بهدف التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، يعتقد المبعوث الخاص للأمم المتحدة غسان سلامة أنه يتعين وجود رغبة حقيقية بين طرفي الحرب الليبية للتفاوض.
يرى سلامة أن الطرفين ينتهكان حظر السلاح، وأن المرتزقة لا يزالون يتدفقون إلى البلاد جوا وبحرا، وكذلك الأسلحة.
ضمت محادثات اللجنة العسكرية المشتركة التي انعقدت جولتها الأولى في جنيف بين يومي 3 و8 فبراير/شباط، وفقا لمخرجات مؤتمر برلين، 5 عسكريين كبار من قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مع 5 من نظرائهم من القوات التابعة لحكومة “الوفاق الوطني” المعترف بها دوليا.
ومنذ أبريل/نيسان 2019، اتفق طرفا الحرب أكثر من مرة على وقف إطلاق النار وإجراء مباحثات مباشرة بإشراف الأمم المتحدة، للوصول إلى تسوية سياسية للحرب التي يعتقد المجتمع الدولي استحالة إمكانية حسمها عسكريا من أي طرف من طرفي الحرب.
وتتفق حكومة “الوفاق الوطني” مع رؤية المجتمع الدولي إلى حد بعيد خلافا لموقف حفتر، الذي يتبنى مواقف من الحل السياسي وفق تطورات الموقف العسكري لقواته التي تحاصر العاصمة طرابلس منذ 10 شهور دون أن يتمكن من اقتحامها.
ويرى خبراء أن موقف حفتر يتماشى إلى حد بعيد مع رؤية كل من مصر والإمارات لمستقبل ليبيا وشكل نظام الحكم فيها.
ورغم استجابة حفتر لدعوة روسيا وتركيا لإنفاذ هدنة مؤقتة اعتبارا من 12 يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أنه رفض التوقيع على وثيقة وقف إطلاق النار، وغادر موسكو دون التوقيع عليها.
وبعد نحو أسبوع من مؤتمر موسكو، استضافت ألمانيا مؤتمرا دوليا موسعا في 19 يناير بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار بين طرفي الحرب والحد من التدخل الدولي في الأزمة الليبية.
ووفقا لمسؤولين في الأمم المتحدة، فإن حفتر يتلقى دعما متعدد الجوانب من دول عدة منها مصر والإمارات وروسيا.
ولم يلتق طرفا الحرب وجها لوجه في المباحثات بين القادة العسكريين في جنيف، وهي المباحثات التي تهدف إلى “سد الفجوات في وجهات النظر بشأن كيفية تنظيم الوقف الدائم المستدام لإطلاق النار على الأرض”، وفقا لتصريحات سلامة.
وتواصل مصر والإمارات عقد اجتماعات ثلاثية مع ممثلين عن قوات حفتر، حسب تقارير إعلامية تحدثت عن أن الاجتماعات تجري لمناقشة محددات التحرك الثلاثي حول الملف الليبي في الجانبين السياسي والعسكري.
وتتواجد طائرات مسيرة إماراتية بالتزامن مع تحركات مصرية لتعزيز قدرات قوات حفتر، إضافة إلى استجلاب المزيد من المرتزقة الروس والسودانيين، وهو ما يراه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “انتهاكا لحظر توريد السلاح إلى ليبيا”.
ونقل موقع “إنتجلنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، في تقرير نشره في 30 يناير، إن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عزز خلال النصف الثاني من نفس الشهر قوات حفتر بنحو 3 آلاف طن من التجهيزات والمعدات القتالية.
وكشفت صحف أمريكية مؤخرا، نقلا عن مصادر مطلعة، وصول عشرات الرحلات الجوية القادمة من الإمارات عبر الأجواء المصرية وبتسهيل من سلطاتها، تحمل أسلحة ومعدات لدعم قوات حفتر.
ومنذ اندلاع الحرب الليبية وقفت كل من مصر والإمارات والأردن والسعودية إلى جانب قوات حفتر، حسب تقارير غربية تحدثت عن أن الدور الأكبر كان لدولة الإمارات التي تقوم طائراتها المسيرة بشن غارات مميتة على المدنيين في مناطق سيطرة حكومة “الوفاق”.
وكشف غوتيرش، في تصريحات له، عن توفر ما يكفي من المعلومات التي تفيد بوجود طائرات مسيرة إماراتية تُستخدم في ليبيا، إضافة إلى تحركات لقوات مصرية لدعم قوات حفتر، قائلا إنه رغم أن “عددا من البلدان تعهد في مؤتمر برلين بعدم إرسال أسلحة إلى ليبيا، لكن حظر الأسلحة يُنتهك”.
ووفقا لإفادة مندوب الحكومة الليبية خلال جلسة مجلس الأمن، التي انعقدت بمشاركة سلامة، في 30 يناير، فإن كلا من مصر والإمارات ساهمت بتأجيج الأزمة ببلاده، وطالب مجلس الأمن الدولي بضرورة محاسبتهما.
وأكد تقرير صادر عن لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، “تورط الإمارات 11 مرة في تقديم الدعم لقوات حفتر، وتزويده بالمدرعات وأنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيرة والمقذوفات الليزرية، بل تقوم شركات إماراتية بإرسال شباب سودانيين إلى ليبيا دون علمهم للقتال في ليبيا، وهو ما كشفت عنه، في 29 يناير، الخارجية السودانية”.
وفي نفس السياق، يشير التقرير إلى قيام السلطات المصرية “بتقديم العتاد والمشاركة في ضربات جوية شرقي ليبيا وغربها على مدار السنوات الأخيرة”.
ترى مصر والإمارات أن دعم قوات حفتر يندرج في سياق الحرب التي تشنها الدولتان على جماعات الإسلام السياسي في ليبيا والمنطقة.
ومنذ الإطاحة بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي في 2013 بدعم من الإمارات والسعودية أيضا، ارتبطت مصر والإمارات بعلاقات تقترب كثيرا من التحالف الاستراتيجي، والذي يلتقي على الحرب على حركات الإسلام السياسي ودعم ما يعرف باسم قوى الثورة المضادة التي تمثلها حركات موصوفة بأنها حركات تمرد، مثل قوات حفتر.
ومنتصف يناير، حضر ولي عهد أبو ظبي افتتاح قاعدة عسكرية مصرية جديدة تتحدث تقارير أنها بمساعدة إماراتية وترتبط بشكل ما بتعزيز القدرات المصرية في البحر الأحمر والمنطقة التي تشهد صراعات نفوذ إقليمية ودولية.
يمكن أن تؤدي زيادة حجم المساعدات العسكرية الإماراتية بالتنسيق مع مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى تحقيق الهدف الإماراتي بنجاح قوات حفتر بحسم معركة طرابلس عسكريا، رغم قناعة المجتمع الدولي والقوى الفاعلة في الملف الليبي بفشل الرهان الإماراتي على الحسم العسكري.
ويميل مراقبون إلى أن مصر تتفق مع المجتمع الدولي في رؤيته باستحالة الحسم العسكري للحرب في ليبيا، وتفضل خيار المسار السياسي على ألا يعطي مساحة من السلطة والنفوذ لحركات الإسلام السياسي؛ إذ تعتقد مصر أن وجود مثل هذه الحركات على حدودها يمكن أن يعزز مستقبلا من قدرة الجماعات الإسلامية المسلحة التي تخوض حربا متواصلة مع القوات المصرية منذ عدة سنوات.
اضف تعليقا