بعد 15 هاما من ظهور تنظيم “داعش” في العراق، نشرت صحيفة “لا كروا” الفرنسية تقريرا عن هذا التنظيم الذي ما زال يشن هجمات قاتلة في بعض المناطق البعيدة عن المدن، ويستهدف بين وقت وآخر مواقع عسكرية، مع قرب زيارة البابا فرنسيس لهذا البلد.

وأعلن البابا فرنسيس مطلع ديسمبر/ كانون أول عن زيارته للعراق في الفترة من 5 إلى 8 مارس/ شباط، بدعوة من جمهورية العراق والكنيسة الكاثوليكية بالبلاد، حيث يعتزم زيارة النجف، وبغداد وسهل أور المرتبط بذكرى إبراهيم ومدينة أربيل وكذلك الموصل وقرقوش في سهل نينوي.

وأوضحت الصحيفة الكاثوليكية أن المئات من بقايا “داعش” ما زالوا متواجدين على حدود محافظتي كركوك وصلاح الدين، في التلال المتعرجة المصفرة بسبب الشتاء.

فبعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب، تكثف القوات الأمنية العراقية والتحالف الدولي حملاتهم ضد التنظيم مع تصاعد الضغط على الحكومة العراقية للرد على التفجير الانتحاري المزدوج الذي وقع الشهر الماضي في السوق الشعبي ببغداد، ما أسفر عن وفاة 32 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين.

 

رعب ومتفجرات

ونقلت “لا كروا” عن أحد سكان قرى جبل حمرين ويدعى ماجد القول: نساؤنا وأطفالنا يعيشون في رعب. إنهم يقتلوننا، ولا أحد يساعدنا”، مشيرا إلى أن معظم الحقول من حولهم أصبحت غير قابلة للزراعة، لأنها مليئة بالمتفجرات. 

وأضاف هذا الفلاح أسفًا “مات أحد عشر منا وهم يرعون ماشيتهم، لم يستطع أحد من أفراد العائلة حتى استعادة رفاتهم، لأنه إذا اقتربنا سيطلق الإرهابيون علينا النار. “

وتشير الصحيفة إلى أنه منذ إعلان الانتصار رسميا للدولة العراقية على التنظيم الإرهابي في عام 2017، وجدت خلايا “داعش” النائمة ملاذًا لها في هذه المنطقة المنتجة للنفط شمال البلاد، وممرًا استراتيجيًا على أبواب كردستان شمالًا والعاصمة بغداد في الجنوب.

وبينت أن التنظيم يستعيد قوته محميًا بالجبال، ومستفيدًا من الفوضى السائدة في هذه المنطقة، المتنازع عليها جزئيًا بين العراق الفيدرالي والحكومة الكردية شبه المستقلة.

ولفتت إلى أنه على الرغم من وجود الكثير من المعلومات حول خلايا داعش في المنطقة، إلا أن أجهزة المخابرات الكردية مترددة في التعاون مع الجيش العراقي الذي طردهم من كركوك عام 2017، إذ يقول مصدر مقرب من الرئاسة الكردية “نحن ننتظر بصبر أن يصبح داعش خارج عن السيطرة، وبعدها يمكننا الاستيلاء على المنطقة”.

 

حرب لم تنته بعد

وتبين “لاكروا” أنه في كل مساء عند حلول الظلام، يحمل شبان من قرية ماجد السلاح لحماية عائلاتهم، إذ يؤكد جمال أحمد، 19 عامًا، واضعا إصبعه على زناد رشاش كلاشينكوف: “سأطاردهم حتى أموت”.

ويضيف جمال، الذي حرمه داعش من التعليم، حيث بات الآن سنه لا يسمح له بالعودة إلى المدرسة، كما أنه يائس من العثور على وظيفة ” لقد سرقوا طفولتي ومستقبلي، الشيء الوحيد الذي أعرف كيف أفعله هو القتال، كنت أرغب في الانضمام إلى الجيش، لكنهم رفضوا أيضًا. “

 

وتتابع “في هذه القرية، جميع السكان متأثرون جراء حرب لم تنته أبدًا بالنسبة لهم. حيث يحكي لنا طفل عن يده، التي مزقها لغم في يوليو/ تموز الماضي، وأحد كبار السن عن اختطافه من قبل الإرهابيين قبل بضعة أشهر”.

 

وبحسب الصحيفة شباب جبل حمرين، الذين نشأوا في الحرب يغرقون في الكراهية ضد داعش وأيضاً حكومة تتخلى عنهم، حيث تخبرها امرأة عجوز ترتدي عباءة سوداء “ليس لدينا مدرسة ولا مياه ولا كهرباء عامة. نريد فقط أن نعيش بسلام مع أطفالنا”.

وتوضح “لاكروا” أنه بالنسبة لهؤلاء الفلاحين، يتلخص وجود الدولة في عدد قليل من القواعد العسكرية للقوات العراقية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، وعلى الرغم من الهجمات المنتظمة ضد الإرهابيين، فشل الجيش في تأمين المنطقة، ففي حمرين، تتبع عمليات مكافحة الإرهاب بعضها البعض بهدف وحيد؛ هو طرد داعش إلى الجبال. 

ويعترف اللواء السوداني، المسؤول عن مراقبة هذا الوادي الصخري بأن “الوضع يتغير ببطء شديد. إذ يكاد يكون من المستحيل تطهير هذه الأراضي، بسبب استغلال مقاتلي داعش الغطاء النباتي والتضاريس لحفر الكهوف والاختباء فيها”.

وتنوه الصحيفة الكاثوليكية بأن بقايا مقاتلي “دولة الخلافة” التي امتدت على مساحة تزيد عن 250.000 كيلومتر مربع بين العراق وسوريا “يهربون دائمًا”، وتنقل عن اللواء السوادني الجالس في مؤخرة عربة مدرعة يعلوها برج رشاش “معظمهم مقاتلون سابقون للتنظيم ومعروفون للسلطات يختبئون منذ تحرير المنطقة”.

 

داعش لا تزال جماعة منظمة 

ووفقا لـ “لاكروا” هذه الخلايا – التي تمولها شبكة مافيا وتتلقى تبرعات من رجال الأعمال بالخليج – تنخرط في جميع أنواع التهريب، وخاصة التحف، كما تسيطر على عدد قليل من آبار النفط في البادية السورية، بالقرب من مدينة البوكمال. 

وذكرت أنه في هذه المنطقة الصحراوية على أبواب العراق، ينسق بعض قادة داعش الهاربين، بحسب عدة مصادر، ما تبقى من قوات “الخلافة” السابقة: جيش من 10000 إلى 14000 جاهز للقتال، منتشرون بين غرب سوريا والحدود الإيرانية – العراقية.

ويؤكد السوداني أن “داعش لا تزال جماعة منظمة إلى حد ما، لا يزال لديها أمراء وناقلون بين السكان ومقاتلون مدربون جيدًا”. إذ تعرضت فرقة الشرطة الفيدرالية التي ينتمي إليها هذا اللواء لتجربة مريرة: قتل ثمانية من قواته في كمين نصبه داعش في أكتوبر/ تشرين أول والخميس 21 يناير/ كانون ثاني، قتل نحو ثلاثين مدنيا في تفجير انتحاري مزدوج في سوق بالعاصمة.

وتقول “لاكروا” إن هذه الهجمات المتكررة تشهد على عودة ظهور داعش، الأمر الذي دفع الجيش العراقي إلى زيادة عملياته المناهضة للإرهاب، حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في 28 يناير/ كانون الثاني، بعد غارات جوية شنتها قوات التحالف الدولي على محافظة كركوك، مقتل أبو ياسر العيساوي، زعيم تنظيم الدولة في العراق.

الدخول في حوار مع السكان
ولفتت إلى أنه تحت التهديد، أو بسبب الدعم الأيديولوجي، أو أفراد من عائلاتهم، سيظل العديد من المدنيين يساعدون داعش. 

ويتساءل اللواء السوداني بابتسامة متكلفة “إذا لم يكن الأهالي هم الذين يطعمونهم، فمن غيرهم؟” لافتا إلى أنه من أجل خنق الإرهابيين، يجب قبل كل شيء إعادة هؤلاء المدنيين إلى المسار الصحيح. وهي استراتيجية يجب أن تؤدي، حسب رأيه، إلى إيضاحات للسلطة، ولكن أيضًا حوار مع السكان.

وقال “علينا أن نبني علاقة ثقة ونظهر لهم أن الدولة العراقية تقف إلى جانبهم. لأنه منذ الغزو الأمريكي عام 2003 يتم تهميش هؤلاء الناس، فمن أجل منع إحباطهم علينا أن نوفر لهم حياة أفضل”. 

لكن تؤكد الصحيفة أنه المصالحة بين الشيعة والسنة التي أهملتها السلطة المركزية، لا يبدو في الوقت الحالي على جدول الأعمال.

للإطلاع على المصدر الأصلي اضغط هنا 

اقرأ المزيد : كيف يدعم بن زايد حلفاءه بيد ويطعنهم في ظهورهم بالأخرى؟