي، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة .

لماذا الأزمة

وحسب أراء المتابعين فإن الأزمة في نيجيريا، التي أدت لسلسة من الاضطرابات السياسية، يرجع في الأساس إلي أن هذه الدولة الغنية بالنفط والبشر، تعيش وسط متناقضات صارخة، بسبب التعددية الإثنية والدينية والقبلية هناك.

وتشير العديد من الدراسات إلي أنه على مستوى الدولة المركزية، فإن المجتمع يتألف من جماعات تغلب هويتها الخاصة على الهوية العامة، وما يرسخ الانقسامات بين تلك الجماعات ويؤدي إلى التنازع وجود فروقات في الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية وفي المكانة الاجتماعية، بالإضافة إلى الفروقات في الهوية.

وتشير الدراسة السابقة إلى أنه نتج عن هذا الواقع الاجتماعي نظام سياسي إقليمي قبلي عمل بدوره على تعزيز هذا الاتجاه الذي يؤكد أن الفدرالية تقوم على أساس التعايش لا على أساس الانصهار أو الاندماج، الشيء الذي ترك تأثيرات سلبية على واقع المجتمع النيجيري ككل، وهو ما يفسر الكثير من حالات الاضطراب.

وفيما يتعلق بالصراع الطائفي بين المسلمين والمسيحيين، فإن الدراسة تتحدث على أن المطالب الأساسية للمسلمين النيجيريين تتمثل في تحقيق وجود فاعل على الخريطة السياسية للدولة، وأن تأخذ بعين الاعتبار نسبتهم العددية البالغة أكثر من 70% بين عدد السكان، بينما تشير الإحصائيات الرسمية إلي أن 50% من إجمالي سكان نيجيريا يدينون بالإسلام، و40% يدينون بالمسيحية، في حين يدين الباقون (10%) بديانات وثنية طبيعية. ويمثل إقليم الشمال أكبر منطقة كثافة مسلمة حيث يشكل المسلمون فيها 95%. وتشهد منطقة الغرب حالة تجاذب بين الإسلام والمسيحية، حيث يشكل المسلمون 50% والمسيحيون 45%، وإن كانت التجاذبات هذه لا تصل حد الاشتباك والمواجهة كما هو الحال في الشمال. وتنتشر المسيحية في منطقة الحزام الأوسط والمناطق الوسطى إضافة إلى بقايا الوثنية، في حين أن منطقة شرق البلاد تسودها الديانة المسيحية بنسبة 65% بجانب الوثنية بنسبة 43% والإسلام بنسبة 2%.

استجابة ضعيفة

وتشير تحليلات أخري إلي أن الحكومة المركزية لم تأخذ أية خطوات حقيقية في إنهاء هذا الصراع الطائفي، وحتى رغم وعود بخاري في 2015 بالعمل على الاستقرار في البلاد، إلا أن جهده انصب في مواجهة بوكو حرام، ولم تتجه إلى أصل المشكلة وهي النزاعات على المراعي والخلافات بين المزارعين الذين يشكلون النسبة الأكبر بين السكان.