قبل حوالي عام، اتخذ الرئيس التونسي قيس سعيد قرارات تعسفية قال عنها معارضوه إنها انقلاب على الشرعية، وكانت إعلاناً غير مباشراً عن سعيه للانفراد بالحكم.

لم يتوقف قمع سعيد عند حل البرلمان وتجميد العمل بالدستور، بل أعاد صياغة الدستور بنفسه بعمل تعديلات جذرية تساعده في التحكم بمؤسسات الدول، وفرض سلطته الكاملة عليها.

من المفترض أن يتوجه التونسيون اليوم إلى صناديق الاقتراع ليدلوا برأيهم حول دستور جديد للبلاد تدل كل بنوده على محاولة سعيد السيطرة على مقاليد الحكم في تونس وتهميش صلاحيات جميع السلطات القضائية والتشريعية.. فكيف يصنع دستور تونس 2022 من قيس سعيد فرعوناً جديداً لهذا العصر؟!.

دستوري 2014 – 2022

سعى قيس سعيد للانفراد بالسلطة منذ اللحظات الأولى التي تولى فيها الحكم، ولكنه استغل الأزمات التي دخلت فيها البلاد العام الماضي 2021، ليصدر قرارات استثنائية مستنداً على قوة الجيش والشرطة معه.

بيد أن سعيد قام بتجميد البرلمان، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي في نفس العام وكلف حكومة مقربة إليه تحقق أهدافه بقيادة نجلاء بودن، كما قام في نهاية العام بتمديد تجميد البرلمان واستطاع الاستحواذ على السلطة التشريعية.

بعد ذلك توجه للسلطة القضائية، وأعلن حل المجلس الأعلى للقضاء، وقام بعزل 57 قاضياً في هذا العام 2022، وشرع بعدها في إصدار دستور تونس الجديد، الذي يتنافى في كثير من بنوده مع دستور ما بعد الثورة التونسية 2014.

وهنا نضع مقارنة بسيطة بين الدستورين، فقد نبع دستور 2014 من حوار واسع من كل شرائح المجتمع، أما دستور 2022 فنبع من حوار وطني مُضيّق من خلال لجنة صياغة مصغرة.

في دستور ما بعد الثورة كان هناك فصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، أما في الدستور الجديد فتركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية، دون أي رقابة من مؤسسات الدولة.

علاوة على ذلك فإن الرئيس في الدستور الجديد، بإمكانه إنهاء مهام الحكومة، أو أي عضو منها دون رقابة، ولا يسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي يقوم بها على العكس من الدستور القديم الذي يرجع تلك المهمة للبرلمان، الذي يراقب أداء الحكومة.

كما قام سعيد بتقويض دور القضاء وتحويله إلى وظيفة، وحد من استقلالية المحاكم وعوض السلطة المحلية ببعض المجالس الجهوية، والتي لا يعرف مصدرها أو من القائم على تعيينها وهو على الأغلب الرئيس، أما في دستور 2014 فكان يرجع ذلك إلى هيئات دستورية مستقلة، والتي بدورها تمنع تعسف السلطة التنفيذية.

دستور بالمقاس!

في حديث سابق للمقرر العام لدستور 2014 الحبيب خذر، تحدث عن عملية صياغة دستور تونس ما بعد الثورة، من حيث النزاهة والشفافية وحجم المشاركة، حيث أشار على الرغم من صلاحية المجلس الوطني التأسيسي، الذي وضع الدستور حينئذ من الانتهاء منه منفرداً إلا أنه لم يحدث ذلك.

وقال أن المجلس حبذ أن يجعل من عملية صياغة الدستور عملية تشاركية، فأتاح المجال للمنظمات والأحزاب والكفاءات الجامعية وحتى ممن ترشحوا لانتخابات المجلس ولم ينتخبوا، وشخصيات أخرى جامعية كقيس سعيد نفسه.

علاوة على ذلك فقد نظم المجلس حينئذ ما أسماه بالأيام المفتوحة، واستدعى جمعيات من مختلف ولايات الجمهورية، وتوجه للشباب الطلابي لبحث مقترحات الدستور حتى أنه تم التوجه للجالية التونسية في الخارج لأخذ آرائهم.

لذلك فإن النخب التونسية تعتبر دستور 2014، هو دستور الشعب التونسي الحقيقي أما دستور 2022 فهو دستور على مقاس قيس سعيد فقط.

الخلاصة أن قيس سعيد يفصل الدستور على مقاسه، هو فقط ويريد أن يستبد بالحكم ويصبح الآمر الناهي الوحيد في تونس، مسيطراً على القضاء والسلطة التشريعية والتنفيذية صانعاً من نفسه فرعوناً جديداً.

اقرأ أيضاً : كيف يكرس قيس سعيد لحكم الرجل الواحد في تونس؟