في فبراير /شباط الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن إنهائه الدعم “الهجومي” للحرب في اليمن، ومع ذلك، وافق مجلس الشيوخ الشهر الماضي، بتشجيع من البيت الأبيض، على بيع أسلحة “دفاعية” للمملكة بقيمة 650 مليون دولار، لكن الخبراء رفضوا وصفها بـ “الدفاعية” مؤكدين أنها تُستخدم في الهجوم على الأبرياء في البلد الفقير.

عبد الله العودة، الباحث السعودي في منظمة “الديموقراطية للعالم العربي الآن -DAWN” التي أسسها جمال خاشقجي قبل وفاته، يرى أن هذه الصفقة مثالاً واضحاً على فشل بايدن في الوفاء بتعهداته.

قال العودة إن محمد بن سلمان يدير المملكة العربية السعودية بطريقة تجعلها “دولة مارقة”، أما إدارة بايدن فهي “ضعيفة ومتناقضة للغاية، ومترددة جداً”، مضيفاً أنه على الإدارة أن توجه للمملكة إنذاراً صريحاً بأنها “ستوقف مبيعات الأسلحة تماماً ما لم تنسحب القوات السعودية من اليمن”.

وأضاف العودة “حتى الآن لم يقم بايدن سوى بخطوة واحدة متعلقة بتعهداته: لم يتحدث مباشرة إلى محمد بن سلمان، واكتفى بإجراء مكالمات هاتفية مع والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود”.

من جانبه، انتقد أندريا براسو من مبادرة الحرية طريقة تعامل بايدن مع المملكة العربية السعودية، حيث قال “بحسب ما ورد أثار هذا غضب محمد بن سلمان… لكن هذا شكل غير كاف من أشكال معاقبة المملكة على انتهاكات حقوق الإنسان، هل حقاً العقوبة الكبيرة لقتل وتقطيع أوصال جمال خاشقجي هي ألا تقابل الرئيس بنفسك؟ حسناً سترسل السعودية أي شخص آخر وفي نهاية المطاف ستحصل على كافة الأسلحة التي تحتاجها… إن احترام حقوق الإنسان غير مدرجة في سياسة الولايات المتحدة”.

 

أولويات بايدن في الشرق الأوسط

يبدو الآن أن فريق بايدن مستسلم لفكرة توثيق العلاقات مرة أخرى مع المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق أهداف سياسته الخاصة، مثل الحصول على أسعار الغاز الرخيصة والاتفاق مع إيران.

الولايات المتحدة مستقلة إلى حد كبير في مجال الطاقة وقد خفضت بشكل مطرد كمية النفط التي تستوردها من الخليج العربي، ومع ذلك، تتمتع المملكة العربية السعودية وشركاؤها في أوبك بسلطة هائلة على أسعار النفط العالمية، والتي بدورها تؤثر على ما يدفعه الأمريكيون.

في أواخر سبتمبر/أيلول، مع ارتفاع أسعار الغاز، سافر مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى المملكة العربية السعودية في أول زيارة لمسؤول كبير من إدارة بايدن للقاء محمد بن سلمان، كانت الرحلة سرية: لا صور مع ولي العهد ولا تصريحات انتقادية.

آن باترسون، التي شغلت منصب أكبر دبلوماسي في الشرق الأوسط في وزارة خارجية أوباما، علقت على هذا قائلة “خلاصة القول هي أن سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة العربية السعودية لم تتغير على الإطلاق ولا تزال مرتبطة بأسعار الطاقة”. كان على الإدارة، مثل الآخرين من قبلهم، أن تتعاون مع السعوديين لمطالبتهم بزيادة الإنتاج لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة.

في الشرق الأوسط على نطاق أوسع، ركزت إدارة بايدن على إعادة إيران إلى الاتفاق النووي، الذي انسحب منه ترامب على الرغم من معارضة الحزبين.

تتطلب هذه العودة موافقة الشركاء الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية وإسرائيل، قد تؤدي الألعاب الدبلوماسية بين قوى الشرق الأوسط إلى تسويات مماثلة كان أوباما قد سعى إليها عندما سمح فريقه بشكل أساسي لمحمد بن سلمان بغزو اليمن في عام 2014 كوسيلة لإشراك المملكة العربية السعودية في الصفقة.

يهتم فريق بايدن أيضاً بمواجهة نفوذ الصين التي تعتمد على نفط الخليج، والتي أصبحت الآن الشريك التجاري الأساسي للمملكة العربية السعودية وتساعدها في بناء مصنع للصواريخ الباليستية.

نبيل خوري، الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط يرى أن فريق بايدن يريد “تحويل السياسة الخارجية الأمريكية من عقلية الحرب الباردة المتمثلة في الاعتماد المفرط على الحرب العالمية على الإرهاب، واستخدام الحلول العسكرية إلى الدبلوماسية”.

وتابع ” هذا الأمر أشبه بالفنان الذي يرقص متشبثاً بالأرجوحة المعلقة… من شريط واحد إلى آخر دون معرفة أي شريط يجب التقاطه… ينتهي بك الأمر بوجه على الأرض”.

 

الرجوع إلى العهد السابق؟

بينما أثارت الإدارة مسألة حقوق الإنسان في محادثات خاصة مع نظرائها السعوديين، فإن الكلمة العليا تأتي من البنتاغون، الذي وافق على مبيعات أسلحة ضخمة، حيث باعت إدارة أوباما 118 مليار دولار من الأسلحة للبلاد وإدارة ترامب 25 مليار دولار، وبايدن مستعد لمساعدة المملكة العربية السعودية على الاستمرار في كونها أكبر مشتر للأسلحة في العالم.

قالت وزارة الدفاع إن عملية البيع الأخيرة البالغة 650 مليون دولار “ستدعم السياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن دولة صديقة لا تزال تمثل قوة مهمة للتقدم السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط”.

ومع ذلك، لا يرى نشطاء حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية أن قيادة محمد بن سلمان تشكل حقاً قوة من أجل “التقدم”. تحررت بعض جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية تحت حكم محمد بن سلمان – مع تحولات مثل حضور الرجال والنساء للحفلات الموسيقية معًا، لكن هذه إصلاحات محدودة على يد زعيم يسجن ويقتل أعدائه السياسيين بصورة منهجية ويستهدف الناشطات النسويات.

في تصريح لشخص سعودي، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته بسبب تلك المخاوف، “حتى مع انفتاح البلاد اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا، فقد أصبحت أكثر تقييدًا وأكثر خانقًا”.

ربما أصبح محمد بن سلمان منبوذًا لفترة بعد اغتيال خاشقجي مباشرة، لكن مع مرور الوقت، استطاع استعادة الكثير من مكانته التي كان على وشك أن يفقدها تماماً.

قبل ثلاث سنوات، تجنب عمالقة الأعمال المؤتمر الاقتصادي الضخم الذي نظمته المملكة “دافوس في الصحراء”، لكن في العام الماضي، عاد الكثيرون؛ أرسلت الإدارة الأمريكية نائب وزير التجارة دون جريفز للحضور، وهذا مثال على السياسة الوسيطة التي تضفي بعض الشرعية على سلطات محمد بن سلمان.

لخص ماكغورك، كبير مستشاري الشرق الأوسط في البيت الأبيض، نهج بايدن بأنه “العودة إلى الأساسيات” أو العودة إلى سياسات العهود السابقة، مع التركيز على “الدروس المستفادة” و “عدم السعي وراء أهداف متطرفة غير قابلة للتحقيق”، وفي أسوأ الأحوال، توحي لمحمد بن سلمان وطغاة آخرين بأنهم لن يواجهوا أي عواقب. 

يمكن للمرء أن يقول إن خطاب بايدن الانتخابي كان مجرد لعبة سياسية، وأن الوعود التاريخية للحملة لا تُترجم إلى سياسة خارجية فعلية.

من هذه الملاحظات، من الواضح أن بايدن ودائرته الداخلية يفهمان محمد بن سلمان، ومن الواضح أيضاً أنهم لم يتوصلوا إلى كيفية تحويل انتقاداتهم إلى سياسة أفعال لا أقوال.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا