بعد أكثر من 14 عامًا من النضال المرير في وجه القمع والاستبداد، تحقق للشعب السوري ومعارضته هدفهما الأكبر بسقوط نظام بشار الأسد الذي ارتكب المجازر في حق الشعب على مدار عقود
هذا الحدث كان نتيجة نضال طويل، بدأت شرارته في 2011 عندما تحولت مطالب الشعب بالحرية والكرامة إلى حرب دموية مدمرة، أودت بحياة مئات الآلاف وشردت الملايين.
تعنت الديكتاتور بشار الأسد تسبب في استقطاب تدخلات دولية وإقليمية عمقت الجراح وزادت من تعقيد الصراع والذي استعان بها على شعبه الأعزل فقتل الأطفال والنساء وعذب من بقي في مناطق سيطرته حتى جاء يومه الموعود.. فكيف كانت سنوات نضال الشعب السوري؟.
من احتجاجات سلمية إلى ثورة شعبية شاملة
في عام 2011، انطلقت شرارة الثورة السورية على يد مجموعة من الشباب المطالبين بالحرية والإصلاح السياسي. سرعان ما تحولت الاحتجاجات السلمية إلى انتفاضة واسعة النطاق بسبب العنف المفرط الذي مارسته قوات النظام لقمع المتظاهرين، حيث استخدمت الاعتقالات الجماعية، والتعذيب، والرصاص الحي ضد المدنيين.
رداً على هذا القمع الوحشي، حمل بعض المتظاهرين السلاح، وانشق عدد من الضباط والجنود عن الجيش السوري، مؤسسين نواة لقوات المعارضة المسلحة.
تلقت هذه القوى دعماً سياسياً ومادياً من دول غربية وعربية وتركيا، مما مهد الطريق لتحول الانتفاضة السلمية إلى ثورة شاملة تسعى لإسقاط النظام القمعي.
مع تصاعد الثورة، ظهرت قوى وجماعات متعددة على الساحة، أبرزها “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي نفذت هجمات نوعية ضد النظام، كان أبرزها تفجير دمشق في 2012. لكن هذا الصعود لجبهة النصرة أدى إلى تهميش الجماعات ذات الطابع القومي والليبرالي، مما أثار قلقاً دولياً من مستقبل سوريا.
في 2013، لعب حزب الله اللبناني دوراً محورياً في دعم نظام الأسد، لا سيما في معركة القصير التي أظهرت النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا، كما شهد هذا العام واحدة من أحلك اللحظات في الصراع، حيث استخدم النظام الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين دون أن يتبع ذلك أي تحرك عسكري دولي حاسم، مما عزز شعور السوريين بتخلي العالم عنهم.
في هذه الأثناء، برز تنظيم “داعش” كقوة جديدة ومخيفة، حيث سيطر على مدينة الرقة في 2014، وأعلن “دولة الخلافة”، مما أضاف بُعدًا جديدًا ومعقدًا للصراع السوري.
روسيا وإيران تقلبان الموازين
في عام 2015، تدخلت روسيا عسكرياً لدعم نظام الأسد، حيث شنت حملة جوية واسعة النطاق استهدفت المعارضة المسلحة ومناطق المدنيين على حد سواء. كان لهذا التدخل تأثير كبير في قلب موازين القوى لصالح النظام، مما مكنه من استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية.
لكن المعارضة لم تستسلم، بل عززت تعاونها وحصلت على دعم خارجي، مما مكنها من السيطرة على محافظة إدلب. إلا أن هذا النجاح ترافق مع بروز المسلحين الإسلاميين كقوة رئيسية في صفوف المعارضة، مما أثار انتقادات دولية وأدى إلى تراجع الدعم السياسي لها.
بحلول عام 2016، شهد الصراع السوري تراجعاً كبيراً لقوى المعارضة في المدن الكبرى. تمكنت قوات النظام بمساعدة روسيا وإيران من استعادة مدينة حلب، وهو ما اعتُبر أكبر انتصار للنظام خلال الحرب. كما استعادت السيطرة على الغوطة الشرقية ودرعا، مما دفع المعارضة إلى الانسحاب نحو الشمال.
في هذه الفترة، تزايدت التوترات بين تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، حيث شنت أنقرة عمليات عسكرية واسعة داخل الأراضي السورية لإقامة مناطق آمنة تحت سيطرتها. ساعد هذا التدخل التركي في تعزيز صمود المعارضة في الشمال، لكنه عمّق الانقسامات داخل صفوف المعارضة المسلحة.
شهد عام 2019 تطوراً مهماً تمثل في انهيار تنظيم “داعش” وفقدانه آخر معاقله في سوريا. هذا الإنجاز تحقق بفضل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي دعم القوات الكردية في معاركها ضد التنظيم. لكن هذا التحول لم يخفف من معاناة الشعب السوري، حيث استمرت قوات النظام وحلفاؤه في تنفيذ هجمات ضد المعارضة والمدنيين.
انقسام الحلفاء وانهيار النظام
مع دخول الحرب عامها العاشر، بدا أن نظام الأسد قد استعاد السيطرة على معظم الأراضي السورية، بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين. لكن التوترات الإقليمية بين إسرائيل وإيران، وتصاعد الصراع بين حزب الله اللبناني والاحتلال الإسرائيلي، أثرت على تماسك التحالف الداعم للأسد.
في 2023، شنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” هجوماً كبيراً على الاحتلال الإسرائيلي، مما دفع حزب الله إلى الانخراط بشكل أكبر في الصراع مع إسرائيل. هذا الانشغال العسكري قلل من تركيز حزب الله على دعم الأسد، مما أضعف موقف النظام بشكل كبير.
استغلت المعارضة السورية انشغال حلفاء الأسد لتشن هجوماً واسعاً على مدينة حلب. سقطت المدينة بعد معارك شرسة، مما أدى إلى انهيار سريع لقوات النظام. لم تمض سوى ثمانية أيام حتى دخلت المعارضة العاصمة دمشق، معلنة سقوط النظام بعد أكثر من ستة عقود من حكم حزب البعث.
كان دخول المعارضة إلى دمشق لحظة تاريخية للشعب السوري، بعدما أعلن أحمد الشرع “أبو محمد الجولاني”، قائد “هيئة تحرير الشام”، سقوط نظام الأسد، مؤكدًا في بيان رسمي استمرار النضال لتحقيق أهداف الثورة.
تجول الجولاني في شوارع دمشق وسط حشود من المدنيين المبتهجين، وصلى في المسجد الأموي، في مشهد يعكس الانتصار الشعبي على سنوات من القمع، وفي خطوة لإعادة الأمن والنظام، أعلنت قوات المعارضة فرض حظر تجوال مؤقت في دمشق، وبدأت بتنفيذ خطط لتأمين العاصمة.
اضف تعليقا