شهدت المملكة العربية السعودية، تحت قيادة ولي العهد محمد بن سلمان، تحولات عميقة في المشهد الاجتماعي والثقافي، ما أثار جدلًا واسعًا حول تأثير هذه التغيرات على هوية البلاد وقيمها. 

ومن بين القضايا المثيرة للجدل، تبرز مسألة الكحول، التي لطالما كانت محظورة بشكل صارم في “بلاد الحرمين” إلا أن خطوات تدريجية للنظام توحي بفتح الباب أمام تقنين الكحول بوسائل وأساليب متعددة، ما يطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذه التحركات وتأثيرها على المجتمع السعودي.

منذ عام 2017، أظهر محمد بن سلمان توجهًا مزدوجًا في التعامل مع قضية الكحول. في تصريحاته الأولى، شدد على رفض إدخال الكحول إلى المملكة، مؤكدًا أن الزائرين يمكنهم البحث عنها في بلدان مجاورة كالأردن ومصر.

لكن مع مرور الوقت، باتت المؤشرات على التحول التدريجي واضحة، بدءًا من اللقاءات الدولية التي شهدت تلميحات عن تقديم المشروبات الكحولية، وصولًا إلى تصريحات المسؤولين وتقارير الصحف العالمية.

نوايا بن سلمان

في مقابلة مع صحيفة ذا أتلانتك، رفض بن سلمان الإجابة على سؤال حول بيع الكحول في السعودية، ما اعتبره مراقبون إشارة إلى احتمال تغيير السياسة. كما تم توثيق لقاءات مع شخصيات دولية، مثل الممثل “ذا روك”، التي ترافقت مع تصريحات تشير إلى “تبادل التكيلا”، رغم محاولات لاحقة للتنصل من هذه الإشارات.

كما اتخذ النظام السعودي خطوات مدروسة لتغيير تصورات المجتمع حول الكحول. فالإعلام السعودي بات يناقش القضية بجرأة، مع طرح مقالات تشير إلى “تفاهة” الحظر وتأثيره الاقتصادي السلبي، مثل مقالة “عبدالله بن بخيت” في صحيفة عكاظ. الكاتب السعودي قدم تصورًا يوحي بأن الكحول ليست سوى قضية “فوبيا ثقافية” زرعها دعاة الصحوة.

منصات استطلاع الرأي السعودية ساهمت أيضًا في قياس نبض المجتمع تجاه هذه القضية، حيث طرحت تساؤلات حول السماح ببيع الكحول لغير المسلمين في الأسواق الحرة. هذه الخطوات تشير إلى سعي النظام لتهيئة الرأي العام تدريجيًا لقبول الكحول كممارسة طبيعية.

تغيير هوية المجتمع

يبدو أن التوجه نحو تقنين الكحول يندرج ضمن رؤية محمد بن سلمان لتطوير القطاع السياحي، خاصة في مشاريع ضخمة مثل “نيوم” و”جزيرة سندالة”. تقارير صحفية عالمية، مثل وول ستريت جورنال وذا تلغراف، أشارت إلى أن تقديم الكحول للأجانب يُنظر إليه كوسيلة لجذب المستثمرين والسياح.

مشروع “نيوم”، الذي يتم الترويج له كمدينة ذات قوانين خاصة، يُتوقع أن يضم بارات تقدم النبيذ والكوكتيلات، ما يمثل خروجًا واضحًا عن القوانين التقليدية. وقد صرح مسؤولون بأن “نيوم” قد تكون أول منطقة في السعودية يتم فيها تقنين الكحول.

من وجهة نظر معارضة، يعتبر هذا التحول في سياسات النظام السعودي خطوة خطيرة نحو تدمير الهوية الدينية والثقافية للمملكة. بلاد الحرمين، التي كانت تُعرف عالميًا بمكانتها كرمز للإسلام، تجد نفسها الآن أمام واقع جديد يهدد هذه المكانة.

كما أن هذه التحولات تُظهر تناقضات واضحة في رؤية ولي العهد، بين الترويج للحداثة والانفتاح وبين التمسك بالشعارات الدينية. ففي الوقت الذي يتم فيه قمع أصوات المعارضة تحت ذريعة “حماية القيم”، نجد أن النظام نفسه يتبنى سياسات تهدد القيم ذاتها.

الخلاصة أن هذه هذه السياسات هي بداية لفقدان هوية المملكة كبلد إسلامي تحت حكم محمد بن سلمان الذي يدعي الانفتاح ويتخذه كغطاء للقمع وتغيير لهوية المجتمع المحافظ.

اقرأ أيضًا : اغتصاب جماعي وانتحار وحقوق عمال ضائعة.. إليك الجانب المظلم من مشروع نيوم السعودي