تتشابك -إلى حد التصادم- المصالح والتوجهات الإقليمية والدولية في جنوب سوريا، المنطقة التي عادت بقوة إلى واجهة الحدث في الفترة الأخيرة، في ظل تهديدات النظام السوري بفرض السيطرة والسطوة مرة أخرى على أحياء درعا. مع تحذيرات من ازدياد مساحة النفوذ الإيراني في الجنوب، التي يبدو أنها تستعد لبدء عملية عسكرية واسعة النطاق.

مضى أكثر من 40 يومًا منذ الأزمة التي اختلقها نظام بشار الأسد في محافظة درعا، إثر محاصرته أحياء درعا، وهو ما كان سببًا في أزمات إنسانية لأكثر من 50 ألف مدني، وجدهوا أنفسهم في مواجهة فوهة البندقية مرة أخرى.

وأخفقت روسيا -حتى اللحظة- في فرض اتفاق يمكن أن يرضي النظام وأهالي درعا، الذين قدّموا تنازلات لتجنّب الحرب، واقترحوا على الروس تأمين ممر آمن لمن يرغب بالنزوح، إما باتجاه الأردن أو الشمال السوري، ليدخل النظام بقواته إلى أحياء خالية من سكانها.

دلالات يريدها النظام..

ودائمًا كانت منطقة الجنوب السوري ميدان صراع دولي وإقليمي متعدد الأطراف والأشكال والأوجه منذ اندلاع الثورة عام 2011، وكانت أحياء الجنوب من الأحياء التي اندلعت فيها شرارة الثورة، ولذا هدد النظام بـ “محوها عن الأرض” إذا لم ترضخ، كما نقلت مصادر في اللجنة المركزية المفاوضة عن الأهالي عن وزير الدفاع في حكومة النظام علي ديوب. 

والنظام الذي يشعر بأنه تجاوز مرحلة خطر سقوطه، مع إجرائه انتخابات رئاسية ثبّتت بشار الأسد في السلطة حتى عام 2028، يريد استعادة الجنوب السوري لفتح طرق التجارة مع الأردن ودول الخليج العربي، خصوصاً تجارة الترانزيت المتوقفة منذ عدة سنوات عبر معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، لإنعاش اقتصاده المتهالك، وهو ما يتقاطع إلى حد بعيد مع المصالح الأردنية على هذا الصعيد. كما يريد استعادة بعض الهيبة الإعلامية، لتقوية أوراقه في أي حلول سياسية يمكن أن تفرض من خلال المجتمع الدولي، إذ لا يمكن لهذا المجتمع ترك سوريا من دون حلول على المدى الطويل.

كما يبدو النظام حريصًا على استعادة السيطرة على الجامع العمري في درعا، حيث شهد هذا الجامع انطلاق شرارة الثورة السورية الأولى، فاستعادته ورفع علم النظام فوقه سيكون ذا دلالة إعلامية كبيرة بالنسبة للنظام الذي سيعتبر ذلك نهاية الثورة وانتصارًا له على معارضيه.

في حين تبدو المعارضة هي  الحلقة الأضعف فيما يجري في الجنوب، فلم يعد لديها ظهير إقليمي أو دولي يمكن الاعتماد عليه لمواجهة تهديدات النظام في القضاء على آخر مناطق المعارضة السورية المسلحة في جنوب البلاد.

تعاظم النفوذ الإيراني..

يعتمد النظام المستبد على حليفه الإيراني بشكل واسع في حملته العسكرية على أحياء درعا البلد. حيث تسعى إيران إلى الوصول إلى الحدود السورية مع الأردن والاحتلال الإسرائيلي، في سياق فرض النفوذ السياسي والعسكري في منطقة استراتيجية كهذه، وهو ما يمنحها إمكانية مناكفة ومناورة الغرب والحصول منه على تنازلات، لا سيما فيما يتعلق ببرنامجها النووي وأدوارها المتعاظمة في سوريا واليمن والعراق ولبنان.

وقد حذرت بالفعل لجنة التفاوض في محافظة درعا من “الهيمنة الإيرانية” على جنوب سوريا، مشيرة، في بيان، إلى أن عدم الوقوف في وجه المطامع الإيرانية سيؤدي إلى “كارثة إنسانية” وانتهاكات جسيمة وموجات نزوح ولجوء.

وتعد “الفرقة الرابعة” التي يقودها المجرم ماهر الأسد، شقيق رأس النظام بشار الأسد، الذراع العسكرية الضاربة للجانب الإيراني في الجنوب. وقد تمكنت طهران عن طريق هذه الفرقة من إفشال أكثر من اتفاق توصل إليه الجانب الروسي مع اللجنة المفاوضة عن الأهالي في محافظة درعا، حيث إنها تريد اقتحام الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام والفتك بسكانها وتعفيش منازلهم.

موسكو غير متحمسة..

من جهة أخرى، تبدو موسكو غير متحمسة بشكل كبير لفرض النظام سيطرته على محافظة درعا، وهو ما يفسر عدم دخولها على الخط بثقلها كما فعلت في ريف حمص الشمالي وريف دمشق وحلب والشمال الغربي من البلاد. ومن الواضح أن الروس يدركون أن استعادة النظام للسيطرة المطلقة على محافظة درعا تعني تقلص دورهم، واتساع نطاق الدور الإيراني المتلطي خلف “الفرقة الرابعة” ومليشيات أخرى. كما أن الجنوب السوري لا يزال محكوماً باتفاق ثلاثي أبرم بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن منتصف 2017، نص، كما أكدت مصادر مطلعة في حينه، على إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية والإسرائيلية بعمق 80 كيلومتراً في الأراضي السورية. ولكن المعطيات السياسية تشير إلى أن الجانب الأميركي والغربي عموماً بعيد حتى اللحظة عما يجري في جنوب البلاد، ما عدا تصريحات إعلامية لا يبدو أن لها أثراً في التوصل إلى اتفاق لصالح المعارضة السورية.

وعليه، لا مصلحة للروس في استعادة النظام السيطرة الكاملة على جنوب سوريا، لأن ذلك يعني تعاظم نفوذ الإيرانيين هناك، وبالتالي ترتفع احتماليات التصعيد مع الصهاينة بشكل أو آخر، وقد يتطور الأمر إلى غير ما تريده موسكو. تشير تقارير متعددة إلى أن موسكو تحاول الدفع نحو اتفاق ما، لكنها تواجه موقف الطرف الآخر، أي الإيرانيين بشكل رئيس.

من جهته، يرى الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، أن “هناك تشابكاً وتضارباً في المصالح إلى حد ما بين الروس والإيرانيين، وهو ما يعطي الأهالي في محافظة درعا هامش مناورة يحاولون استغلاله”. وأشار إلى أن “اللواء الثامن”، الذي يقوده القيادي السابق في فصائل المعارضة أحمد العودة، ويتبع للجانب الروسي، “يحاول لعب دور الوساطة بين النظام والأهالي، ولكن حتى الآن الأمر غير مجدٍ لجهة إبرام اتفاق يجنّب الجنوب السوري عمليات عسكرية واسعة النطاق”. واعتبر سالم أن الجانب الروسي “يحاول استغلال النفوذ الإيراني في جنوب سورية لتطويع سكان درعا ليكونوا أداة روسية”، مضيفاً: “لدى روسيا مخططات لتجنيد الشبان في محافظة درعا للتوجه إلى البادية السورية ومحاربة تنظيم داعش، الذي تنشط خلاياه هناك، وربما نقل عدد منهم للقتال خارج سورية لخدمة المصالح الروسية في عدة دول”.