العدسة – ياسين وجدي:
بين تصعيد وتصعيد ، وضربة بضربة ، تحيا باكستان والهند ، في العقود الستة الأخيرة على أمل حسم ” انتماء ” كشمير ، بينما يقف شعب كشمير المسلم ببسالة يواجه الاحتلال الهندي البغيض وفق ما يصفونه ، محاولا مواصلة مقاومته وتحرره وفق شرائعه وقرارات مجلس الأمن المعتمدة والتي تعطلها الهند.
“العدسة” بحث المشهد الأخير للتصعيد ، والذي يبدو أنه يتجه للتهدئة المؤقتة بناء على طلب المجتمع الدولي ولكن تبقى كشمير بركان في انتظار الانفجار المدمر بعد تجاهلها مجتمع دولي لا يتجاوب مع آمال تحررها بسبب الأغلبية المسلمة كما يقول بعض أبناءها!.
سياق الأزمة
ولدت الأزمة الأخيرة بين الهند وباكستان توقيتا بعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، في وقعة وصفها خصوم لسلمان الابن ساخرين بأنها وقعت بسبب شؤم زيارته ، لكن الأزمة أعمق من ذلك بحسب المراقبين.
يمكن قراءة سياق التصعيد من يوم 14 فبراير الماضي بعد تفجير سيارة ملغومة في ذلك اليوم أسفرت عن مقتل، 40 على الأقل من قوات الأمن الهندية في الجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي من كشمير وهي الهجمة التي تعتبر الأعنف خلال موجة الاستقلال ضد الحكم الهندي لكشمير المحتل والتي بدأت منذ ثلاثة عقود.
وتطور الأمر الثلاثاء 26 فبراير ليمضي المشهد تحت شعار “ضربة بضربة ، والبادي أظلم ” عندما شنت طائرات هندية، الثلاثاء، غارات داخل باكستان، ضد عناصر جماعة “جيش محمد”، وزعمت أن طائراتها الحربية قتلت “عددًا كبيرًا جدًا” من المقاتلين بالتزامن مع اعتقال مئات الناشطين في إقليم كشمير ردا على أحداث 14 فبراير ، فيما نفت باكستان وقوع ضحايا، وتوعّدت بالرد على “العدوان الهندي” ليرد الجيش الباكستاني بدوره ، الأربعاء، بإسقاط مقاتلتين هنديتين “اخترقتا” المجال الجوي لباكستان، فضلاً عن أسر ثلاثة طيارين هنود ، في إجراء وصفته وزارة الخارجية الباكستانية، الأربعاء ، بأنه إثبات للحق والقدرة على الدفاع عن النفس، وهو ما كرره رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، داعيا الهند “للحوار وتحكيم العقل”، خاصة أن هذه الهجمات الجوية، عبر خط المراقبة الفاصل بين الهند وباكستان، تعتبر هي الأولى منذ عام حرب 1971.
وبحسب تقارير هندية، فإن 32 طائرة عسكرية اشتركت في المعركة الجوية الخاطفة بين الهند وباكستان ، الأربعاء، حيث واجهت 8 طائرات هندية 24 باكستانية، ولكن المثير للانتباه ما كشفته مصادر في وزارة الدفاع الهندية لوسائل الإعلام أن نيودلهي استخدمت قنابل “إسرائيلية” الصنع في غاراتها الجوية على باكستان .
مخاوف دولية !
لم تكن ضربة عادية هنا أو هناك، حسب المراقبين، لكنها بداية استفزاز قد يكون له ما بعده ما أفرز مخاوف دولية تتوسع.
ويرجع البعض تلك المخاوف الدولية إلى وجود الأسلحة النووية لدى الهند وباكستان، خاصة أن الإدارة المدنية في باكستان لا سلطة لها على الأسلحة النووية وحواملها حيث أن السيطرة عليها، خلاف الهند، محصورة في باكستان بأيدي العسكريين، وبينهم العديد من “الصقور”، وفي حال خسارتهم النزال بالأسلحة التقليدية، فإنهم من دون أي تردد سيستخدمون الأسلحة النووية حيث تملك باكستان ما بين 130 إلى 140 قنبلة نووية، ويحتل الجيشين الهندي والباكستاني المرتبة الثالثة والعاشرة، على التوالي، بين أقوى الجيوش الآسيوية.
الأمم المتحدة سارعت مع دق ناقوس الخطر إلى مطالبة الجارتين النوويتين بالهدوء والالتزام بضبط النفس واتخاذ خطوات عاجلة للحفاظ على الأمن والسلام بين البلدين، فيما أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن أمله في أن ينتهي الصراع بينهما بعد وقت من تصريح مسؤول في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، بأن مخاطر أنْ تقْدم الهند وباكستان على مزيد من التحركات العسكرية مرتفعة بشكل غير مقبول.
ودخلت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، على خط الأزمة عبر اتصالات مكثفة أعربت عن القلق البالغ والحرص على عدم التصعيد ، فيما عرض وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الوساطة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان حاضرا في مشهد الحل ، حيث اجرى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان اتصالا هاتفيا معه بهذا الخصوص، بحثا فيه التوتر ، وإمكانية أن تلعب تركيا دوراً في التهدئة مع الهند ، وهو ما عززه اتصال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مع الجانب الباكستاني، لاحتواء التوتر، بالتزامن مع دعوة دولة قطر كلاً من الهند وباكستان إلى ضبط النفس وعدم التصعيد.
ومرت ساعات عصيبة على الهند وباكستان توقع فيها البعض نشوب حرب نووية ، حتى خرج مسؤولون في وزارة الدفاع الهندية، الخميس 28 فبراير ليعلنوا عن أن الحكومة الهندية “سعيدة” لأن باكستان قررت إعادة طيار سلاح الجو الهندي “أبهين اندان” الذي وقع في الأسر بعد إسقاط طائرته وإنها تتطلع لعودته بعد إعلان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ذلك أمام البرلمان.
وترجع تحليلات هذا الارتياح الهندي إلى أن رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، يخضع لضغوط قوية للغاية من جميع القوى التي تطالب باتخاذ إجراء حاسم ضد الإرهابيين ورعاتهم، أي الجيش والاستخبارات الباكستانية، من وجهة نظر الهند ، وبالتالي فإن الحصول على أسير له وزنه السياسي خاصة في ظل تأكيدات نيودلهي أنها لا ترغب في التصعيد وتنشد الرد على هجوم 14 فبراير فحسب.
إنها جامو وكشمير
ويرجع المراقبون الأزمة المستمرة في احتلال الهند لـ” ولاية جامو وكشمير” ، حيث يناضل أبناء الولاية ذي الأغلبية المسلمة من أجل الحصول على الاستقلال أو الانضمام إلى باكستان، ومع ذلك ليس هناك حدود رسمية في ولاية كشمير بين الجيشين الهندي والباكستاني إلا الخط الفاصل بينهما ، فيما تؤكد باكستان مرارا أن سكان كشمير يناضلون بصورة مستقلة من أجل الحصول على حقوقهم في مواجهة أي احتلال، وقد تسبب ذلك في ثلاث حروب طاحنة بين الهند، وسلام هش.
وبحسب تعريف القانون الدولي يعتبر إقليم جامو وكشمير من الناحية السياسية منطقة متنازعا عليها حيث قامت الهند بضم الإقليم لها في 27 أكتوبر 1947 وفرضت عليه حماية مؤقتة بعد أن تعهدت للشعب الكشميري وللأمم المتحدة بمنح الكشميريين حق تقرير المصير، وهو ما تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 الصادر في عام 1948 من النص على إعطاء الشعب الكشميري الحق في تقرير المصير عبر استفتاء عام حر ونزيه يتم إجراؤه تحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما لم يتم حتى الآن.
ويرجع محللون تمسك الهند باحتلال كشمير إلى كونها تمثل أهمية إستراتيجية للهند جعلها شديدة التمسك بها على مدى أكثر من خمسين عاما رغم الأغلبية المسلمة بها ورغم الحروب التي خاضتها واستنزفت من مواردها البشرية والاقتصادية الكثير، حيث تعتبرها عمقا أمنيا إستراتيجيا لها أمام الصين وباكستان، وتنظر إليها على أنها امتداد جغرافي وحاجز طبيعي مهم أمام فلسفة الحكم الباكستاني التي تعتبرها قائمة على أسس دينية مما يهدد الأوضاع الداخلية في الهند ذات الأقلية المسلمة الكبيرة العدد كما تخشى الهند إذا سمحت لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية أن تفتح بابا لا تستطيع أن تغلقه أمام الكثير من الولايات الهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقو ديانة معينة.
وفي المقابل تعود أهمية كشمير بالنسبة لباكستان التي تعتبرها خطا أحمرا لا يمكن تجاوزه أو التفريط فيه، إلى كونها منطقة حيوية لأمنها وذلك لوجود طريقين رئيسيين وشبكة للسكة الحديد في سرحد وشمالي شرقي البنجاب تجري بمحاذاة كشمير، كما ينبع من الأراضي الكشميرية ثلاثة أنهار رئيسية للزراعة في باكستان مما يجعل احتلال الهند لها تهديدا مباشرا للأمن المائي الباكستاني.
وبين هذا وذاك صعد اسم قوى المقاومة الكشميرية في الداخل والخارج في المواجهة المستمرة ، حيث يبرز مؤتمر عموم الأحزاب الكشميرية، الذي يضم أكثر من 13 فصيلا كشميريا يمثلون كافة الاتجاهات السياسية ويطالبون بالاستقلال ، أما في الخارج فهي المقاومة التي تنطلق من خارج الحدود الكشميرية وخاصة من باكستان وهي موزعة بين عسكرية وسياسية ودينية وعلمانية وتتوزعها خريطة حزبية معقدة ومتشابكة كتشابك الأعراق والقوميات والمذاهب الفكرية في باكستان، ومنها جيش محمد الذي انشق عن المدارس الدينية التقليدية التابع لها حركة المجاهدين بزعامة فاروق كشميري وهو ما اتهمته الهند بالتورط في أحداث 14 فبراير، لتستمر المعركة بين رافضي الاحتلال والمحتل الهندي دون أفق سوى إقرار التحرر والسلام .
اضف تعليقا