رصدت صحيفة “لاكروا” الفرنسية حصيلة 20 عاما من التدخل الأمريكي في أفغانستان، عقب إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الوقت قد حان “لإنهاء أطول حرب للولايات المتحدة”.

وقدم وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الخميس 15 أبريل/ نيسان الجاري، للحكومة الأفغانية خطة لسحب قوات بلاده بحلول 11 سبتمبر/ أيلول المقبل.

ومع ذلك، يعتقد العديد من المحللين أن هذا الانسحاب قد يُغرق أفغانستان في حرب أهلية جديدة، أو يسمح بعودة حركة طالبان إلى السلطة، التي طردت منها في نهاية عام 2001.

وقال إﻳﻠﻲ ﺗﻴﻨﻨﺒﺎوم، الخبير في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ” Ifri”: بالنظر إلى نقطة البداية للتدخل في أفغانستان، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول، نجد أن التهديد المستهدف في تلك المرحلة تم تحديده من قبل الأمريكيين وهو معسكرات تدريب تنظيم القاعدة.

وأضاف “قررت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت أنها لن تُفرق بين من خطط للهجمات ومن يؤويها، أي أن الهدف المباشر كان واضحا: تدمير ملاجئ القاعدة، القضاء على أعضاء التنظيم أو القبض عليهم والإطاحة بنظام طالبان.

ووفقا له النتيجة الأولية كانت إيجابية للغاية بالنسبة للمجتمع الدولي، فمع سقوط طالبان في غضون شهرين، ملاجئ القاعدة بأكملها كانت تختفي، وبعد عشرين عامًا، لم يعد هناك المزيد من معسكرات تدريب القاعدة في أفغانستان، نعم هناك وجود ولكن بدون البنية التحتية التي كانت موجودة قبل عام 2001.

وأشار ﺗﻴﻨﻨﺒﺎوم إلى أن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم يتعلق بطالبان، مبينا أنه في عام 2001، تم تسميتهم كخصوم إلى جانب تنظم القاعدة، غير أنه في الاتفاقية الموقعة العام الماضي مع الولايات المتحدة، تعهدوا بعدم السماح للمنظمات الإرهابية – وبالتالي تنظيم القاعدة على وجه الخصوص – باستخدام البلاد كملاذ مرة أخرى.

ثمن باهظ

وتساءل لخبير مجددا هل ستحترم طالبان هذا الالتزام؟، مضيفا “يبدو أنهم ابتعدوا عن القاعدة ولكن لا يزال هناك الكثير من الشكوك حول العلاقات المستمرة بين المنظمتين” قد تكشفها الأيام المقبلة.

وأكد على أنه بعد عشرين عامًا من الحرب، وربما ما لا يقل عن سقوط 40 ألف قتيل من طالبان، الثمن الذي دفعوه مقابل تحالفهم مع القاعدة باهظ، وإذا عادت طالبان إلى السلطة في المستقبل فربما يفكرون بشكل مختلف.

أما فيما يخص بناء دولة أفغانية جديدة تتسم بالكفاءة والاكتفاء الذاتي من الناحية المالية والمتعلقة بالميزانية – وهو ما لم يكن مشروعًا أمريكيًا تمامًا ولكنه سرعان ما أصبح كذلك – فهناك، نتائج مريرة وسلبية للغاية، يقول ﺗﻴﻨﻨﺒﺎوم.

ويبين أن الانتخابات الأخيرة فشلت في تحقيق نتيجة مقبولة من قبل مختلف الأحزاب وطالبان، الذين يشكلون جزءًا مهمًا من المشهد السياسي والذين يرفضون شكل الدولة ذاته، إضافة إلى قضايا الفساد، ناهيك عن ضعف الأداء في الأمن أو العدالة أو الشرطة.

واختصر الخبير كل ما سبق بالقول الحصيلة ليست مخجلة عندما يتعلق الأمر بهدف الإطاحة بالقاعدة، لكن في المقابل، فشلت الولايات المتحدة بشكل عام في القتال ضد طالبان وإعادة إعمار البلاد.

تحسن ثلاث مجالات

من جهته رأى آدم باكزكو، الخبير في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، أن الوجود الأمريكي والغربي أدى إلى تحسن كبير في أفغانستان في ثلاثة مجالات، أولها فيما يتعلق بحياة المرأة التي الأفغانية التي تمكنت من شغل وظائف معينة والتمتع ببعض الحرية في الحياة اليومية.

الجانب الثاني هو تحسن كبير في التعليم الابتدائي والثانوي للشباب الأفغاني من خلال البرامج الممولة دوليًا، وأخيرًا، في مجال الإعلام، حيث أصبحت أفغانستان بلدًا فيه حرية التعبير حقيقية، ويمكن لمواطنيه التعبير عن آراء مخالفة لآراء الحكومة.

في المقابل يشير آدم باكزكو، إلى أن فشل الأمريكيون والمجتمع الدولي ملفت للنظر في الطريقة التي أنشأوا بها مؤسسات الحكومة، حيث فقدت الآليات الديمقراطية مصداقيتها عند كتابة الدستور بالاتفاق مع أمراء الحرب. 

كما وضعت قوانين خاصة، لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البلد بحجة أنها ستكون قبلية، وتم تجاهل وجود قانون أفغاني ومدربين على استخدامه، واعتمد المجتمع الدولي بشكل كبير على الشركات الخاصة لتنفيذ البرامج التي غالبًا ما تكون منفصلة عن الاحتياجات. 

ووفقا له كانت النتائج الأكثر سلبية على الصعيد السياسي: لقد شهدنا تشويهًا لمصداقية الانتخابات، ففي عام 2004، احتشد الأفغان بأعداد كبيرة للتصويت، على الرغم من حقيقة أن المرشح الرئاسي، حامد كرزاي، تم اختياره من قبل الأمريكيين. 

وفي عام 2005، شاب الانتخابات التشريعية عمليات تزوير واسعة النطاق، كما حدث في الانتخابات الرئاسية لعام 2009، وأعيد انتخاب حامد كرزاي عندما كان الأفغان يدركون أن أصواتهم لم تحترم وأن المجتمع الدولي صادق على الاقتراع، ومنذ 2009، لم تعد هناك انتخابات ديمقراطية تم إضفاء الشرعية عليها.

وأكد الخبير أن ذروة هذا التشويه حدثت عام 2014 عندما لم يستطع أي من المرشحين – أشرف غني وعبد الله عبد الله – حسم بالنتائج وهددا بتجاهل الاقتراع، ويسافر جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، إلى كابول لتوقيع اتفاق يصبح بموجبه أشرف غني رئيسًا ويصبح عبد الله عبد الله “الرئيس التنفيذي” ، وهو منصب غير موجود في الدستور، واتخذ قرار بعدم نشر نتائج الانتخابات.

ونوه باكزكو بأنه بعد 20 عاما من التدخل الأمريكي يقع جزء كبير من البلاد في أيدي طالبان، كما أن داعش والقاعدة موجودان هناك أيضا، وأصبح مصير أفغانستان يعتمد على طالبان وإرادتهم في السيطرة على الجماعات المتطرفة أو عدم السيطرة عليها حتى لا تصبح مرة أخرى منصة انطلاق للإرهاب. 

وأنهى الخبير حديثه بالقول ” ستبقى أفغانستان مثالاً على التدخل الدولي المكلف للغاية وبنتيجة وخيمة العواقب”.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا 

اقرأ أيضًا: أفغانستان.. بايدن يبحث عن حل لهدية ترامب المسمومة