العدسة – منصور عطية
وكأنما وجد في أزمة عشيرة الغفران القطرية ضالته، ليعيد اللوبي الإماراتي لحقوق الإنسان تقديم شخصيات طالتها اتهامات رسمية على نحو يشكل فضيحة مدوية في الأوساط الحقوقية بالأمم المتحدة.
لم تفوت تلك الشخصيات الفرصة، وسعوا إلى تشويه سمعة قطر والإساءة لها، عبر الترويج الأممي لأزمة الغفران، في سياق استغلال الإمارات -كقائدة لدول حصار قطر- نفوذَها وأموالها في مجال حقوق الإنسان كذراع قوية في الحرب المستعرة منذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو الماضي.
ندوة مشبوهة وترويج إعلامي
المحاولة المتجددة في إطار تحركات دول الحصار المشبوهة، قادتها كل من المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والفيدرالية العربية لحقوق الإنسان، حيث عقدتا أمس الاثنين، ندوة عن قضية أبناء قبيلة الغفران القطرية، على هامش اجتماعات المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف.
ووفق بيان صادر عن المنظمة المصرية، فقد “روى أبناء الغفران مظالمهم المتعلقة بنزع جنسياتهم وطردهم من قطر، وعرضوا وثائق تثبت كونهم مواطنين أصليين في دولة قطر وليسوا مجنسين”، كما طالب هؤلاء “المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان بدعم قضيتهم وطالبوا حكومة قطر برد جنسياتهم لهم وتعويضهم ماديا عن الأضرار، ومحاكمة المسؤولين عن حملة الاضطهادات هذه”، على حد وصف البيان.
وكان لافتا تصدر 3 شخصيات للمشهد ومشاركتهم في الندوة، وهم: المصري “حافظ أبو سعدة”، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والإماراتيان “أحمد الهاملي”، رئيس الفيدرالية العربية، و”سرحان السعدي”، منسق الفيدرالية في جنيف.
وكان التعاون بين اللوبي الحقوقي ووسائل الإعلام الموالية لأنظمة دول الحصار لافتا، حيث ساهمت الأخيرة في الترويج لتلك الندوة وما صاحبها من اتهمات وفعاليات، شملت سحب الجنسية من 6 آلاف قطري، وتقدم بعض أبناء قبيلة الغفران بشكوى في مجلس حقوق الإنسان ضد الحكومة القطرية.
وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) أبرزت في تقرير نشرته حول الندوة، ما روجت أنه بعد إنساني في الأزمة، وأوردت قصصا مأساوية رواها أبناء القبيلة المشاركون في الندوة.
أما فضائية (سكاي نيوز عربية) الإماراتية، فقد أجرت حوارا مع أحد جابر الغفراني الذي قال إن قبيلته “تتعرض لانتهاكات حقوقية تحت مسمع ومرأى حكومة قطر من 1996 وحتى الآن”.
وعلى ذات النسق المروج لاتهامات هؤلاء التي احتضنتها الندوة، وصبغ تقاريرها بصبغة إنسانية سارت العديد من وسائل الإعلام الأخرى في دول الحصار.
حكاية “الغفران”
وبينما يتهم أبناء عشيرة الغفران السلطات القطرية “بانتهاك حقوقهم بأشكال تشمل سحب الجنسية والحرمان من حق العمل والاستفادة من مساعدات الدولة”، تقول مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن قطر “تتعاطى معها بجدية، بشأن شكاوى عشيرة الغفران فيما يتعلق بمسألة سحب الجنسية”.
وتقول قطر، إن كثيرا من الذين سُحبت جنسياتهم يحملون جنسيات أخرى، مثل الجنسية السعودية، وهو ما يخالف القانون القطري.
وعشيرة الغفران هى أحد الفروع الأساسية لقبيلة “آل مرة” الأكبر، ويعيش معظم أبنائها في قطر والسعودية، ويقول وجهاء الغفران إن أسباب ما يصفونه باضطهاد السلطات القطرية لهم تعود إلى عام 1996.
وفي هذا العام سيطر حمد بن خليفة آل ثاني، والد الشيخ تميم أمير قطر الحالي، على الحكم خلفا لوالده، وأيد عدد من أبناء الغفران الأب في مساعيه لاسترداد الحكم من نجله دون جدوى، ما أدى إلى أن اتهمت السلطات -كما يقول وجهاء الغفران- عشيرتهم بالتحريض والتخطيط لمحاولة الانقلاب على الحكم الجديد.
وفي عام 2004 سحبت السلطات القطرية الجنسية من 6 آلاف أسرة من عشيرة الغفران، وفي سبتمبر الماضي بعد أشهر من اندلاع الأزمة الخليجية، سحبت السلطات القطرية الجنسية من شيخهم “طالب بن لاهوم بن شريم المري” مع 55 شخصا آخرين.
وكان ذلك على خلفية مسندة القبيلة لمحاولات إسقاط النظام القطري التي كان يقودها حينها، ولا يزال، سلطان بن سحيم آل ثاني ابن عم أمير البلاد، والذي عقد اجتماعا موسعا مع الآلاف من أبناء القبائل المؤيدة له على الحدود بين السعودية وقطر.
كما عقد مشايخ وأعيان قبيلة آل مرة اجتماعا في الأحساء بالمنطقة الشرقية في السعودية، لبحث قرار الدوحة سحب الجنسية القطرية من شيخهم.
ثلاثي الفضيحة!
قيادة الشخصيات الثلاث السالف ذكرها للندوة لم تكن السابقة الأولى في سياق جهودهم “مدفوعة الأجر” للتخديم على أجندة دول الحصار الرامية إلى تشويه سمعة قطر والإساءة لها في المحافل الدولية، انطلاقا من ملف حقوق الإنسان.
كما أعادت الندوة إلى الأذهان الفضيحة المدوية التي أعقبت اختتام اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 30 سبتمبر الماضي.
تلك الفضيحة كشفها تحقيق أجرته “الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة” داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، حيث أدان وجود “تعبئة وضغط سياسيين تمارسهما الإمارات عن طريق إغراق المجلس بمعلومات مضللة، والضغط على المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان، في انتهاك صارخ للقوانين المالية والتجارية السويسرية والأوروبية”.
الهيئة التي تتخذ من جنيف ونيويورك مقرين لها، أعلنت بحسب تقارير إعلامية، أنها تقدمت برفقة حقوقيين سويسريين بطلب إلى الشرطة السويسرية من أجل اعتقال كل من “سرحان الطاهر سعدي” المقيم في سويسرا والمنسق العام لجمعية محلية إماراتية متورطة في تقديم رشًا وغسيل أموال تدعى “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”، إضافة إلى شخص آخر إماراتي الجنسية يدعى “أحمد ثاني الهاملي” يقف خلف ذات الجمعية بجانب منظمة أخرى تدعى “ترندز” للبحوث والاستشارات.
كما تقدمت الهيئة للشرطة السويسرية بتقرير تفصيلي مدعم بالأدلة وإفادات الشهود، حول قيام الأشخاص المتهمين بتوزيع رشا داخل الأراضي السويسرية، وداخل مقرات الأمم المتحدة، إضافة إلى نقل أموال والعمل بصورة غير قانونية، وطالبت كذلك مجلس حقوق الإنسان بطرد جمعية إماراتية تتواجد دون أي صفة قانونية داخل أروقة المجلس، وترتكب مخالفات مالية وقانونية وتهرب ضريبي.
الهيئة ذاتها اتهمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برئاسة الحقوقي البارز “حافظ أبو سعدة”، بالتورط في مشاركة الإمارات في تسييس أعمال مجلس حقوق الإنسان، موضحة أن المنظمة المصرية سهلت عمل “الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان”، خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان السادسة والثلاثين، سبتمبر الماضي.
وطالبت الهيئة المستقلة بسحب الصفة الاستشارية للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بسبب تلقي رشاوى من الجمعية الإماراتية.
اضف تعليقا