تقرير شركة ديكينز ومادسون
انتشر مؤخراً في وسائل الإعلام العالمية أخباراً تفيد قيام المجلس العسكري الانتقالي في السودان بتوقيع عقداً قيمته ستة ملايين دولار أمريكي مع شركة ديكينز ومادسون كندا (Dickens & Madson Canada , Inc)، أمريكي لتسهيل حصول المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الذي تتهم قواته بقتل عشرات المحتجين في الخرطوم، على اعتراف دبلوماسي دولي، وتمويل مالي، حيث تم توقيع العقد في 07 مايو/أيار الماضي، ولم يكشف النقاب عنه إلا قبل عدة أيام.
ووعدت شركة (ديكينز ومادسون) الكندية، بتلميع صورة المجلس، الذي استولى على السلطة في انقلاب في أبريل / نيسان الماضي، حيث جاء في تصريحات رئيس الشركة، أري بن-ميناشي لوسائل الإعلام العالمية إنه توصل إلى اتفاق مع المجلس العسكري “لمساعدتهم في تشكيل حكومة مدنية، وانعاش الاقتصاد، وجلب رئيس وزراء مؤهل لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات عامة، وترتيب الأوضاع الحالية”.
وبموجب العقد أيضاً تعهدت الشركة بالحصول على تغطية إعلامية ملائمة لدعم المجلس العسكري، والبحث عن طرق لجلب الأموال والمعدات للقوات العسكرية السودانية وقوات الأمن الأخرى الموالية لها، والبحث عن مستثمرين في مجال النفط. بالإضافة إلى العمل على تحسين العلاقات مع روسيا والسعودية، والسعي لعقد اجتماع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب واستكشاف التحالفات أو الصفقات التجارية الممكنة بين السودان وليبيا وجنوب السودان.
وقع العقد مع شركة الكندية الجنرال محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، والذي يحكم السودان منذ استيلائه على السلطة في أبريل/نيسان الماضي بعد خلع البشير، وهو قائد قوات الدعم السريع، وهي ميليشيات مسلحة تعرف باسم الجنجويد، ارتكبت سلسلة من المذابح والانتهاكات ضد المتمردين والمدنيين في منطقة دارفور إبان الحرب الأهلية في السودان في عهد البشير، وهي القوة التي قادت هجوم 3 يونيو / حزيران 2019 الذي أودى بحياة أكثر من 100 من المعتصمين أمام مقر القيادة في الخرطوم.
أثارت هذه الصفقة انتقادات دولية خاصة في الأوساط الحقوقية، وهو ما عبرت عنه منظمة العفو الدولية، والتي قالت في بيان لها إنه “من المقلق للغاية” أن شركة “ضغط” كندية وقعت عقدًا بقيمة 6 ملايين دولار أمريكي لتعزيز مصالح النظام العسكري الذي قام بسجن وقتل المتظاهرين بعد الاستيلاء على السلطة في السودان.
ودعت المنظمة الحقوقية في رسالة موجهة إلى وزيرين في الحكومة الكندية، إلى “فتح تحقيق جاد وعاجل في بنود هذا العقد” لمعرفة ما إذا كان ينتهك لوائح مراقبة الأسلحة الكندية أو يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان في السودان”.
وتقول منظمة العفو الدولية في خطابها إلى وزير الشؤون الخارجية كريستيا فريلاند ووزير العدل ديفيد لاميتي “من دواعي القلق العميق أن هذا الترتيب التعاقدي يقترح تحالفات من شأنها أن تربط وتعمق أزمات حقوق الإنسان في كل من السودان وليبيا”.
وتضمن الخطاب أيضاً “إن العقد يشتمل على تعاملات تجارية مستقبلية مع ثلاث دول – السودان وليبيا وجنوب السودان – والتي تخضع حاليًا للعقوبات التي تفرضها الحكومة الفيدرالية بموجب قانون الأمم المتحدة وقانون التدابير الاقتصادية الخاصة”
ومن المعروف عن الشركة الكندية أنها صاحبة تاريخ طويل في إبرام صفقات وعقود مع أنظمة استبدادية وزعماء ديكتاتوريين لتحسين سمعتهم وتلميع صورتهم أمام المجتمع الدولي لكسب تأييد الرأي العام، خاصة وأن مديرها ومؤسسها هو الإسرائيلي إيراني المولد آري بن ميناشي، والمعروف عنه أنه في العديد من الفضائح الدولية – بما في ذلك بيع غير مشروع للأسلحة إلى إيران والعمل لحساب روبرت موغابي، الزعيم الزيمبابوي الديكتاتور في المؤامرة الشهيرة التي تمت ضد مورجان تسفانجيراي، والمعروف عنه أيضاً تقديم الدعم للواء الليبي خليفة حفتر.
شركة ديكينز ومادسون كندا (Dickens & Madson Canada , Inc):
اُنشأت بشكل رسمي عام 2001، واتخذت من مونتريال في كندا مقراً رئيسياً لها، تعتبر من أكبر شركات العلاقات العامة وتعبئة الرأي العام، متخصصة في تقديم الاستشارات والخطط الإدارية والدولية، وتعمل على تلميع صور وتحسين سمعة عملائها مقابل المال، والذين يكونون شخصيات عامة وحكومات وأنظمة سياسية.
مؤسسها ومديرها هو آري بن ميناشي (Ari Ben-Menashe)، إسرائيلي من مواليد طهران، وعميل سابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، ومستشار سياسي لعدد من رؤساء دول العالم.
قام بن ميناشي بتأسيس الشركة بالشراكة مع شريك يدعى ألكساندر هنري ليغولت، وهو رجل الأعمال أمريكي المولد سيء السمعة، وكان آنذاك أحد المطلوبين في الولايات المتحدة بتهمة النصب والاحتيال في عدة صفقات قدرت بقيمة 20 مليون دولار، أبرزها صفقة بيع دجاج مجمد للحكومة المصرية بقيمة 7 ملايين دولار، كما كان مطلوباً لاتهامه بالقيام بالابتزاز والتآمر والاحتيال المنظم والاحتيال عبر البريد والأمن غير المنظم في فلوريدا ولويزيانا، وقد تم القبض عليه من قبل الشرطة في مونتريال في 2008، وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة وسجنه.
من هو آري بن ميناشي مؤسس الشركة؟
آري بن ميناشي (Ari Ben-Menashe) هو العمود الفقري لشركة ” ديكينز ومادسون كندا”، والطرف الأساسي في كافة الصفقات التي تعقدها الشركة مع العملاء المختلفين، وهو المتحكم في كل ما يتعلق بها، ويستخدم الشركة في خدمة أفكاره وآراؤه وما يؤمن به.
ولد بن ميناشي في طهران بتاريخ 04 يناير/كانون الأول 1951، لأسرة يهودية من أصول عراقية، هاجر إلى إسرائيل في الستينيات من القرن الماضي، وخدم في جيش الدفاع الإسرائيلي في الفترة من عام 1974 إلى عام 1977، ثم عمل في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (الموساد) من 1977 إلى 1987.
أثناء عمله للاستخبارات الإسرائيلية عمل أيضاً في تجارة السلاح، حيث كان وسيطاً في صفقات السلاح التي تمت بين إسرائيل وإيران في أعقاب الثورة الإيرانية.
في الفترة من 1987 إلى 1989 عمل كمستشار الاستخبارات الخارجية لرئيس الوزراء يتسحاق شامير 1989.
ظهر اسم بن ميناشي للمرة الأولى في الإعلام عام 1989، عندما قُبض عليه في الولايات المتحدة في 3 نوفمبر / تشرين الثاني من ذلك العام لانتهاكه قانون مراقبة تصدير الأسلحة لمحاولته بيع ثلاث طائرات نقل تابعة لشركة لوكهيد سي -130 هيركوليس إلى إيران باستخدام شهادات مستخدم نهائي مزورة، وبعد ضغوط طلبت منه الحكومة الإسرائيلية الاعتراف التهمة وفي المقابل عرضوا عليه تسوية مالية سخية تسمح له بالعيش بشكل مريح بعد إطلاق سراحه من السجن، عند هذه النقطة تأكد بن ميناشي ان إسرائيل لن تدعمه في هذه القضية لاعتبارات عديدة، ما دفعه لإجراء مقابلات مع صحفيين من السجن بشأن دوره في الاحتفال الجمهوري السري والذي عرف بـ “مفاجأة أكتوبر” المتعلقة بالرهائن الإيرانيين، والمرتبطة بقضية إيران كونترا.
في هذه المرحلة، سعت إسرائيل إلى تشويه سمعته، مع بذل جهود من بينها خبر نشر في صحيفة جيروزاليم بوست (27 مارس/آذار 1990) أن “وزارة الدفاع” لم يكن لها أي اتصال مع آري بن ميناشي وأنشطه، إلا أنه تم إسقاط هذه الادعاءات بعد أن زود بن ميناشي مجلة نيوزويك روبرت باري بمراجع توظيف من مصادر المخابرات الإسرائيلية، وبعد قضاء ما يقرب من عام في السجن تمت تبرئته في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، مع قبول هيئة المحلفين بأنه تصرف نيابة عن إسرائيل، والتي يعرف عنها معلومات سرية وحساسة بحسب وثائق يمتلكها.
“عملي لصالح الحكومة الإسرائيلية كان انحرافاً. لقد حدث أن يكون الرجل المناسب في الوقت المناسب. لقد تحدثتُ الفارسية والعربية والإنكليزية. كنت أعرف الولايات المتحدة. وبينما اعتقدت بصراحة أني أثق بإسرائيل في ذلك الوقت، فقدت في النهاية الثقة.
لم يكن لدي أي بلد، أنا مواطن من العالم، أو مواطن لا مكان له”… هكذا وصف بن ميناشي نفسه في مذكراته التي نشرها بعنوان “أرباح الحرب”.
مساعدات ودعم للأنظمة استبدادية
بن ميناشي ومكيدة زيمبابوي
عاد بن ميناشي للظهور في وسائل الإعلام الدولية مرة أخرى عام 2002، بعد أن عمل كعميل لـ مورغان تسفانجيراي، المنافس السياسي الرئيسي للديكتاتور في زيمبابوي روبرت موغابي.
قام بن ميناشي بتسجيلات فيديو وتسجيلات صوتية يفترض أنها كشفت خطط تسفانجيراي لمحاولة اغتيال الرئيس موغابي، والذي تبين فيما بعد أنه من استعان بابن ميناشي للايقاع بتسفانجيراي، وقد قام بن ميناشي بتسليم التسجيلات إلى موغابي، ليوقع الطرفان على الفور صفقة استشارية خاصة بهما تبلغ قيمتها أكثر من مليون دولار، واُحوكم تسفانجيراي بتهمة الخيانة.
في 2004 صدر حكماً ببراءة تسفانجيراي، وفي حكمه، وصف قاضي المحاكمة سلوك بن ميناشي في قاعة المحكمة بأنه كان سلوكاً “وقحاً جداً… أدلى بملاحظات لا مبرر لها، واستمر في إظهار سلوك مزيف حتى بعد أن حذرت المحكمة من ذلك”.
وتعليقاً على ما قاله القاضي قال بن ميناشي انه ليس نادماً على ما فعله، وأضاف “إن تسفانجيراي هو الذي اقترب منا، طلب منا القيام بانقلاب واغتيال موغابي، لكن لم أصغ له، نحن لا نفعل ذلك، لقد سار واقترب من الرجل الخطأ”.
روبرت موغابي، الزعيم الزيمبابوي، والذي لم تعرف بلده منذ استقلالها سواه، القائد الذي ارتبط اسمه عند الأجيال المتلاحقة بالنضال ضد العنصرية والدفاع عن حقوق السود خلال الحقبة الاستعمارية، لكن هذا الزعيم “الأوحد”، ورغم دوره التاريخي الإيجابي؛ تحول مع مرور السنوات لدى أغلب شعبه إلى متسلط وديكتاتور يقمع خصومه، ويزور الانتخابات، ويجلب للبلاد عداوات خارجية هي في غنى عنها، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها، حيث تتجاوز نسبة البطالة فيها نحو 90%.
طوال فترة حكمه، وقبل الانقلاب عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، اتهم وحاشيته بإحكام القبضة الحديدية على زيمبابوي وقمع الحريات فيها، والسيطرة على موارد البلاد، كما اتهم موغابي اتهم بالدكتاتورية والعنصرية ضد البيض واغتصاب أراضيهم منذ 1999 أثناء ما عُرف بالإصلاح الزراعي الذي يعيد تقسيم الأراضي من جديد بين السكان الأوروبيين ونظرائهم الأصليين في البلاد، مما أدى إلى هجرة الكثير من ذوي الأصول الأوروبية عن البلاد.
بن ميناشي وانفصاليو ليبيا
بحسب وثائق نشرتها الحكومة الأمريكية في الأعوام الماضية، بموجب القانون الذي يحتم على أصحاب الشركات المتخصصة في العلاقات العامة وتعبئة الرأي العام بالكشف عن تعاملاتها مع وكلاء أجانب، نشرت وثائق تفيد تعامل شركة بن ميناشي مع عدد من الشخصيات والميليشيات الليبية الساعية لتقسيم ليبيا، أو ما يعرفوا بـ “انفصاليو ليبيا”، بقيادة خليفة حفتر والموالين له، حيث ان ابرام عقود بملايين الدولارات من أجل دعم مساعي الانفصال وإضفاء شرعية دولية عليها.
وحول هذه العلاقات صرح بن ميناشي ذات مرة لـ “ميدل ايست آي” أنه لدى شركته “اتصالات مع عدد كبير من المجموعات في ليبيا للعمل على أجراء حوار ليبي، والضغط على الولايات المتحدة لإنشاء هيئة تشريعية”، إلا أنه رفض الإفصاح عن أسماء الشخصيات التي أشار إليها.
فيما يلي نبذة عن هذه العلاقات:
بن ميناشي والفيدراليين:
خلال عامي 2013 و2014 كان بن ميناشي على صلة بالفيدراليين شرق ليبيا، وزار بنغازي في سبتمبر/أيلول من عام 2013 للقاء زعامات التيار الفيدرالي ومنهم الزبير السنوسي، قائد التيار آنذاك، والذي تم تغيير اسمه فيما بعد إلى “المكتب السياسي لإقليم برقة” في أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام، لتوطدعلاقة بن ميناشي برئيس المكتب إبراهيم الجضران، الذي تحدثت صحف غربية عن توقيع عقد بينهما بقيمة 2 مليون دولار في ديسمبر/كانون الأول 2013، لإقناع دول كبرى بالاعتراف بحق برقة في الحكم الذاتي، وحشد الاعتراف بها خاصة لدى الولايات المتحدة وروسيا.
ميناشي تحصل على جزء من أموال العقد المقدر، لكنه لم يكمل مهمته ولم ير المكتب السياسي لبرقة أي نتائج ملموسة، خاصة بعد تورط المكتب في حادثة سفينة “مورننق غوري” التابعة لشركة كورية، والتي جاءت بوساطة بن ميناشي لتوريد شحنة نفط من ميناء السدرة في مارس/آذار 2014.
بن ميناشي وحكومة الحاسي (المؤتمر العام المنتهي ولايته):
في أكتوبر/تشرين الأول 2014 تم توقيع عقد بين حكومة الحاسي وبين شركة ديكينز ومادسون كندا، ، بهدف تلميع حكومته وكسبها عدد من الاعترافات الدولية، وبلغت قيمة العقد 2 مليون دولار، وقد تم توقيع العقد بين اري بن ميناشي وشركة انيورت ليبيا (Anyurt Libya Co.)
بن ميناشي وحفتر
في يوليو/تموز 2016 نشرت حكومة الولايات المتحدة وثائق تفيد توقيع عقود بين حفتر وشركة بن ميناشي بقيمة 06 ملايين دولار للضغط نيابة عنه وعن البرلمان على الإدارة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا والتأثير عليها، من أجل تغيير سياساتهم إزاء ليبيا بما يخدم مصالح حفتر والبرلمان.
مثل بن ميناشي شركة ديكينز ومادسون كندا، في حين أناب عن الجانب الليبي رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح، وعبد الرازق الناظوري، ومراد الشريف، وخليفة حفتر.
دعم البشير
في حوار أجراه آري بن ميناشي مؤخراً مع شبكة البي بي سي البريطانية، كشف عن تقديمه عرض للرئيس السوداني المعزول عمر البشير في فبراير/شباط الماضي، بعد تزايد المطالبات الشعبية برحيله، حيث ضمن له فيه سلامته وعيشة راقية في مقابل التنازل عن السلطة لأهداف سياسية.
وجاء في تصريحات ميناشي أنه ” قابلت البشير في فبراير/شباط الماضي وقدمت له عرضاً بتشكيل حكومة انتقالية، بشرط تنازله عن السلطة، مقابل توفير بقائه في السودان في وضع محترم، وتنازل المحكمة الجنائية الدولية عن الدعاوى التي رفعتها ضده”، مؤكداً أن العرض قد حصل على تأييد الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب.
اضف تعليقا