بعد أن ثار الشعب التونسي على استبداد زين العابدين بن علي منذ أكثر من عقد، عاش حالة من التخبط و التزعزع السياسي، حتى جاءت انتخابات أكتوبر / تشرين الثاني عام 2019 بالرئيس الحالي قيس سعيد.

للوهلة الأولى ظن البعض أن قيس ذلك الأستاذ الجامعي الصارم، والجديد على الساحة التونسية السياسية، أملاً للخروج من أزمات ذلك العهد البائد، فاستطاع أن يجمع أصوات التونسيين معه، وتم انتخابه برصيد شعبي.

وبعد انتخاب قيس بأكثر من عامين، تغيرت وجهة خطاباته من استناده للدستور في قراراته إلى الاستثنائية الدائمة، وشرع إلى تفريغ تونس من مؤسساتها، وانقلب على من قاموا بانتخابه كحزب النهضة.

إضافة لذلك فقد تأثرت تونس بالأزمات العالمية كفيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، لكن ما عمق من الأزمة، هو انشغال سعيد بمعاركه السياسية، وتجاهله أكبر مشاكل البلاد، كأزمة الخبز وتأخر أجور الموظفين.

كما انحصرت قراراته بين التجميد والحل والعزل والمحاسبة، فقام بعزل رئيس الحكومة وجمد عمل البرلمان والدستور وأخيراً قام بعزل 57 قاضياً دون محاسبة.. فكيف كرّس الديكتاتور الجديد قيس سعيد لحكم الرجل الواحد في تونس؟!.

باسم الشعب 

في إحدى التصريحات التليفزيونية للرئيس التونسي قال فيها أن السيادة والسلطة للشعب، وأن ما دون الشعب لا يعتبره سلطة بل هو مجرد جهة، وأن كل الإجراءات التي يتخذها سعيد لا يتخذها إلا باسم الشعب التونسي، الذي هو يعتبر ممثل عنه بالانتخاب.

فماذا فعل سعيد متذرعاً باسم الشعب؟!.. في العام الماضي 2021 وتحديداً في الخامس والعشرين من يوليو/تموز جمد الرئيس التونسي البرلمان، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، في قرارٍ مفاجئٍ للقوى السياسية في تونس والتي اعتبرتها تعدياً على السلطة التشريعية والتنفيذية.

بعد ذلك بشهرين تقريباً في سبتمبر /أيلول كلف رئيسة الحكومة نجلاء بودن المقربة إليه بتشكيل حكومة جديدة تخدم أهدافه.

في 13 ديسمبر 2021 مدد تجميد البرلمان لحين إجراء انتخابات جديدة بعدها بعام كامل أي في ديسمبر/ كانون الأول المقبل 2022، وبهذا الشكل استطاع أن يقيد عمل السلطات التشريعية واستحوذ عليها.

في 5 فبراير / شباط من هذا العام اتجه سعيد للقضاء وأعلن حل المجلس الأعلى للقضاء، وبعدها بأقل من شهر أعلن حله للبرلمان بشكل كلي وتوجهت دبابات الجيش إلى محاصرة مقر المجلس.

ثم أعلن بعدها عن صياغة دستور جديد للبلاد، سيتم الاستفتاء عليه في يوليو/ تموز المقبل، وأخيراً في الشهر الجاري قام بعزل 57 قاضياً، وعدل قانون الانتخابات الجديد قبل ما يقرب من شهر على بدء الاقتراع.

باسم الشعب وتحت لواء الشرعية قام سعيد بالاستحواذ على السلطة التشريعية في البلاد وقيد السلطة القضائية، واستند في ذلك على المؤسستين الأمنية والعسكرية في تفريغ تونس من مؤسساتها الدستورية، والآن يسعى لتمرير دستور جديد يكرس له في حكمه ويجعله ديكتاتور جديد لتونس.

تونس على شفا الإفلاس

حينما نتحدث عن أزمة داخلية حقيقية، دائماً ما تتعلل الأبواق الإعلامية المحسوبة على كل ديكتاتور في المنطقة بالأزمات العالمية وهذا ما تتحدث عنه الأبواق المساندة لقيس في البلاد.

وفي حالة تونس، فإن البلاد تأثرت كمثيلتها من الدول بفيروس كورونا والغزو الروسي على الأراضي الأوكرانية، لكن قيس سعيد تسبب في تضخم أزماتها ليس السياسية فقط بل الاقتصادية أيضاً.

من منتصف العام الماضي وتعيش تونس أزمة طاحنة مع نقص في السلع الغذائية الأساسية مثل السكر والأرز والخبز، ومع مطلع العام الحالي تعمقت الأزمة بتأخير الرواتب على موظفي الدولة، وساهم في ذلك إعلان مسؤول البنك المركزي بالبلاد عن أزمة سيولة بالعملات الأجنبية بالدولة.

وهنا لاح في الآفاق شبح الإفلاس الذي طال دولة لبنان منذ أسابيع، وتخوف الجميع من أن يتكرر السيناريو اللبناني في تونس.

ولم يبق أمام تونس للخروج من تلك الأزمة سوى اللجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي سوف يضع قرارات صارمة ومؤلمة سيتحمل أعبائها التونسيين.

وكي يتحقق ذلك الشرط ويستطيع الإقتراض من صندوق النقد الدولي، يجب أن تتمتع تونس بحالة سياسية مستقرة، وهو ما ضرب به سعيد عرض الحائط، مقابل أن يستحوذ على مؤسسات الدولة لصالحه.

فعلى سبيل المثال.. منذ أقل من شهر اجتمع سعيد برئيس اتحاد الشغل “نور الدين الطبوبي” في تونس كي يرفع له مطالب العمال “وهو أكبر نقابة عمالية في البلاد” ولم يسفر الاجتماع عن أي شئ إيجابي، ما اضطر اتحاد الشغل للتظاهر ضد سعيد واصفاً قراراته بالانقلاب على الدستور.

وبناء على كل ماسبق.. فإن تونس تفقد الاستقرار السياسي مادام سعيد قائماً على الحكم فيها، ومعه تفقد استقرارها الاقتصادي ويعيش أهلها الفقر والقحط.. ولا يهتم سعيد بكل ذلك بل يشغله إزاحة مؤسسات الدولة عن طريقه والاستحواذ على الحكم وحده مكرساً لحكم ديكتاتور جديد في تونس.

اقرأ أيضاً : قيس سعيد يتحايل على الدستور عبر “الاستشارة الإلكترونية”