العدسة: محمد العربي
لم تشهد عملية اعتقال لمعارضين للنظام العسكري الذي يحكم مصر، حالة من التوافق علي رفضها كما شهدت عملية اعتقال السفير السابق معصوم مرزوق رئيس التيار الشعبي والدكتور يحيي قزاز عضو الحركة المدنية والخبير الاقتصادي رائد سلامة وزعيم حركة جرابيع سامح سعودي.
الاعتقال الذي جري ثالث أيام عيد الأضحي الماضي، أسبابه تكاد تكون معروفة للجميع، وهو التصدي للمظاهرات التي دعا إليها السفير مرزوق في 31 من أغسطس الجاري، ردا على عدم استجابة نظام السيسي للمبادرة التي أطلقها مرزوق قبل أسابيع ولاقت ردود أفعال متباينة بين مؤيد ومعارض.
وجديد هذا الاعتقال أن قوي المعارضة في داخل مصر وخارجها، اجتمعت للمرة الأولى على رفض ما جرى مع مرزوق ومجموعته دون شماتة من أنصار الإخوان كما كان يحدث، أو محاولة التملص من مسئولية الرفض من معارضة الداخل كما اعتادوا، وبات المشهد وكأنه فرصة لجمع شتات المعارضة إن أرادت أن تنطلق بشكل حقيقي في مواجهة الديكتاتور العسكري الذي جمع بين يديه مفاتيح الجبروت داخل الدولة المصرية.
شماعة الاخوان
الاتهامات التي وجهتها نيابة أمن الدولة العليا لمرزوق ومجموعته كانت متنوعة ولكنها كانت جديدة كذلك، حيث وجهت النيابة للسفير الذي عارض الرئيس محمد مرسي ودعا لرحيله وشكل مع آخرين جبهة الإنقاذ التي مارست ضغوطا ضد جماعة الإخوان المسلمين، وجهت له النيابة اتهامات بدعم تحركات ذات الجماعة وهي الإخوان المسلمين، وتلقي أموال لنشر أفكارها وإعادتها للشارع المصري مرة أخري من خلال مبادرات تأتي على غير هوي الشارع المصري.
المتابعون لسير القضية منذ بدايتها توقعوا أن يتم اعتقال مرزوق منذ أطلق مبادرته التي دعا فيها النظام الحاكم للاستقالة أو إجراء استفتاء على بقاءه وفي حال رفض الشعب المصري وجوده يتم تشكيل مجلس حكم رئاسي موسع يضم عسكريين ومدنيين، مع تشكيل حكومة جديدة لا تضم أيا من الرموز التي شاركت في الحكم بالعشر سنوات الأخيرة، وفي حال رفض النظام كل ذلك فإن الأحزاب والقوي السياسية الموافقة على المبادرة مدعوة لاجتماع موسع في ميدان التحرير وتحت حماية الأجهزة الأمنية المعنية للتباحث في المسارات البديلة لانتشال مصر من أزمتها السياسية الراهنة.
ورغم ان المبادرة لم تلق تأييدا كبيرا، ولم تحظى الا بدعم محدود، إلا أنها عبرت للمرة الأولى عن أن الجميع عدا السيسي ونظامه يسعي للخروج من النفق المظلم الذي تستقر فيه مصر، وحتي جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تتعامل مع مبادرات حل الأزمة برفض دائم، أبدت هذه المرة ليونة في مواقفها الترحيبية، وأشادت على لسان نائب مرشدها إبراهيم منير بشخص السفير مرزوق، وهو ما مثل إيجابية لدى الجماعة التي كانت ترى أن مثل هذه المبادرات لا تهدف إلا لحماية السيسي واستمرار إقصاء الإخوان عن المشهد السياسي.
ويرى خبراء سياسيون أن الاتهامات التي وجهتها النيابة تمثل تطورا في مواجهة خصوم نظام السيسي، فهو يريد استثمار وهم البعبع الذي صنعه طيلة السنوات الماضية من جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فهو يستخدم الإخوان في توسيع دائرة الاتهامات لخصومه السياسيين، ففي هذه القضية كان الاتهام هو دعم تحركات جماعة الإخوان التي يعتبرها النظام إرهابية، وفي قضية الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان الاتهام نشر أخبار كاذبة لصالح جماعة الإخوان المسلمين وضد الحكومة المصرية، وحتى الاتهامات الموجهة ضد شادي الغزالي وحازم عبد العظيم، تدور في نفس الاتجاه العام وهو استخدام التعاون مع الجماعة كشماعة لتوسيع دائرة الملاحقة الأمنية لمخالفي السيسي.
لن أسمح لكم
ويري المتابعون للأحداث أن السيسي أراد ان يبعث برسالة لمختلف الطوائف المعارضة له، أولها أنه لم يعد لديه خطوط حمراء في التعاطي مع المعارضة، وثانيها، أنه لن يسمح لأحد بالعودة للشارع مرة أخرى حتى لو كان ذلك تحت سمعه وبصره، وثالثها أنه على الجميع ان يستبعد فكرة تغييره بأي شكل سواء كان سياسيا او جماهيريا وشعبيا، أما رابعا فإن المعارضة جميعها أصبحت لديه في سلة واحدة، وعليهم أن يفيقوا من وهم ثورة 25 يناير، ويتعاملوا مع الأمر الواقع وإلا فإن الاتهامات جاهزة والسجون تسع من المعارضين ألفا.
ويؤكد هذا الفريق أن المعارضة المصرية مازالت تتعامل بسذاجة مع نظام السيسي، وبالتالي فإنهم يتعاملون مع فكرة تغييره بتفكير رومانسي، من خلال إطلاق مبادرات سياسية بات مصير صاحبها معروفا، وهو إما السجن أو الطرد من جنة السيسي، إلا إذا كان صاحب المبادرة يقف خلفه جهازا أمنيا معينا تكون لديه أغراض محددة من إطلاق مثل هذه المبادرات، وهو ما يمثل قوة ضعف أساسية لدى المعارضة التي لن تستطيع طبقا لذلك أن تتصدى لرغبة السيسي في تعديل الدستور بما يسمح له بالاستمرار في الحكم بعد انتهاء مدة ولايته الثانية.
تجاوز الآلام
ويشير خبراء سياسيون أن الاعتقالات الأخيرة وخاصة التي بدأت مع حراك الانتخابات الرئاسية في فبراير من العام الجاري، باعتقال رئيس الأركان السابق سامي عنان ورئيس الجهاز المركزي السابق هشام جنينة واعتقال رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم ابو الفتوح، يمكن أن تمثل نقطة التقاء لقوى المعارضة بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال تراجع كل الأطراف خطوات للوراء والتوصل لنقاط اتفاق تمكنهم من توحيد صفوفهم وتكرار سيناريو ما حدث مع مبارك قبل ثورة 2011، وهو ما يتطلب بشكل محدد أن تعترف القوى التي شاركت السيسي في 3 يوليو 2013 أنه كان انقلابا عسكريا، وتعترف بالجرائم التي جرت ضد أنصار ومؤيدي الرئيس محمد مرسي سواء من عمليات قتل أو اعتقال وطرد وتشريد وانتقام، وأن تعترف هذه القوي بخطئها في مشاركة السيسي لمخططاته الرامية للقضاء على جماعة الإخوان والإسلام السياسي بشكل عام، سواء بالمشاركة الفعلية الإيجابية أو المشاركة السلبية بالصمت عما جرى من مجازر ضد مدنيين أبرياء كانت جريمتهم أنهم ناصروا رئيسا منتخبا لم يكمل مدته الرئاسية.
وعلى الجانب الآخر فعلي جماعة الإخوان أن تعترف هي الأخري بأخطاء فترة الرئاسة، وأنها استوعبت الدرس بأن العمل بشكل منفرد في مرحلة انتقالية لم يكن جيدا، وأن استمرار تمسكها بعودة الأمور لما كانت عليه قبل مساء 3/7/2013، لم يعد متاحا هو الآخر، وبالتالي فعليها أن تتعاطي من تحركات المعارضة بإيجابية فعلية من أجل البحث عن سبل حقيقية تساعد الجميع في الخروج من الحالة الراهنة.
ويرى هذا الفريق أن المرحلة الحالية مهيئة لهذا التوافق، خاصة وأن السيسي يعاني من أزمة اقتصادية مرشحة للزيادة، كما أنه بصدد الدخول في صدام كبير إذا أقدم على تغيير الدستور، وهو الملف الذي بدأت دوائر الحكم المصرية في جس نبض الإدارة الأمريكية تجاهه، وفي حال صدق التقرير الذي نشر قبل أيام بأن الادارة الامريكية رفضت مقترحا قدمه مسئولون مصريون حول تعديل الدستور لزيادة فترة الرئاسة ومدد الترشح، فإن هذا معناه ان الدعم الذي يحظي به السيسي من إدارة ترامب ليس مطلقا، وهو ما يضعف قوة السيسي الخارجية، مقابل زيادة قوة الدفع التي يمكن ان تحصل عليها المعارضة المصرية.
إلا أن رمانة الميزان في ذلك كله كما يرى الخبراء أن تكون تحركات المعارضة في لم شملها تحركات واقعية وصادقة، وتهدف في الأساس لإنقاذ مصر وانتشالها من كبوتها السياسية والاقتصادية والمجتمعية، وليس الحصول علي مكاسب شخصية علي حساب صالح الوطن والمواطنين.
اضف تعليقا