العدسة – معتز أشرف:

لقاء تاريخي بامتياز بعد 7 عقود من التوتر والغدر والقتل والترويع، سجل فيها زعيما الكوريتين الجنوبي مون جيه والشمالي كيم جونج صفحة جديدة من العلاقات والسلام أنهت كما يقولون ما مضى، نرصد أجواء الحدث التاريخي وأسبابه، بعدما ظن البعض ألا تلاقي بين الكوريتين .

تاريخ جديد

وبدأ التاريخ من جديد بحسب وصف مراقبين، مع لقاء رئيس كوريا الجنوبية مون جيه بزعيم الشمال كيم جونج الجمعة؛ حيث تبادل الاثنان الابتسامات وتصافحا في المنطقة الحدودية منزوعة السلاح مع انعقاد أول قمة للكوريتين منذ أكثر من عقد، كما تناقضت مشاهد الحديث الودي بين مون وكيم بشدة مع لقطات إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية العام الماضي والتجربة النووية الأكبر التي أجراها الشمال وأدّت إلى عقوبات دولية واسعة ومخاوف من نشوب صراع على شبه الجزيرة الكورية، ولم يقتصر التوصيف عن المراقبين فقد طال الأمر زعيم كوريا الشمالية المعروف بأنه ديكتاتور أوج؛ حيث قال كيم” إننا اليوم عند خط بداية، حيث يسطر تاريخ جديد من السلام والرخاء والعلاقات بين الكوريتين، وكتب كيم باللغة الكورية كذلك في دفتر المراسم: ”تاريخ جديد يبدأ الآن، عهد من السلام“ ثم ترك توقيعه والتاريخ، كما قال مسؤول كوري جنوبي إن كيم أخبر مون في جلستهما الخاصة بأنه جاء إلى القمة لإنهاء تاريخ من الصراع ومزح الزعيم الكوري الشمالي مع رئيس الجنوب قائلا: إنه يأسف لأنه كان يبقيه مستيقظا بسبب تجارب إطلاق الصواريخ في ساعات متأخرة من الليل، وأنه مستعد لزيارة البيت الأزرق الرئاسي في سول وأنه يود لقاءه على فترات أكثر تقاربًا في المستقبل.

الأجواء السابقة لهذه القمة مهدت لهذه الدبلوماسية الرقيقة من الزعيم الخشن؛ فقبل أيام من القمة أعلن كيم تعليق التجارب النووية والصاروخية بعيدة المدى وتفكيك موقع التجارب النووية الوحيد المعروف في كوريا الشمالية، فيما أخفقت قمتان سابقتان بين زعيم الشمال ورئيس الجنوب، وكانا في بيونجيانج عامي 2000 و2007، في وقف برامج الأسلحة الكورية الشمالية أو تحسين العلاقات بشكل دائم.

 مسك الختام، كان بإعلان زعيمي الكوريتين إجراء محادثات عسكرية رفيعة المستوى مايو المقبل للحد من العداء بين البلدين، عبر تدشين “مباحثات ثلاثية بينهما والولايات المتحدة، أو رباعية تشمل أيضا الصين، من أجل تحويل الهدنة إلى معاهدة سلام، لإحلال السلام الدائم في شبه الجزيرة الكورية”، كما أضافا “نأمل أن تعلن جميع الأطراف رسميًا نهاية الحرب بحلول نهاية العام الحالي”، وتعهدا أيضًا بـ”نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، علاوة على ضمان عدم نشوب أي حرب”، كما أعلن رئيس كوريا الجنوبية أنه سيزور جارته الشمالية الخريف المقبل، وأنه اتفق مع الزعيم الكوري على عدم نشوب أي حرب، ووقف جميع الأعمال العدائية”.

وشهدت العلاقة بين الكوريتين فصولا من التوتر عبر 7 عقود، بدأت بالحرب بين الكوريتين فى الفترة ما بين 1950 – 1953، حيث وقع فيها ما بين مليونين و4 ملايين قتيل، وتم توقيع هدنة هشة فى 27 يوليو 1953 لكن دون أن يليها اتفاق سلام، كما وقعت عدة عمليات اغتيال وتوغل ومواجهات تهدد وقف إطلاق النار، ووضعت بيونج يانج قواتها مرات عدة فى حالة تأهب، منها أحداث  21 يناير 1968، و18 أغسطس 1976 و 9 أكتوبر 1983، و29 نوفمبر 1987، و18 سبتمبر 1996، و 15 يونيو 1999، و 9 أكتوبر 2006، و 23 نوفمبر 2010 وصولا إلى العام  2017، حين كثفت بيونج يانج، إطلاق الصواريخ الباليستية ونفذت فى 3 سبتمبر، سادس تجربة ذرية لها والأكثر قوة حتى الآن.

أسباب التلاقي 

ولهذه القمة بين الكوريتين أهمية خاصة لأسباب كثيرة مثل انعقادها في المنطقة منزوعة السلاح، وهي قطعة أرض مساحتها 260 كيلومترا نصت الهدنة بين البلدين عام 1953 على أنها ستكون منطقة عازلة بين الجنوب والشمال، لتتوازى مع ملامح تحسن العلاقات بين الجارتين في شبه الجزيرة الكورية، التي ظهرت منذ موافقتهما على تشكيل فريق أولمبي موحد، والسير تحت راية واحدة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، التي استضافتها كوريا الجنوبية في فبراير الماضي.

وبحسب مراقبين، فإن التقارب بين الكورتين مسألة أمريكية بحتة؛ حيث إن البيت الأبيض دومًا ما كان يستخدم ورقة كوريا الشمالية ضد الصين لمنع الهيمنة على منطقتها في بحري الصين الجنوبي والشرقي، ولكن عندما ملكت كوريا الشمالية السلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدى فقد تغير الحال نوعا ما، فأصبح بمثابة استفزاز من قبل دولة صغيرة وتحدٍّ لأمريكا واستخفاف بهيبتها أمام العالم، فأخذت تعمل على نزعه أو احتوائه، فصار يهددها هي وحلفاءها في اليابان وكوريا الجنوبية في الوقت الذي تتخذه ذريعة لزيادة نفوذها في المنطقة لمجابهة الصين، وقد تبنت استراتيجية عام 2012 على نقل 60% من قوتها البحرية نحو هذه المنطقة، ومع صعود ترامب إلى سدة الحكم اتخذ أسلوب التلويح بالحرب والتهديد بالقضاء على كوريا الشمالية، خاصة أن كوريا الجنوبية واقعة تحت النفوذ الأمريكي ويرابط فيها 28500 جندي أمريكي، فلا يمكن أن تتصرف من دون إيعاز أمريكي، فتكون خطوات النهج التصالحي في إطار الرغبة الأمريكية، وهو ما يتوازى مع ما أعلنه البيت الأبيض في بيان مع بدء قمة الكوريتين؛ حيث أعلن أن الولايات المتحدة تأمل في أن تحرز المحادثات بين كيم ومون تقدما في سبيل تحقيق السلام والرخاء، خاصة أن من المتوقع أن يلتقي ترامب وكيم في أواخر مايو أو يونيو، وقال الرئيس الأمريكي الخميس: إنه يفاضل بين عدد من المواعيد والمواقع المحتملة للقاء.

وفي المقابل يرى البعض أن دورة الألعاب الأوليمبية الأخيرة كانت سببًا في كسر الجليد بين الكوريتين من خلال المشاركة كفريق واحد ضمن هذه الدورة، وكانت مهمة لبناء الثقة بين الجانبين، ولعبت دورًا في تطوير العلاقات بين الكوريتين؛ لأن كوريا الشمالية لا تستطيع أن تعيش في عزلة عن العالم بهذه الطريقة، مع ممارسة الولايات المتحدة ضغوطا كبيرة عليها لإخضاعها، كما أن كوريا الجنوبية تريد الحل، ولم تجنِ شيئا على مدار عام، من حكم الرئيس دونالد ترامب، وتوقف المباحثات مع كوريا الشمالية.

اليابان كان لها رأي في التقارب، أعلنته بوضوح  في فبراير الماضي؛ حيث أكد وزير خارجية اليابان تارو كونو أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، بما فى ذلك حظر صادراتها من الفحم والمأكولات البحرية والحديد، بالإضافة إلى خفض استيرادها من النفط، بدأ تأثيرها فى الظهور، وأن التقارب الأخير بين الكوريتين على خلفية دورة الألعاب الأوليمبية يعد دليلاً على ذلك، مشددا على أن العقوبات لن يظهر تأثيرها من خلال فرضها لأيام أو أسابيع، بل سيتم فرضها لشهور وعلى المجتمع الدولى أن يكون صبورا وأكثر تنسيقا؛ لأن ذلك هو السبيل الوحيد، وأن أى بدائل أخرى ستسفر عن بعض من ردود الفعل المتبادلة، التى لا يرغب أى طرف أن تحدث، ولكن يبدو أن الآثار كانت سريعة، خاصة أن كوريا الشمالية أعلنت صراحة أنها تريد وقف نشاطها النووي مقابل الاهتمام بالوضع الاقتصادي.