العدسة – منصور عطية

32% من مبيعات السلاح حول العالم خلال الفترة بين 2013 و2017 استأثرت بها دول الشرق الأوسط، ودفعت بثلاث منها فقط إلى احتلال مراكز متقدمة للغاية، وفق دراسة حديثة أصدرها معهد ستوكهولم لبحوث السلام (SIPRI).

السعودية، مصر، والإمارات.. جاءت في المراكز من الثاني إلى الرابع على الترتيب، رغم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الأولى والثانية مع اختلاف شدتها، ورغم هدوء واستقرار تعيشه الثالثة.

صراع الشرق الأوسط

الدراسة التي نشرها المعهد على موقعه الإلكتروني، الاثنين، أظهرت أنَّ السعودية تعد ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال الفترة بين 2013 و2017 بعد الهند؛ حيث زادت واردات الأسلحة فيها بنسبة 225 % مقارنة بالفترة بين عامي 2008 و2012.

وقال “بيتر وايزمان”، الباحث الرئيسي في برنامج التسليح بمعهد ستوكهولم: “أدى الصراع العنيف الواسع الانتشار في الشرق الأوسط والمخاوف بشأن حقوق الإنسان إلى نقاش سياسي في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية حول تقييد مبيعات الأسلحة، ومع ذلك تظل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية المصدر الرئيسي للأسلحة في المنطقة وتوفّر أكثر من 98 % من الأسلحة التي تستوردها المملكة العربية السعودية”.

كما نمت واردات مصر من الأسلحة- ثالث أكبر مستورد بين 2013 و2017 – بنسبة 215% مقارنة بالفترة بين عامي 2008 و2012، وفق الدراسة.

وكان لافتًا في السنوات التي أعقبت إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013 ارتفاع وتيرة استيراد القاهرة من الأسلحة بشكل مضطرد، وعلى نحو غير مسبوق قفز بها إلى المركز الثالث حول العالم، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعاني منها.

وحلت الإمارات العربية المتحدة في المركز الرابع بين أكبر مستوردي السلاح حول العالم خلال الفترة الممتدة بين 2013 و2017، بينما جاءت قطر في المركز العشرين، بحسب المعهد.

وبالنسبة للمصدرين اعتلت الولايات المتحدة القمة بنسبة 34 % من إجمالي صادرات الأسلحة خلال الفترة ذاتها، بينما انخفضت صادرات الأسلحة من روسيا – التي حلت ثانية – بنسبة 7.1 %، تلتها فرنسا ثم ألمانيا التي ارتفعت صادراتها من الأسلحة إلى الشرق الأوسط بنسبة 109 %.

وكانت الصين خامس أكبر مصدر للأسلحة خلال تلك الفترة، تلتها بريطانيا وإسبانيا، ثم إسرائيل وإيطاليا وهولندا، تليهم كوريا الجنوبية وتركيا التي ارتفعت صادرات أسلحتها بنسبة 145% بين عامي 2013 و2017.

“ابن سلمان” يوقع صفقة جديدة

في صفقة حامت حولها الشكوك وتسببت في موجة رفض حزبية وشعبية واسعة في بريطانيا، وقع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الجمعة الماضية، مذكرة تفاهم لشراء 48 مقاتلة بريطانية من طراز تايفون بقيمة 14 مليار دولار.

وتمت الصفقة على الرغم من احتجاجات حزب العمال المعارض ومنظمات غير حكومية عديدة طالبت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي بتعليق تصدير الأسلحة للرياض، حتى تتوقف الحرب التي تقودها في اليمن.

وفي أواخر فبراير الماضي، أعلنت المنصة الإعلامية الدولية “أوبن ديموكراسي” أنه رغم ما وصفته بالجرائم الموثقة للتحالف العربي في اليمن، فإنَّ السويد مستمرة في بيع الأسلحة للسعودية والإمارات، مما يثير غضب المعارضة السويدية.

وقبل أقل من شهر أعلن السفير السعودي في روسيا “رائد قريملي” في تصريحات صحفية، أن المفاوضات حول توريد صواريخ إس- 400 الروسية إلى المملكة بلغت مراحلها الأخيرة.

المثير أنَّ تلك الصفقة الضخمة تنضم إلى مجموعة من الصفقات التي تكدست بفضها ترسانة الأسلحة السعودية على مدار السنوات الثلاث الماضية، فقبل توقيع اتفاقية منظومة إس 400 الروسية بيومين فقط، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة محتملة لبيع نظام “ثاد” الدفاعي الصاروخي إلى السعودية، في صفقة تبلغ قيمتها 15 مليار دولار.

وكانت الصفقة الأضخم، التي وُصفت بالتاريخية في مايو الماضي، عندما أعلن البيت الأبيض عن صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليارات دولار، تشمل معدات دفاعية وخدمات صيانة، بالتزامن مع زيارة الرئيس دونالد ترامب للرياض.

وفي 2016، قالت صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية، في مارس: إنَّ السعودية ستوقِّع عقود أكبر صفقة سلاح من نوعها مع فرنسا، تتجاوز قيمتها أكثر من 10 مليارات يورو، وفي العام نفسه دخلت صفقة سلاح سعودية مع كندا حيز التنفيذ بقيمة 15 مليار دولار.

شركة “آي إتش إس” للأبحاث والتحليلات الاقتصادية، قالت: إن مشتروات السعودية من السلاح قفزت بمعدل كبير، لتصبح المملكة المستورد الأول للسلاح على وجه الأرض في 2015، بقيمة 9.3 مليار دولار، بارتفاع نسبته 50% عن العام السابق.

إيران واليمن.. وأغراض أخرى

ولعل التساؤل الذي يثار على نحو يفوق البحث عن كم الصفقات وقيمتها، هو ذلك المتعلق بالغرض الحقيقي من ورائها، وفي الحالة السعودية تبدو إيران في مقدمة أهداف الرياض لأية مواجهة عسكرية مرتقبة.

يعزز من احتمالية تلك المواجهة، فضلًا عن التوتر القائم منذ قطع العلاقات بين البلدين في يناير 2016، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري قبل أسابيع بشأن العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

“كيري” أكد أن الملك عبدالله قال له بشكل شخصي: إنَّ الحل الوحيد مع إيران هو ضربها قبل البدء بالحوار معها بشأن برنامجها النووي، كما تفرض الأزمة الحالية بين طهران وواشنطن نفسها؛ فأمريكا التي تملك قواعد عسكرية في السعودية وتتحالف معها تهدد كثيرًا بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي يعني عمليًا الدخول في حرب.

وتبدو مواجهة أخرى قائمة على أشدها وليست بعيدة عن إيران، وهي الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن ضد جماعة أنصار الله أو الحوثيين الشيعة المدعومين من طهران.

الساحة اليمنية كانت مجالًا واسعًا ولا تزال في استخدام الكثير من الأسلحة التي اشترتها السعودية، هذه الحرب كبدت المملكة خسائر ضخمة وأرهقت ميزانيتها، الأمر الذي دفعها إلى موجات من القرارات التقشفية.

تقارير إعلامية، قدرت تكاليف الحرب التي تشنها السعودية حتى الآن، بنحو تريليون ونصف التريليون دولار، مستندة إلى تقدير سابق لـ”فورين بوليسي”، قال إنَّ تكلفة الستة شهور الأولى من الحملة السعودية بلغت 725 مليار دولار.

ولعل الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون تسبب قلقًا بالغًا للمملكة؛ حيث وصل بعضها إلى أطراف العاصمة الرياض واستهدفت أحد القصور الملكية، وقالت قوات التحالف العربي: إن جماعة الحوثي استهدفت السعودية بـ95 صاروخًا باليستيًا، منذ بداية الحرب في مارس 2015.

لكن ثمة غرضًا آخر لا يتعلق باستخدام تلك الأسلحة المتكدسة، ويتلخص في محاولة كسب ود الحلفاء الدوليين الأقوياء، وليس أدلّ على ذلك من سعي الرياض إلى تنويع مصادر أسلحتها بين الغريمين الكبيرين واشنطن وموسكو.

وربما لا تبتعد الإمارات كثيرًا عن الأغراض السعودية وراء صفقات التسليح، لكن يظل القاسم المشترك بينهما في هذا الشأن والحرب التي تخوضانها في اليمن، لكن وفق أجندات أخرى غير المعلنة.

فبينما إعادة الشرعية تعد  هدف الحرب المعلن هناك، فإن الصراع على النفوذ والمصالح في هذا البلد الاستراتيجي بين الشريكين الخليجيين يبدو محفزًا على استيراد المزيد من الأسلحة.

مصر.. حالة خاصة

ليس بعيدًا عن السعودية والإمارات، فإن أبرز الصفقات التي أبرمتها مصر خلال السنوات الخمس الماضية، بعثت على مزيد من الريبة والشك، خاصة أنها جاءت في أعقاب الإطاحة بمرسي.

الصفقات المصرية جاءت في ظل وضع اقتصادي حرج؛ حيث ارتفع الدَّين الداخلي وكذلك الخارجي لمستويات غير مسبوقة، ووصل التضخم لارتفاعات قياسية لم يشهدها منذ عقود، وساءت الحالة المعيشية للمواطنين بفعل قرارات اقتصادية صعبة للغاية.

وللتدليل على عدم جدوى بعض الصفقات يقول كثيرون إن حاملتي الطائرات “الميسترال” مجرد استعراض للقوة بدون حاجة حقيقية له؛ وذلك لكونها مصممة للعمليات العسكرية في المناطق البعيدة عن سيادة الدولة المهاجمة، ولا تحتاجها مصر، وفق تحليلات عسكرية.

ويواجه السيسي اتهامات بالسعي من وراء تلك الصفقات إلى اكتساب مزيد من الشرعية الدولية بعلاقات متطورة مع البلدان المصدرة للسلاح، خاصة في أعقاب الإطاحة بمرسي.

كما تلاحقه اتهامات بتضخم الثروة، وفق تقارير إعلامية قالت إنه خلال السنوات الثلاث الماضية، بلغت ثروة السيسي أكثر من ملياري دولار من عمولات صفقات السلاح التي أبرمتها مصر خلال نفس المدة.

ثمة تقرير في غاية الخطورة أصدره مركز “كارنيجي” للسلام يناير الماضي بعنوان “فن الحرب في مصر”، يقول إنَّ الإنفاق العسكري الهائل، الذي انشغلت به القاهرة منذ تولي السيسي الحكم، ونوعية المشتريات العسكرية” يهدف فقط إلى قمع انتفاضة متوقعة تشبه ما جرى في سوريا”.

وتابع التقرير: “نوعية السلاح التي حصلت عليها مصر في السنوات الأخيرة لا تبدو مناسبة للتحديات الأمنية الداخلية أو الخارجية التي تواجهها البلاد، ولا تتلاءم مع أهدافها الخارجية”.

ووفقًا لخبراء عسكريين، بحسب التقرير، فإنَّ صفقات السلاح التي عقدت مع روسيا وفرنسا والصين، هي لأسلحة “منتهية الصلاحية” في الحروب الدولية، وتصنع “فارقًا واسعًا” في العدة والعتاد مع الاحتلال الإسرائيلي.

موقع “استراتيجي بيج” الأمريكي المتخصص في الشؤون العسكرية قال: إنَّ مصر “أنقذت” طائرات الرافال الفرنسية من البوار، واشترتها من فرنسا بعدما أنتجتها عام 2000، ولم توقع أي صفقة لبيعها، فقد رفضتها دول أمريكا اللاتينية لضعفها قوتها.

أضاف التقرير: “حتى في البلدان حيث كان يتوقع من مصر تعزيز تدخلها العسكري، لم تبادر إلى القيام بذلك، وعلى سبيل المثال، لم تقدم مصر سوى دعم رمزي للسعودية في الحرب على المتمردين الحوثيين في اليمن، وكذلك نأى السيسي بنفسه عن النزاع في سوريا، رغم أنه عبّر عن دعمه للجيوش “الوطنية”، بما فيها جيش النظام السوري، فيما رفض أي مشاركة في عمليات حفظ السلام.